دقائق من الرعب جنوب قنا.. 24 مصابًا بينهم أطفال في انقلاب ميكروباص بقفط    بالصور.. تشييع جثمان والد «أطفال دلجا الستة» في ليلة حزينة عنوانها: «لقاء الأحبة»    رغم هرولة الشرع للتطبيع، مروحيات إسرائيلية تستبيح مقر "الفرقة 15" بالسويداء    ليلة استمتع فيها الجمهور.. تامر حسنى يختتم حفل مهرجان العلمين بأغنية "قدها" وسط تصفيق حار    التنمية المحلية: بدء تنفيذ مشروع تطوير شارع إبراهيم بمنطقة الكوربة    وزير الخارجية يختتم جولته الأفريقية بشراكة اقتصادية تحقق التكامل بين مصر والقارة السمراء    "مستقبل وطن دولة مش حزب".. أمين الحزب يوضح التصريحات المثيرة للجدل    فلسطين.. جيش الاحتلال يقتحم بلدة المغير شرقي رام الله بالضفة الغربية    ترامب: لدينا فرصة للتوصل لاتفاق تجاري مع الاتحاد الأوروبي    "الجبهة الوطنية": دعوات التظاهر أمام السفارات المصرية تخدم أجندات مشبوهة    هآرتس: ميليشيات المستوطنين تقطع المياه عن 32 قرية فلسطينية    رد ساخر من كريم فؤاد على إصابته بالرباط الصليبي    تقرير يكشف موعد جراحة تير شتيجن في الظهر    رسميًا.. دي باول يزامل ميسي في إنتر ميامي الأمريكي    تردد قناة الأهلي الناقلة لمباريات الفريق بمعسكر تونس    "هما فين".. خالد الغندور يوجه رسالة لممدوح عباس    أسعار الذهب اليوم في السعودية وعيار 21 الآن ببداية تعاملات السبت 26 يوليو 2025    سعر المانجو والبطيخ والفاكهة في الأسواق اليوم السبت 26 يوليو 2025    24 مصابًا.. الدفع ب15 سيارة إسعاف لنقل مصابي «حادث ميكروباص قنا»    «الداخلية» تنفي «فيديو الإخوان» بشأن احتجاز ضابط.. وتؤكد: «مفبرك» والوثائق لا تمت بصلة للواقع    الحماية المدنية بالقليوبية تسيطر على حريق كابينة كهرباء بشبرا| صور    الإسماعيلية تكشف تفاصيل مهرجان المانجو 2025.. الموعد وطريقة الاحتفال -صور    "الذوق العالى" تُشعل مسرح مهرجان العلمين.. وتامر حسنى: أتشرف بالعمل مع منير    فلسطين.. شهيدة وعدة إصابات في قصف إسرائيلي على منزل وسط غزة    «مش عارف ليه بيعمل كده؟».. تامر حسني يهاجم فنانا بسبب صدارة يوتيوب .. والجمهور: قصده عمرو دياب    بعد «أزمة الحشيش».. 4 تصريحات ل سعاد صالح أثارت الجدل منها «رؤية المخطوبة»    مستشفى الناس تطلق خدمة القسطرة القلبية الطارئة بالتعاون مع وزارة الصحة    «لو شوكة السمك وقفت في حلقك».. جرب الحيلة رقم 3 للتخلص منها فورًا    محمد رياض يستعرض معايير التكريم بالمهرجان القومي للمسرح: لا تخضع للأهواء الشخصية    محافظ شمال سيناء: نجحنا في إدخال عدد كبير من الشاحنات لغزة بجهود مصرية وتضافر دولي    ترامب يحذر الأوروبيين من أمر مروع: نظموا أموركم وإلا لن تكون لديكم أوروبا بعد الآن    تامر حسني يهاجم عمرو دياب بعد تصنيف الهضبة لألبومه "لينا ميعاد": أنا تريند وأنت تحت    سعر الدولار اليوم أمام الجنيه والعملات العربية والأجنبية السبت 26 يوليو 2025    ليكيب: برشلونة يتوصل لاتفاق مع كوندي على تجديد عقده    خبر في الجول - اتفاق