لا أستسيغ أن ابدأ أي موضوع أو مقال بكلمة أنا فهي كلمة بالنسبة لي اجدها تحمل معاني لا أحبها وفيها خيلاء وإحساس بالذات.. لكن كان لابد من أن أبدأ حديثي معك أيها القارئ بكلمة أنا لأن الحقيقة أنني أنا لا اعتبر العودة الي التراث أو ما يعتبرونه من التراث بمعني أن نعيد تقديم عرض سبق تقديمه ونال إستحسان المتلقي وهو ما تم بالنسبة لعدد من الأعمال التي قدمت لأكثر من مرة وخلال فترة زمنية ليست بعيدة بمعني ان العرض قد لا نعتبره من الاعمال الريبوتوار ولكن فقط قدم منذ عدة سنوات لا تزيد علي السنوات العشر. وهذا بالضبط ما حدث بالنسبة للمسرحية التي شاهدتها لك هذا الاسبوع وهي اولاد الغضب والحب للكاتب كرم النجار. شاهدتها هذا الاسبوع وكنت قد شاهدتها منذ10 سنوات ولكن الحقيقة لم اتذكرها بالضبط ولكن مجرد خطوط عريضة. شاهدتها هذا الاسبوع قد تكون برؤية مختلفة وقد تكون برأي مختلف وقد تكون ايضا بإحساس مختلف فعام2000 بالقطع مختلف عن عام2010 الذي نعيشه حاليا. اولاد الغضب والحب قد أراها الآن وقد زاد إحساسي بالشباب, زاد احساسي بالجيل الحالي. زاد احساسي بمعاناتهم واسباب هذه المعاناة.. هم في النهاية أبناء جيلنا.. الجيل الذي شهد أكثر من حرب. الجيل الذي عاني بالفعل.... هذا الجيل كيف تعامل مع أولاده ؟.. هل نقل إليهم ما عاناه؟ هل قدم لهم الحب الذي يحتاجه الشباب.. هل قدم لهم مجرد الأوامر والنواهي؟ هل تعامل معهم بديمقراطية حقيقية حتي تنقذ هذه الديمقراطية الي داخلهم ؟ لماذا نجد البعض منهم بل الغالبية غاضبة ؟.. البعض يحتاج ويشعر بالحب الحقيقي.. هل نلوم أنفسنا أم نلومهم؟. أسئلة عديدة تدور في الذهن وانت تشاهد هذا العرض الذي يقدم في شكل مسرحية داخل مسرحية.. هي ليست مسرحية ولكنها بروفات لمسرحية يشارك فيها الشباب ومعهم المخرج الذي هو من جيل الآباء. النص لكرم النجار فيه شبه محاولة لمحاكمة جيل لجيل آخر أو محاكمة أجيال لبعضها. هذا المجرم المتطرف لماذا اتجه للإجرام ؟ لماذا سرق ولماذا نظر للمجتمع هذه النظره شديدة السواد و الحقد ايضا. هذه الفتاة الشابة البريئة.. انها في حاجة الي الحب والي الحنان تنطلق لتحب المخرج بديلا عن الأب الذي تركها وحيدة. وايضا بالتأكيد تعاني من الاكتئاب. الثانية تعاني من الشيزوفرينيا هي لا تدري لأي من الشخصيتين تنتمي. هناك من تطلب الزواج بأي ثمن.. لا يهمها حتي لو كان الزواج عرفيا!! الشاب البائس الذي لا يجد ابسط حقوقه في أن يتزوج وتكون له أسرة وايضا بالطبع منزل ولو كان علي حد تعبيره مجرد مطرحين.!! وهكذا تختلط آمال الشباب مع احباطاتهم يحاكمون الجيل السابق جيل الآباء الذي تحمل ما لم يتحملوه في جيلهم ذلك الجيل الذي شهد نهاية الحروب والاستقرار. في النهاية من الجاني ومن المجني عليه هو نص الكاتب كرم النجار.. فماذا عن الإخراج.؟ هذه المهمة تولاها ناصر عبد المنعم لأجد أنه اجاد توظيف كل ادواته بصورة جيدة بالنسبة لنص صعب. قدم حركة جيدة للممثلين والممثلات وهناك بعض اللحظات البطيئة وكانت ضرورية لمنطوق ما يؤديه الممثل أو الممثلة والتي تركز علي صلب الموضوع. الديكور بسيط للغاية يمثل فقط الفضاء الذي يؤدي فيه الممثلون بروفة مسرحيتهم لكن لا أجد أي داع لهذه السلالم الحديدية. الاضاءة كانت مناسبة واستطاع في النهاية المخرج من خلال رؤيته وجمال موسيقي والحان خالد البكري استطاع المخرج ان يستخرج من الابطال أقوي ما بداخهم من احاسيس وانفعالات وأداء بصفة عامة. فقط كان العمل في حاجة الي بعض الاختصار خاصة والكل قد قدم مشكلته او مأساته أو مطالبه. تصميم الرقصات لواحد ممن نعترف بقدرتهم علي الإبداع وهو عاطف عوض. فماذا عن الابطال؟ في البداية.. لدينا قدم راسخة علي خشبة المسرح تستشعر انه يشعرك منذ البداية انك أمام عمل مسرحي جيد وهو الفنان احمد راتب في دور المخرج. امامه الفنان الشاب محمد نجاتي الذي اعرفه منذ فترة لأفاجأ به ممثلا كما يقال باللغة الدارجة من العيار الثقيل أداء فيه إحساس كبير بالشخصية المحبطة التي نالها الغضب فقامت بصبه علي المجتمع ووسط دموعه الحقيقية يسلم نفسه للعدالة في النهاية. فاكهة العمل هي الفنانة انوشكا فنانة شاملة بالفعل تمثل وتغني ترقص بإبداع ملحوظ.. رقص شرقي بعيد تماما عن الخلاعة ورقص غربي بحركاته الصعبة, وغناء بصوت حساس وأداء تمثيلي لفنانة تحيط بكل تفاصيل الشخصية التي تقدمها وبصورة يمكن ان تصفها بأنها انيقة. لدينا ايضا مجموعة من الممثلين الذين استخرج منهم هذا النص وهذا المخرج طاقات جيدة للغاية منهم سيد الكومي وحسن عبد الفتاح كثنائي كوميدي ودعاء رمضان كطاقة ايضا كوميدية تحمل لونا خاصا بالاضافة لصفاء جلال وبسمة ياسر ويسرا كرم وعماد الراهب. تحية خاصة لتوفيق عبد الحميد رئيس البيت الفني للمسرح علي اختياره لهذا العمل ليقدم مرة أخري علي مسرح السلام.