كتب : مروة فودة صنفت مؤسسة' دان وبرادستريت'- المختصة بقياس مؤشرات الأمان الاقتصادي- صربيا بين مجموعة الدول ذات المخاطر المعتدلة في مجال الأعمال. واستندت المؤسسة في تقييمها إلي أن إجمالي الناتج المحلي الصربي حقق ارتفاعا في الربع الثاني من العام الجاري بمعدل2% مقارنة بالربع الثاني من العام الماضي, لتحتل المرتبة رقم78 علي مستوي العالم. كما تحدثت المؤسسة بشكل إيجابي عن الخطط الاقتصادية التي تبنتها صربيا خلال السنوات الماضية لتتحول من دولة شيوعية إلي دولة تطمح للحاق بقطار' الغرب السريع'. ولأن بقاء الحال من المحال, قررت صربيا' الوريثة الشرعية' ليوجوسلافيا السابقة أن تقدم للعالم نموذجا يشرح كيف يمكن لدولة كانت كبيرة في حقبة من تاريخها أن تتعامل بشكل إيجابي مع واقعها الجديد بعد أن باتت دولة صغيرة, حيث تمكنت صربيا خلال السنوات العشر الماضية من أن تصبح واحدة من الدول ذات الاقتصاديات الصاعدة والمرشحة بقوة للانضمام إلي الاتحاد الأوروبي الذي قال عنه رئيس الوزراء الصربي ميركو سفيتكوفيتش خلال زيارته الأخيرة لمصر ولمقر جريدة' الأهرام' أنه' وجهة صربيا الأخيرة'. ولتوضيح جمال تجربة التغيير لدي' الوريثة' الشيوعية السابقة علينا أن نلقي نظرة سريعة علي التاريخ, فصربيا هي واحدة من ست جمهوريات نشأت بعد انهيار يوجوسلافيا السابقة نتيجة لحرب دامت نحو10 أعوام في القرن الماضي, وكانت بداية انفراط العقد اليوجوسلافي عام1991 حين انفصلت سلوفينيا عن الدولة الأم, لتتبعها بعد ذلك كل من البوسنة والهرسك والجبل الأسود وأخيرا إعلان إقليم كوسوفا لاستقلاله عام2008, لتصبح صربيا' الوريثة الوحيدة' لتركة الدولة الاتحادية السابقة. وفي أعقاب سلسلة الحروب المدمرة التي خاضتها' الوريثة' ضد كرواتيا والبوسنة وكوسوفا وما تلاها من عقوبات اقتصادية قاسية, أجرت صربيا وتحديدا مع بداية الألفية الثالثة' عملية تجميل سياسي واقتصادي' استهدفت التخلص من' إرث التسعينيات المظلم' والتحول إلي دولة تتبني معايير الحكم الرشيد, ولم يكن من السهل علي صربيا التحول من دولة تتبع بكل جوارحها الاتحاد السوفيتي إلي دولة تسعي بجد إلي تطبيق مباديء الاقتصاد الحر, ولكن إصرار الصرب علي تغيير صورة دولتهم الملطخة بالدماء ساهم في تحقيق هذا التحول, فاستبدل المواطن حلمه ب'الميراث السلافي' ليصبح حلما آخر وهو تحقيق دولة الرفاهية الاجتماعية. وكان الاقتصاد هو بداية طريق تغيير, فبدأ الصرب النهوض باقتصادهم وشهدت مستويات المعيشة تحسنا ملحوظا من خلال تبني إصلاحات الاتحاد الأوروبي, فنجحت صربيا في مواجهة مشكلة التضخم إلي أن انخفض في عام2010 إلي6% بعد أن كان قد وصل بسبب انهيار قيمة العملة والعقوبات الدولية إلي70%, كما أن السياسات الاقتصادية التي تبنتها صربيا والتي اعتمدت علي حرية التجارة واقتصاد السوق أدت لزيادة نسبة نمو الناتج المحلي لتصل إلي1.9% ونصيب الفرد من الناتج المحلي إلي6 آلاف دولار سنويا. ولم تكتف صربيا بتبني السياسات الاقتصادية الأوروبية فقط, بل سعت للخروج من العزلة التي فرضتها عليها سنون الحرب, فبدأت في التواصل مع غيرها من دول العالم, واستهلت خطواتها التصالحية بالتواصل مع جيرانها, فأدانت المذابح التي ارتكبها نظامها السابق كخطوة أولي نحو تحقيق المصالحة مع غرمائها السابقين, وأعادت بناء العلاقات الاقتصادية والسياسية مع المجتمع الدولي. وقدمت صربيا في هذا الصدد ثاني تجاربها الرائعة للعالم من خلال قيام البرلمان الصربي بإصدار قرار بالاعتذار عن جرائم الحرب التي ارتكبت في التسعينيات من القرن الماضي, وهو القرار الذي لم يصدر مثله من أي مجلس نيابي آخر. وحققت صربيا تقدما في إصلاحاتها إلي حد أن كافأها الاتحاد الأوروبي عام2009 بضمها إلي' منطقة الشينجن' في2009, مما سمح للصرب بحرية السفر إلي كل دول الاتحاد.