مبدئي بين بيراميدز وبانيك لضم إيفرتون.. ومدة التعاقد    رد فعل مفاجئ من كريم فؤاد بعد أنباء إصابته بالصليبي (صورة)    إحباط تهريب دقيق مدعم ومواد غذائية منتهية الصلاحية وسجائر مجهولة المصدر فى حملات تموينية ب الإسكندرية    أحمد السقا: «لما الكل بيهاجمني بسكت.. ومبشوفش نفسي بطل أكشن»    هاكل كشري بعد الحفلة.. المطرب الشامي يداعب جمهوره في مهرجان العلمين    روعوا المصطافين.. حبس 9 متهمين في واقعة مشاجرة شاطئ النخيل في الإسكندرية (صور)    وزير الأوقاف: الحشيش حرام كحرمة الخمر سواء بسواء والادعاء بحِلِّه خطأ فادح    أخبار كفر الشيخ اليوم.. شاب ينهي حياة آخر بسبب خلاف على درجة سلم    6 أبراج «الحظ هيبتسم لهم» في أغسطس: مكاسب مالية دون عناء والأحلام تتحول لواقع ملموس    تنسيق الثانوية العامة 2025.. التعليم العالي: هؤلاء الطلاب ممنوعون من تسجيل الرغبات    باحثة في قضايا المرأة: الفتيات المراهقات الأكثر عرضة للعنف الرقمي    عقود عمل لذوي الهمم بالشرقية لاستيفاء نسبة ال5% بالمنشآت الخاصة    مشروبات طبيعية تخفض ارتفاع ضغط الدم    الجلوكوما أو المياه الزرقاء: سارق البصر الصامت.. والكشف المبكر قد يساهم في تجنب العمى الدائم    يسرى جبر: حديث السقاية يكشف عن تكريم المرأة وإثبات حقها فى التصرف ببيتها    عالم أزهري: خمس فرص ثمينة لا تعوض ونصائح للشباب لبناء المستقبل    برلماني: الدولة المصرية تُدرك التحديات التي تواجهها وتتعامل معها بحكمة    رددها الآن.. أفضل أدعية لاستقبال شهر صفر 1447 هجريًا    جامعة دمنهور الأهلية تعلن فتح باب التسجيل لإبداء الرغبة المبدئية للعام الجديد    وزير الاستثمار والتجارة الخارجية يلتقي مسؤولي 4 شركات يابانية لاستعراض مشروعاتها وخططها الاستثمارية بالسوق المصري    أسعار الأرز في الأسواق اليوم الجمعة 25-7-2025    الحكومية والأهلية والخاصة.. قائمة الجامعات والمعاهد المعتمدة في مصر    متحف الفن المعاصر بجامعة حلوان يستعد لاستقبال الزوار    شائعات كذّبها الواقع    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



ويكيليكس الديناصور الغامض المثير‏(1‏ 2)‏
نشر في الأهرام اليومي يوم 11 - 12 - 2010

في أفلام هوليوود الأمريكية خاصة أفلام جيمس بوند هناك دائما عقلية اجرامية فذه تملك توظيف قدرات علمية فائقة التقدم لتدمير العالم وشل حكوماته ومؤسساته بترتيبات عبقرية مجنونة‏. وبالرغم من كل ما تملكه العبقرية السوداء من خطط وترتيبيات لتنفيذ مؤامرتها الشيطانية إلا أن العميل السري‏007‏ يتمكن في الثواني الأخيرة من افشالها وسط جحيم من المخاطر اللامتناهية لينتهي الفيلم دائما وسط مشاهد ساخنة لجيمس بوند مع رفيقته الحسناء في النضال والحرب بحكم أن المشاهد تستهويه دائما النهايات السعيدة للأحداث وانتصار الخير علي الشر‏,‏ ولكن علي خلاف افلام هوليوود واقتداء بافلام بوليوود الهندية التي يلاقي فيها الخير ويلات حامية الوطيس حتي يتمكن في النهاية من الانتصار علي الشر ويدفع في سبيل انتصاره