من هو الجاسوس؟ هل هو شخص شديد الذكاء أم الغباء! هل هو شخص محتاج للمال أم طماع!.. شجاع أم ندل وجبان!.. صياد أم فريسة سهلة؟ من المؤكد أن هناك دوافع نفسية أدت به الي ذلك, ربما في نشأته الأولي أو في أي مرحلة من حياته المختلفة.. لكن مهما تكن الدوافع والظروف فهل هذا يعني أن يصل به الحال الي التجسس؟. في السطور التالية نحاول الإجابة عن كل هذه التساؤلات.. علي حسب رأي د. أحمد عكاشة رئيس الجمعية المصرية للطب النفسي, ان الجاسوس موجود في كل بلاد العالم, وبعض هؤلاء الجواسيس يعملون لمصلحة بلادهم ويتميزون بصفات تختلف تمام الاختلاف عن الذي يعمل ضد بلده, فالأول إنسان لديه مصداقية وإحساس بالمسئولية تجاه وطنه ويقوم بهذه الوظيفة لعدم إيثاره لذاته, ولكن من منطلق حبه لوطنه, ويكون عادة ذكيا كتوما مخلصا متقنا. أما الجاسوس الذي يعمل ضد بلده فهذا يتميز بصفة التمركز حول ذات عدم الانتماء والاستهانة بالوطن والمجتمع والأسرة والتقاليد والأعراف, وعنده شهوة الي تخطيط الإشباع الفوري, هذا من الممكن أن يكون لغرض المال أو القوة أو الجنس, وهذا هو الطعم الذي يتم اصطياده به, ولهذا نجد أن هناك جواسيس من النساء نجحن في أن يتقربن للرجال ويستخدمن أنوثتهن للحصول علي معلومات منهم, والعكس من الممكن أن يتم تجنيد رجل باستقطابه عن طريق المرأة, وتعمل معظم الدول علي استقطاب وتجنيد هؤلاء الذين يتميزون بهذه الصفات, أو أن بعضهم يتطوع للعمل معهم, وهناك أشخاص متخصصون في دراسة شخصية كل إنسان ومعرفة نقطة الدخول لهذه الشخصية والتأثير عليها. والجاسوس ليس مريضا نفسيا, فالمخابرات لن تجند شخصا يعاني من مرض نفسي لأنه في حالة اصابته بمرض نفسي يصبح غير صالح للعمل بالجاسوسية, لكن الجاسوس يعاني من اضطراب في سمات الشخصية ويتميز بالذكاء والمرونة والمراوغة والأنانية ولا يفكر في وطنه أو أسرته أو دينه. أما د. هاشم بحري أستاذ الطب النفسي جامعة الأزهر, فيتقط الخيط قائلا: الجاسوس هو إنسان تكون صفاته قائمة وبشدة علي إعلاء الأنانية, فقد قرر أن يحل مشكلته بطريقة فيها مصلحته الشخصية بعيدا عن مصلحة الجماعة, كما جاء في المقولة الشهيرة أنا ومن بعدي الطوفان. وللأسف الشديد, فإن الظروف المحيطة بالشباب في المجتمع تضم بين طياتها دوافع الخيانة بوجه عام, ليس فقط خيانة الوطن, بل تبدأ الخيانة من الغش في المدرسة, واهمال العمل وعدم أدائه علي الوجه الأمثل, الي أن تصل لخيانة الوطن, فالنشأة الأولي التي يترعرع فيها الإنسان قد يصادف أن يجد أمه تنهره لأنه لم يغش في الامتحان حتي يحصل علي درجات كبيرة, أو من يجتهد ويتفوق يصطدم بمشكلة البطالة, ويتعرض لفشل متلاحق في محاولاته لإقامة مشروعات خاصة به, أو من يلجأ لشراء بضاعة رخيصة من الصين يعلم أنها سوف تفسد بعد أول استعمال فهذه أيضا خيانة, وبالتدريج يمكن أن يصبح خائنا لوطنه ويتجسس علي أفراده. ومن الممكن أن يكون الايقاع بالآخرين أو الحصول منهم علي معلومات عن طريق خداعهم نوعا من الانتقام والتخليص من الآخرين حتي يصبحوا مثله ولا يكون هو فقط من يعاني أو يشعر بالغبن, ويستخدم ذكاءه في التخطيط للايقاع بالآخرين, حيث يري من وجهة نظره أنهم أغبياء ويستحقون ما يفعله بهم. هذا يحدث لأن الشخص الذي تعرض لضغوط عديدة يصل به الحال الي أقصي مراحل الأنانية واليأس من إيجاد حلول لمشكلاته ويفرغ صبره عليها ويفقد الاحساس بالرضا, ويصل لمرحلة ممكن فيها أن يضحي بأغلي ما عنده مقابل الحصول علي متطلبات حياته الشخصية, حتي وإن كان وطنه الذي يمثل له الحماية, فمن يبيع وطنه يبيع نفسه, فيبدأ في إلغاء تفكيره المنطقي ويتصرف بالغريزة, وهي غريزة الحياة والخوف من الهلاك أو الموت والتي يقاومها الإنسان بالعمل والزواج لتقوية النفس ضد الضعف, في حين ان كل الأساليب التي يتربي عليها أطفالنا هي مؤشرات للضعف, وكل المقومات تدل علي أن الخطوة المقبلة للشباب فاشلة, وقد توقعت منذ7 سنوات أن تزيد موجات العدوان مثل القتل والاغتصاب وهتك العرض, وأيضا الخيانة, وهذا لأنه ليس هناك مقومات النجاح لشبابنا, بل ان مقومات الفشل أكثر, لذا لابد من وضع خطة لانقاذ شبابنا من الايقاع بهم في براثن الخيانة أو أنهم لا يجدون ملاذا غيره لحل مشكلاتهم.