أحمد بن حنبل في طريقه إلي السجن. بدأت محنة خلق القرآن وبدأ معها إلقاء القبض علي الفقهاء وامتحانهم, وأصل المحنة أن المعتزلة وكانوا أهل عقل جسور له شطحاته يرون أن القرآن مخلوق, وليس قديما, وكان أهل السنة يرون أنه كلام الله تعالي ومن ثم فهو أزلي وكانت القضية كلها ترفا عقليا لا جدوي منه, لأن المطلوب هو العمل بأحكام القرآن في حقيقة كنهه. المهم أن المحنة بدأت بتدخل الدولة في الدين وسؤالها للفقهاء وامتحانه لهم, إذا قالوا برأي المعتزلة تركوهم وشأنهم, فإن لم يفعلوا فهو التعذيب والسجن والجلد والإهانة والقتل في النهاية. وراح العلماء يتهاوون كلما مضي الامتحان, وجرت الدماء أنهارا ولم يثبت في المحنة غير فقيهين.. هما أحمد بن حنبل وفقيه آخر, ثم لم يلبث هذا الفقيه أن ضعف فبقي أحمد بن حنبل وحده. امتحنوه فقال إن القرآن كلام الله تعالي.. ثم رفض أن يزيد عليها أو ينتقص منها.. واستمر ضربه وتعذيبه واستمرت مقاومته. وذات يوم جلس أحمد بن حنبل في سجنه مع بعض المجرمين, وكان من بينهم لص شهير, وكان هذا اللص يحترم ابن حنبل ويشفق عليه في محنته, وكثيرا ما هرب له طعاما طيبا من خارج السجن, وذات يوم لاحظ اللص أن ابن جنبل يتألم من جراح التعذيب فمال عليه وهمس له: إنهم يعذبونك.. أعرف ذلك, كثيرا ما عذبوني لأعترف بما سرقته ولكنني كنت رجلا ولم أعترف أبدا! كنت احتمل الضرب صابرا, أفعل هذا وأنا علي الباطل, أياك يا مولانا أن تضعف, يجب ألا يكون رجال الحق أقل احتمالا من رجال الباطل. هذا لا يليق! واستمر ابن حنبل يقاوم وكلما ضعف تذكر كلمات اللص الظريف.. ومكث العالم الفقيه سنوات في محنته.. ظل ثابتا كالجبل.. وانهزمت الدولة كلها أمام رجل واحد.. وخمدت الفتنة وتوقفت إرادة الدماء. وافرج عن ابن حنبل.. خرج فمكث فترة في بيته يعالج من جراحه, ثم تذكر صاحبه في السجن فسأل عنه فقيل له إنه مات.. ذهب يزور قبره ودعا له. ثم شاهده في الحلم فرآه في الجنة فسأله: ما الذي أدخلك الجنة؟ قال له: تاب الله علي بعد أن نصحتك أن تحتمل.