الكثير من الخسائر الفادحة فإن حرب امريكا علي الإرهاب واعلان الحرب المقدسة علي مايسمي الاسلام الأصولي والدول المارقة قد استوجبت ان تقدم امريكا قرابين الحادي عشر من سبتمبر وأن يسقط برج التجارة العالمي في نيويورك رمز الازدهار والسطوة الاقتصادية والتجارية وان يسمح بضرب البنتاجون مقر وزارة الدفاع ورمز السطوة العسكرية والهيمنة السياسية المطلقة علي امتداد خريطة العالم في اليابسة والبحار والمحيطات‏.‏
وعلي غرار افلام جيمس بوند فإن المسئولية عن الجريمة الكبري علقت في رقبة رجل واحد هو أسامة بن لادن القابع في جبال تورا بورا بأفغانستان وعلقت في رقبة تنظيم واحد هو القاعدة التي يتزعمها بن لادن ويقودها ويحركها ولكن فات المفسرين والمحللين أن جيمس بوند في تحركه يسانده دعم تقني ولوجستي بلا حدود يوفره جهاز المخابرات البريطانية الذي يعمل هو لديه بكل امكانياته وقدراته ومعلوماته وبكل ما يتيحه منذ اللحظات الأولي من تكنولوجيا حديثة فائقة التقدم تتيح لبوند النجاة في أقسي اللحظات وأحلكها‏,‏ أما أخونا هذا القابع في جبال تورا بورا فإن من يقدم له الدعم التقني والفني واللوجستي والمعلوماتي فإنها حركة طالبان وهي كذلك مجموعة القاعدة وهي في النهاية والبداية جماعة المجاهدين التي تلقت الدرس من مدربي المخابرات المركزية الأمريكية وتلقت الدعم المالي والتسليح منها حتي تتمكن من هزيمة الامبراطورية السوفيتية يوم أن كانت هناك امبراطورية عالمية مرهوبة الجانب تناطح للسيطرة والنفوذ علي قمة العالم في ذلك الوقت والأوان قبل أن تنهار من الداخل في لمح البصر مع أوائل التسعينيات من القرن العشرين وتتقوض دعائم معسكرها وتذهب أدراج الرياح ما كان تروج له من ايديولوجية شيوعية ظلت تناطح الايديولوجية الرأسمالية لعقود طويلة وغابت تحت مطرقة قوة خفيه غامضة وكأنها لم تكن وكأنها سحابة صيف أمطرت وضاعت مياهها الباهتة قبل أن تصل إلي الأرض‏.‏
وبنفس منطق افلام جيمس بوند وبنفس سيناريو احداث الحادي عشر من سبتمبر ومسئولية الفرد الواحد القابع في تورا بورا وتنظيم القاعدة وطالبان القابعين في جبال افغانستان وباكستان وكهوفها المظلمة العميقة شهدت نهاية عام‏2010‏ اطلاق فقاعه عالمية هائلة تماثل في نتائجها علي ارض الواقع كوارث الفقاعات العقارية والمالية التي هزت اركان العالم عام‏2008‏ وقد اطلق مارد النميمة الدولية مع ما ينشره موقع ويكيليكس من وثائق دبلوماسية امريكية تفضح التقييم السري غير العلني لسياسات دول العالم ولقياداته ورؤسائه وتضع في المقدمة وعلي سطح الأحداث وعلي المسرح المفتوح مباشرة للجمهور العالمي وثائق عن تقييمات العالم المخفي وحساباته وتقديراته واهتماماته ثم يعلق كل ذلك وفقا لتقاليد النظام العالمي المعاصر برقبة فرد واحد هو جوليان اسانج ناشر موقع ويكيليكس الاسترالي الجنسية باعتباره قرصان الكتروني فوضوي وباعتباره كما بن لادن وكما ضحايا جيمس بوند ارهابيا يستهدف الأمن القومي الأمريكي والعالمي وينصب السيرك العالمي الصاخب وتخرج سارة بلين المرشحة الخاسرة علي منصب نائب الرئيس للحزب الجمهوري في الانتخابات التي فاز فيها أوباما لتطالب باعتبار موقع ويكيليكس منظمة ارهابية ويخرج المستشار الأول لرئيس وزراء كندا الدولة المتحضرة المزهوة باحترام القانون وسيادته ليطالب باغتبال ناشر الموقع وتصفيته جسديا في عودة صارخة لمنطق العصور الوسطي الظلامية ووقائع محاكم التفتيش الأوروبية المخزية للبشرية‏.‏
