مطيع أنا, الي أقصي حدود الطاعة أمام رغبات شباب جاد يود لو ينهل بعضا من خبراتي الحياتية, متحمس أنا كل الحماس لشباب يبحث عن الكينونة ولا يتعلق بحبال الوهم, لذلك تجاوبت مخلصا مع تكليف لي من الدكتورة رغدة محمد عيسي مدرسة الإعلام في الأكاديمية الدولية لعلوم الإعلام والهندسة, لاستقبال خمسة من أولادها طلبة وطالبات الأكاديمية. فطنت د. رغدة عيسي بحكم اقترابها من حقل الإعلام وبحكم المنهجية الأكاديمية الي أهمية الحرفية والمهنية في العمل الإعلامي التي غابت في زماننا, ولكنها تريد لدارسي الإعلام أن يتكحلوا إن صح الوصف بقيم المهنية وأصول اللعبة, اختارتني د. رغدة عيسي أن أكون عينة للبحث المقدم لها في مشروع التخرج قسم الإذاعة عن( الصراحة وحدودها الآمنة في العمل الإعلامي), وعندي ما أقول وأنا أحمل علي ظهري تجربة مهنية لأكثر من أربعين عاما بين محاور علي الورق وعبر ميكروفون وأمام عدسات التليفزيون, هناك هاجس آخر وراء حماسي, وهو أن شباب الإعلام الجديد الدارس لن يسير علي قضبان إعلام الإثارة والإفيهات والعنترية وتكدير الناس, وهي ثقافة تعود عليها الناس في مصر وصارت العقلانية والموضوعية من قبيل الملل والحرمان من تورتة الاعلانات! بل إن برنامجا تليفزيونيا بذيئا, قيس نجاحه بعدد دقائق اعلاناته! هكذا سادت في فترة ما لغة الحواري علي الشاشات باسم الواقعية حتي اسودت الدنيا, وخالفت كل المبادئ والأصول والأعراف إلا فيما ندر وكاد شباب الإعلام الدارس أن ينسحب ويفقد الأمل, حيث أصبحت الفرص المتاحة للعمل في حجم ثقب ابرة, وجلس علي كرسي المذيع النجوم وكباتن الكورة. جاء( الأولاد الخمسة) للدكتورة رغدة عيسي يتقدمهم المعيدة صفا وكانت سارة هي المذيعة وزملائها الأربعة من المعدين والمهندسين وبعد أن ثبتوا الأجهزة, بدأت الحوارات وتشعبت وأغري السؤال بسؤال آخر, وتولد من سؤال أسئلة أخري, ولاحظت الارتباط الشديد بالاسكريبت المكتوب بعناية علي الكمبيوتر ورجوتهم أن يكون الاسكريبت مجرد( علامات طريق للحوار) وليس نصا, رجوتهم الخروج من خندق الأسئلة المعدة سلفا الي رحابة نقاط يولدها الحوار وليست علي البال, رجوتهم الاقتحام الجسور العنيف بأسئلة مدببة ذكية الالقاء علي مسامعي ومحرضة علي البوح في إطار من الاحترام الذي يكمن في الصياغة لا الصياعة حين يلامس السؤال أذني, رجوتهم في السؤال المعلومة الذي يصل للمستمع أو المشاهد مهما كانت الاجابة هشة, حذرتهم من فتور الأسئلة المبللة بالملل وحذرتهم من الصمت الاستسلامي اذا أجبت علي سؤال, بل لابد من الاتفاق أو الاختلاف ليصبح للحوار حرارته والا سقط في بحر الملل, طالبتهم بالتلقائية, فهي أجمل طلة للسؤال. وخطر بذهني خاطر لم يغب عني وهو من يحقق الفرص لهؤلاء الواعدين قبل احباط الانتظار؟ وحين تكلمنا عبر الحوار المسجل عن الصراحة, قلت لهم إن للصراحة رائحة تميزها الأذن وأن للصراحة سقفا وحدودا والا انقلبت الي وقاحة, وقلت لهم إن الصراحة أن أفتح قلبي في حراسة عقلي, والا صار ما أقول هذيانا غير مقبول, وعن الفرق بين الصراحة والجرأة في الإعلام قلت لهم: الصراحة أن أقول أن أقباط2010 هم أقباط1919 الذين خرجوا في مظاهرات الهلال مع الصليب مع فارق واحد أن أقباط2010 ينقصهم غطاء اسمه قانون العبادات, قلت إن الجرأة هي الافصاح عن الذات وضربت مثلا بأني في الحياة أشقي كثيرا بحسن ظني! وقلت اننا كمستمعين ومشاهدين نعشق( النميمة) ربما لأن حظنا من البحث العلمي والثقافة العلمية, ضئيل وهذا نتاج الفراغ, لقد رجوت الأولاد الخمسة أن يبتكروا في أساليب الوصول لأذن المستمع وشد اهتمامه وانتباهه بعد انبهار الصورة غير المسبوق بالأبعاد الثلاثية, قلت لهم إن العالم الآن يدار بالاقتصاد الابتكاري وبكسر القوالب المألوفة وبارغام الأذن والعين علي المتابعة والوقوع في أسر الصوت أو الصورة, حذرتهم من سؤال عامي يتورطون فيه بألفاظ تدعي الصراحة وهي وقحة, لأن( اللفظ سعد) وقلت إن برامج شهر رمضان تضرب أحيانا قيم الإعلام في مقتل لأنها تدار بعقلية المعلن الذي يتمني انها تولع وقلت لهم ان استخراج أفكار لم تعلن واعترافات مخبوءة بين الضلوع هي قمة الاثارة التي تتمتع بالاحترام, وضربت مثلا بسيرة د. لويس عوض فارس النقد الأدبي الذاتية, سئلت: هل تعرضت لأذي بسبب صراحتك؟ قلت: نعم, وكان ذلك في الزمان الشمولي, كانت كبوة في المشوار ولكنها زادت من صلابتي وزادتني ايمانا بأن حجب الحقيقة أو لفها في ورق سلوفان هو الكارثة في حياة الأمم, سئلت: ما تقييمك للبرامج الحوارية الصريحة؟ قلت: حين تنطوي علي الاساءة تفقد مصداقيتها, قالت المذيعة الطالبة سارة ولكنها سائدة وبكثرة, قلت إن دوركم كشباب إعلام دارس هو تغيير نمط المستمع وذلك بتغيير نمط الإعلام الذي اعتاد أن يبحث عن( الرايجة), وقلت لها إن إعلام النجوم وكباتن الكورة يسطحان العقول وإن اعلام بلد قرر التطلع للعالم يحتاج لوقفة, فلا تتحول الصحافة فيه الي سخافة ولا تصبح الصراحة في اعلامه وقاحة. ويادكتورة رغدة عيسي, أخاطبك كعضو في معهد علمي راق هو( الأكاديمية الدولية لعلوم الإعلام والهندسة) من نبت صفوت الشريف زرعها في أرض مدينة الاعلام, وها هي اليوم تحصد تباشير إعلام المستقبل, فعلي رأس هذه الأكاديمية مثقف كبير هو د. فوزي فهمي وعميدة الاعلام خبرة د. ماجي الحلواني, أعطوا أولادكم حرية التعبير وامنحوهم الثقة, لتكون المذيعة القادمة في اعلام مصر جميلة بعقلها لا برموشها, والمذيع( بوسامة ذهنه) لا بسلاسله المعلقة في رقبته, ومذيعة الراديو( بصوتها المثقف) قبل رقة الأداء أو حلاوته, اطردوا العملة الرديئة من سوق الاعلام لتتفتح كل الزهور في مصر وفي أمل كما تصلي فيروز علي قيثارتها! المزيد من مقالات مفيد فوزى