ما أكثر الأنفاق المظلمة التي دخلتها مفاوضات السلام بين الفلسطينيين والإسرائيليين, منذ أن قبل الطرفان فكرة السلام والمفاوضات المباشرة أو عن طريق طرف ثالث.بعد الإعلان الأمريكي بعدم قدرة واشنطن علي إقناع إسرائيل بتجميد الاستيطان. من أجل استئناف المفاوضات المتعثرة دخلت عملية السلام في المنطقة نفقا جديدا, قد يكون أكثر ظلمة, خصوصا بعد أن اتضح فشل كل المحاولات الأمريكية التي سعت بتجميد كلي للاستيطان ثم خفضت سقف مطالبها بتجميده لمدة ثلاثة أشهر مع تقديم دعم أمريكي يصل لثلاثة مليارات دولار وتعهد جديد بضمان أمن إسرائيل وعدم مطالبتها مرة أخري بتجميد الاستطيان, وجاء الإعلان الأمريكي أشبه بالاعتذار أو محاولة إخفاء الفشل, ليطرح هذا الإعلان, سؤالا مهما وهو: هل لاتزال الولاياتالمتحدةالأمريكية تملك99 بالمائة من أوراق اللعبة؟! كما كان يقال في السبعينيات, أم أن كثيرا منها انتقل لعواصم أخري أو أصبح في يد لاعبين جدد؟ وقد يكون جزء من إجابة هذا السؤال, هو وصول الرئيسي الفلسطيني محمود عباس أبومازن إلي القاهرة ولقاءه مع الرئيس حسني مبارك والاستماع إلي الرؤية المصرية لهذه التطورات والاتفاق حول الخطوات المقبلة للموقف الفلسطيني, وخصوصا مع عودة المبعوث الأمريكي جورج ميتشيل إلي المنطقة, فمن الواضح أن لقاء الرئيسين مبارك وعباس, ناقش قدرة واشنطن علي الاستمرار في دورها ومدي تأثير الإعلان الأمريكي علي استمرار الجهود الأمريكية للتوصل إلي تسوية نهائية واطلع الرئيس أبومازن الرئيس مبارك علي فحوي الرسالة الأمريكية التي وصلت إليه وهو في أثينا والتي تؤكد تمسك واشنطن بعملية السلام وحل الدولتين وضرورة التوصل إلي اتفاق نهائي خلال عام. أعطت زيارة الرئيس الفلسطيني للقاهرة قوة دفع جديدة, حيث أعلن عباس بوضوح أنه لن يعود للمفاوضات في ظل الاستيطان وأكد أهمية وجود مرجعية لها, والاعتراف الدولي بالدولة الفلسطينية علي حدود76, وتحدث مرة أخري عن امتلاك الفلسطينيين كبدائل يمكن اللجوء إليها, أراد أبومازن أن يرسل من القاهرة عدة رسائل لواشنطن قبل إعلان هيلاري كلينتون الموقف الأمريكي الجديد الذي يدعو للعودة لمفاوضات غير مباشرة مع التزام أمريكي بتوقيع إطار اتفاق سلام خلال عام يتم خلاله حل ملفي الأمن والحدود, أراد أبومازن من خلال لقائه بالرئيس مبارك وتصريحاته في القاهرة, أن يعلن تمسكه بموقفه الرافض بالعودة للمفاوضات في ظل استمرار الاستيطان وأراد أن يعلن أنه يستند إلي موقف مصري يدعمه تأييد عربي ينطلق من القاهرة, وأنه يملك أكثر من خيار في حال استمرار تعثر المفاوضات ملوحا باللجوء إلي مجلس الأمن الدولي والجمعية العامة للأمم المتحدة إو إعلان الدولة المستقلة من طرف واحد, وخيارات وبدائل أخري لم يشأ الرئيس محمود عباس الكشف عنها. في مباحثات الرئيس الفلسطيني في القاهرة, أدرك محمود عباس أهمية الرؤية المصرية في المرحلة القادمة وهي التمسك بالموقف الفلسطيني مع التروي وإعطاء فرصة أخري للدور الأمريكي, وعدم الجوء إلي البدائل الاخري حتي يتم استنفاد جميع جهود الإدارة الامريكية والاستفادة من جميع الاوراق في يد المفاوض الفلسطيني وحث الادارة الامريكية علي الوفاء بتعهداتها والتحرك تجاه المجموعة الاوروبية والرباعية الدولية والاستفادة من موقفهما الرافض للاستيطان والداعي لاعتماد الشرعية الدولية كمرجعية لإنهاء الصراع والوصول الي تسوية سياسية شاملة وعادلة في المنطقة. وربما تعود في ظل هذه الاجواء المفاوضات ولكن بشكل غير مباشر بين الفلسطينيين والاسرائيليين ففي ظل تمسك الفلسطينيين بموقفهم واستمرار الموقف الاسرائيلي الرافض للاستماع الي احد حتي الحليف الامريكي وفي ظل رغبة الطرفين في عدم وصول المفاوضات الي طريق مسدود واعلان توقفها نهائيا سوف يضطر طرفا النزاع للقبول بالاقتراح الامريكي للعودة الي مرحلة ما قبل المفاوضات المباشرة مع التزام امريكي بتنفيذ جميع التعهدات واهمها توقيع اتفاق اطار للسلام خلال عام تضمنه الرباعية الدولية المكون من الولاياتالمتحدة والاتحاد الأوروبي والامم المتحدة والاتحاد الروسي, ويتضمن هذا الاطار تحديد حدود الدولة الفلسطينية ووضع القدسالشرقية مع ضمان امن اسرائيل ثم الانطلاق لمناقشة وبحث ترتيبات الوضع النهائي لحل الدولتين. ومن المؤكد ان الجميع سيعودون للمفاوضات حتي لايصدر اعلان امريكي اخر بالفشل النهائي وهو امر لن تسمح به واشنطن لأنها تعلم ان مثل ذلك الاعلان يعني هزيمة دورها في المنطقة وانفجار الاوضاع فيها. ولعل هذا ما دفع الادارة الامريكية الي توضيح موقفها مؤكدة ان التركيز الامريكي ينصب علي هدف التوصل الي اطار اتفاق حول قضايا الحل الشامل وان واشنطن لم تتخل عن جهود التوصل الي اتفاق سلام وان هذه الجهود ستتواصل بكثافة وستكون قضيتا الحدود والامن علي رأس الاهتمامات الامريكية في هذه المباحثات. واشنطن لم تخف انها في حرج ولاتريد ان تصاب دبلوماسيتها بنكسات اخري, ولهذا فقد اجرت عدة اتصالات سريعة مع عواصم عربية ودولية ابرزها القاهرة وتمنت علي هذه العواصم ان تبذل كل جهودها من اجل انقاذ عملية السلام وعودة المفاوضات والحيلولة دون فشل الجهود الامريكية وربما تجيب هذه الاتصالات علي جزء آخر من السؤال لنكتشف ان جزءا من اوراق اللعبة قد انتقل بالفعل لعواصم أخري وربما أن النسبة الأكبر من هذه الأوراق لا تزال في يد اللاعب الأمريكي, إلا أننا نؤكد أن أهم ورقة في المنطقة هو الموقف الفلسطيني الذي يجب أن يكون قويا وموحدا ومدعوما مصريا وعربيا, ولن يكون هذا الموقف قويا إلا بإنهاء الانقسام الفلسطيني وعودة الوحدة للأرض والموقف والقرار الفلسطيني في مواجهة تعنت إسرائيلي واحتمالات فشل أمريكي جديد. المزيد من مقالات مجدي الدقاق