ريكيليكس نموذج للعدو الخفي والطيف الغامض
وكما في كل القضايا الشائكة والمعقدة التي تشغل بال كل العالم اعلاميا ويتفرغ الساسة للحديث عنها ليل نهار والتحذير من مخاطرها والاعلان عن سياسات واجراءات لملاحقتها ومنع اذاها عن المواطن العالمي فان كوديه زار الفقاعات العالمية العظمي تصارع التأكيد علي ان الملاحقة والعلاج يتطلب تقديم القرابين علي مذبح العدالة الوهمي والمختلق وهي قرابين نستوجب دائما انتهاك الحريات الشخصية والقضاء عليها كما يحدث في امريكا منذ احداث الحادي عشر من سبتمبر والتمادي في التخويف وصولا إلي تعرض البشر لنزع ملابسهم قطعة قطعة وبلوغ مرحلة نزع ورقة التوت في المطارات الأمريكية وتحول الحكومات وأجهزتها الأمنية في امريكا ودول الغرب الي ممارسة رذائل الأخ الأكبر علي المواطنين باعتبارهم الأخوة الصغار منعدمي الأهلية والعقل والرشاد ومع هذا المناخ المحموم والمرسوم فان موقع ويكيليكس يوشك أن يتحول إلي نموذج جديد يضاف الي مجموعة النماذج الغامضة القائمة بالفعل بنفس المواصفات وبنفس التركيبة الغريبة التي تخرج تماما عن سياق التفكير العاقل الموضوعي بحكم أن النظام العالمي يحترف صناعة الأعداء غير المرئيين وإدارة معاركه الكبري الطاحنة مع قوي خفية غير محددة الملامح وغير محددة الأبعاد يدور حولها تساؤلات وشكوك عن حقيقة وجودها من عدمه‏,‏ كما يقال ويتردد عن اسامة بن لادن وأيمن الظواهري وغيرهما وتذهب كل الأحاديث إلي العدم وكأن العالم الحديث يحترف اعلان الحرب علي الأطياف التي يحاك حولها من القصص والحكايات ما يحولها إلي أساطير للشر كما هي شخصية دكتور نو في افلام جيمس بوند‏.‏
والمثير للدهشة والاستغراب والعجب أن موقع ويكيليكس يملك كل مواصفات الطيف الغامص الذي يمكن الادعاء معه أن هناك قوي شيطانية منحرفة تسعي لارهاب العالم وتهديد أمنه وسلامته وتحميلها جميع الأوزار وكل التبعات في احاديث الساسة وفي أجهزة الاعلام واستخدامها لشغل كل العالم عن قضاياه الأساسية والحياتية اليومية وما تحمله في طياتها من عناصر دمار للبشرية ولأمنها وسلامتها الحقيقيين وكما أن بن لادن مجهول العنوان وكما أن القاعدة بلا عناوين وبلا وثائق وبلا مقرات محددة وبحسابات وأموال غير معلومة المصدر وغير موثقة عند الصرف وبلا حسابات ختامية فإن ويكيليكس كذلك بالتمام والكمال حيث ترصده الكتابات الصحفية الأمريكية باعتباره كيانا هلاميا يندرج تحت حكايات الخرافات والأساطير وأحاديث أمنا الغولة التي يحكيها الجميع بالرغم من عدم القدرة علي الأمساك بها واللقاء المباشر معها وجها لوجه علي امتداد التاريخ البشري ولكنها موجودة دائما للتخويف عند اللزوم والاستدعاء عند الحاجة واستخدامها وقت اللزوم وهي فزاعه من الفزاعات التي يجيد النظام العالمي المعاصر استخدامها لتغطية ارتكابه أفظع الجرائم واقساها وأشدها تدميرا وتخريبا‏.‏
ووفقا للكتابات الصحفية الأمريكية فإن ويكيليكس لا يديره موظفون ولا يعمل به اصحاب وظائف محددة ولا يستعين حتي بموظفين لأعمال الخدمات مثل نسخ الوثائق والأهم من ذلك أنه لا يملك مقرا ثابتا وحتي اسانج المشرف علي الموقع لا منزل له محدد العنوان بل تتم استضافته لدي المعجبين به والأصدقاء وأصدقاء الأصدقاء وكأنه يسكن في المطارات ومحطات القطارات ولا تقوم للموقع قائمة من دونه تماما كما أسامة بن لادن الذي يعتبر هو تنظيم القاعدة وعلامة الشهرة المسجلة عالميا للتعريف به ويذكر مقال نشرته جريدة الحياة لرافي خاتشادوريان نقلا عن صحيفة ذا نيويوركر الأمريكية أن الموقع يعتمد علي مئات المتطوعين علي امتداد العالم يسهمون بالدرجة الأولي والأساس في صيانة بنية الموقع التحتية المركبة ومساهمة غالبية المتطوعين ضئيلة ولكن هناك ركيزة من المساهمين مؤلفة من نحو أربعة أو خمسة أشخاص يكرسون وقتهم للموقع وهؤلاء لا يفصحون عن أسمائهم ويتم تعريفهم بالحروف الأولي لأسمائهم ولا يتنازلون عن السرية حين يتناقشون علي منابر ويكيليكس المشفرة ويجيد الموقع التخفي علي شبكة الانترنت حيث تحفظ وثائقها ومعلوماتها في اكثر من‏20‏ خادما الكترونيا موزعين في الكرة الأرضية ويحملون اسماء مختلفة كما أن المتعاطفين مع الموقع انشأوا مواقع‏/‏ مرايا علي الانترنت لدعمه ومساندته‏.‏
وتشير الكتابات الصحفية إلي أن ناشر موقع ويكيليكس يعتمد في تمويله علي التبرعات من الأصدقاء والمتعاطفين بالرغم من أنه ليس منظمة من منظمات المجتمع المدني بل هو أقرب ما يكون لأن يسمي انتفاضه اعلامية علي الانترنت وعندما أعلن الموقع عن حيازته لنحو ربع مليون وثيقة أمريكية دبلوماسية وعن حيازته لوثائق تتصل بأعمال المصارف والمؤسسات المالية والشركات العالمية الكبري وتفاوض مع عدد من كبري الصحف الأمريكية والأوروبية علي نشرها من خلالها بترتيبات خاصة لم يحصل علي اموال مقابل هذه الوليمة الهائلة اعلاميا بكل ما تحمله من اثارة وتشويق وكأن الموقع يرفض أن يضبط وهو يقوم بتعاقدات مالية ويرفض أن يقوم بتسلم اموال حتي لا تخضع بالتالي للمراقبة والمحاسبة المالية والضرائبية باعتباره منشأة وشركة أو حتي منظمة أهلية امعانا في التخفي وامعانا في عدم الوقوع فريسة للقانون وقواعده واحكامه حتي يبقي علي اعماله باعتبارها حصاد ونتيجة لعمل متطوعين فقط لاغير وفي نطاق اجراءات التضييق علي ناشر الموقع باعتباره العلامة التجارية للموقع فقد نشرت صحيفة وول ستريت جورنال في صفحتها الأولي يوم الثلاثاء الماضي أن البنك السويسري بوست فينانس قد اغلق الحساب الخاص بجوليان اسانج ناشر الموقع الذي كان يتلقي من خلاله التبرعات في خطوة اعتبرت لونا من الوان التضييق والحصار للموقع‏.‏
ولا تقتصر الملاحقة لصاحب الموقع علي الحصار المالي فقط ووصلت الي سجنه في لندن بتهمه الاعتصاب في السويد كما اتخذت اجراءات علي شبكة الانترنت للتضيق علي الموقع ذاته علي الشبكة حيث اعلن موقع أمازون الشهير توقفه عن استضافة ويكيليكس واعلن اعضاء من الكونجرس الأمريكي عن مطالبتهم بضرورة مساءلة ومحاسبة امازون عن اسباب استضافته للموقع بالأساس كما تردد في فرنسا أن السلطات تدرس حجب الموقع من التداول ومنعت السلطات الأمريكية الموظفين والعاملين من الدخول للموقع في أماكن عملهم وهو ما يعني تهديدا بعدم الدخول للموقع علي الإطلاق ويؤكد ذلك التوجه قيام كلية الشئون العامة والدولية بجامعة كولومبيا الامريكية بتحذير طلابها من الدخول علي وثائق الموقع أو حتي متابعة اخباره علي موقعي فيس بوك وتويتر باعتبارها وثائق سرية يعني مجرد الأطلاع عليها الأضرار بمصلحة الطلاب في الالتحاق بإحدي الوظائف بالمؤسسات الأمريكية الفيدرالية والأكثر خطورة أن الكلية دعت طلابها الي عدم نشر أية تعليقات حول تلك الوثائق بصفحاتهم الالكترونية علي المواقع الاجتماعية واوضحت أن هذه التعليمات صادرة من قبل مسئولين بوزارة الخارجية الأمريكية وفي ضوء ردود الفعل الأمريكية الرسمية فإن الموقع ابدي سخريته من القيود علي حرية التعبير في الدولة التي تطلق علي نفسها بلد الحرية والديمقراطية‏.‏
فتح النيران علي الحريات الشخصية وقمع حرية التعبير
وقد تكون القيود علي حرية التعبير والقيود علي الحريات الشخصية عموما التي تعرضت لهجمة شرسة وعنيفة في اعقاب احداث الحادي عشر من سبتمبر هي الضحية الخطيرة لتسريبات موقع ويلكيليكس ليس فقط في امريكا ولكن علي امتداد خريطة العالم خاصة وأن الدول الاوروبية وامريكا قد توسعت بشكل حاد في تقييد الحريات الشخصية وفي التدخل اللصيق في أدق تفصيلاتها وأصبح التنصت علي الاتصالات ووضع كاميرات المراقبة في الشوارع والميادين والمحلات والشركات والمنشآت العامة والخاصة شبه ضرورة بخلاف مايتم من اجراءات تأمين وتفتيش مكثفة وباستخدام الاجهزة المتقدمة في المطارات وغيرها وهو ما يثير بالفعل جدلا صاخبا في امريكا واوروبا وارتبط بتنامي حدة السخط الشعبي في الفترة الأخيرة وقد سعي كتاب اليمين المحافظ المتشدد مثل ميلتون فريدمان لاستغلال نشر الموقع للوثائق للادعاء بأن المواطن الأمريكي ينشغل بالأمور الجانبية والهايفة من وجهة نظره مثل التفتيش الدقيق في المطارات وغيرها ولا يهتم بتحديات الأمن القومي الخطيرة‏.‏
وتكشف الأحداث المتوالية امريكيا علي الخصوص أن امريكا يمكن أن تنزلق في مستنقع داخلي خطير يمكن أن يثير الفوضي والاضطراب الداخلي بدرجة عالية ولكنه يتيح الفرصة للقوي اليمينية المتطرفة من أصحاب الايديولوجية الاصولية المسيحية الصهيونية للمزيد من السيطرة علي الدولة والمجتمع والمواطن من خلال درجة عالية من التخويف ودرجة عالية من اثارة الرعب العام من الخطر الخارجي الذي يهدد الأمن القومي الأمريكي ليعيد الي الأذهان والي الساحة نفس الاحداث التي واكبت حملة المكارثية في اوائل الخمسينيات من القرن العشرين بعد الحرب العالمية الثانية وبزوغ نجم الامبراطورية السوفيتية ونجم الشيوعية عالميا حيث قاد السناتور مكارثر عضو مجلس النواب حمله لمطاردة من اسماهم بالشيوعيين العملاء لقوي الخارج المهددين للأمن القومي الأمريكي ونجح في قصف اقلام كبار الكتاب الأمريكان ومنع كبار نجوم هوليوود من العمل وزرع الفتنة والنميمة في قطاعات المثقفين والعلماء ورجال السياسة وتحول الكثيرون منهم إلي مخبرين علي زملائهم وإلي شهود زور بحثا عن النجاة والأفلات من اتهامات مكارثر ومحاكماته وجلساته العلنية للاستجواب وما تحمله من تشويه للبشر وقتل معنوي وقد صنعت المكارثية بالرغم مما يقال عن سقوطها شرخا في المجتمع الأمريكي وزرعت الخوف في نفوس الكثيرين حتي اليوم واثبتت علي الملأ أن السلطة الحاكمة تملك دائما انيابا ومخالب تستطيع استخدامها ضد المعارضين وانها قادرة علي إختلاق الاسباب والمبررات والذرائع لتبرير افعالها وسلوكها مهما كان شديد الخطأ ومهما تعارض وتصادم مع القيم الاساسية التي يصف المجتمع بها نفسه وتقدم الدولة بها نفسها للعالم الخارجي‏.‏
‏***‏
ومع اثارة زوبعه الخطر الداهم علي الامن القومي تتصاعد المخاوف الكبيرة من عودة المكارثية الي امريكا وتصديرها علي نطاق واسع لدول العالم خاصة وأن احداث الحادي عشر من سبتمبر صنعت المناخ الملائم لقيامها وابرزت امكانات سطوتها علي الحياة في امريكا من خلال حالة الرعب المصنوعة باحكام واتقان للتخويف من الإرهاب والدق المتواصل بنغمة امكانية أن يضرب امريكا في لحظة واحدة بأقل درجة من درجات عدم الحذر الذي وصل الي حدود إنفاق امريكا لأكثر من تريليوني دولار في حرب قذرة بالعراق وافغانستان تسدد من جيب دافع الضرائب الأمريكي وتتضح علامات الخوف والرعب من المكارثية وضياع الحريات الشخصية والعامة من الجدل الواسع الذي يدور داخل جامعة كولومبيا تعليقا علي نصائح المسئولين بوزارة الخارجية في التعامل مع موقع ويكيليكس حيث ارسل الدكتور جاري رسك الباحث بمعهد الشرق الأوسط بالجامعة رسالة للادارة الأمريكية يقول فيها نحن نعلم أن ويكيليكس امر سيئ بالنسبة للادارة ولكن ارجو الا تزيد الادارة الأمر سوء من خلال تجريم من يدرس السياسة الدولية مؤكدا أن المذنب الحقيقي هو نظام الأمن القومي الذي انهار تماما ليسمح بحدوث مثل هذا الخرق الأمني باوضح رد الفعل الحقيقي يجب أن يرتبط بأصلاح هذا النظام وليس بتجريم من يتلق تلك المعلومات علي بريده الالكتروني وهي رسالة يمكن فهمها بشكل اعمق في ضوء تنازل اوباما خلال الأيام الماضية عن تعهداته الانتخابية بخفض الضرائب للفقراء وزيادتها للأغنياء بحجة التوافق مع الأغلبية الجمهورية في مجلس النواب وهو ما يؤشر للقبضة الحديدية لليمين المحافظ واصراره علي عدم انتخاب الرئيس اوباما الاسود لفترة رئاسة ثانية عن طريق القتل المعنوي لبرنامجه الانتخابي والتزاماته امام المواطنين باستخدام الفقاعات المهمة بديلا عن التصفية الجسدية التي هددت المنظمات المتطرفة بتنفيذها؟‏!.‏


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.