عندما خرجت المرأة المصرية للمرة الأولي في مظاهرات1919 كانت بنت الصعيد, البراني والجواني, في أبعد نقطة ممكنة عن الثورة فهي لم تكن خرجت إلي الحياة بعد. وبينما كان الرجال في أسيوط يقتلعون فلنكات السكة الحديد أمام القطار الذي يحمل الجنود الإنجليز احتجاجاعلي نفي سعد باشا, كانت زوجاتهم في البيوت لايشغلهن سوي طبخ الطعام لهم عند عودتهم. فالصعيد الذي أخرج الأقوي والأجمل من الملكات في التاريخ المصري القديم, لم يقدم شخصية نسائية واحدة في حقل السياسة علي مدي عشرات القرون. ومع ذلك فإننا نجد قائدة مظاهرات نساء مصر19 كانت صعيدية الأب والجدود( السيدة هدي شعراوي) فهي صعيدية المنشأ, ولدت في المنيا و نشأت وعاشت وتعلمت في بيت أبيها وتزوجت مثل بنات جيلها من المصريات وهي في الثالثة عشر من عمرها. وكان علي المرأة الصعيدية أن تصبر طويلا حتي تخوض حقل السياسة بكل ما فيه وها هي حكمت أبو زيد بنت قرية الشيخ داوود شمال أسيوط تتربع كأول وزيرة في تاريخ مصر. ولا أحد يعرف ماذا كان يمكن أن يكون عليه مستقبل حكمت بنت أسيوط لو لم يصر أبوها ناظر السكة الحديد علي أن يعلمها ويدخلها مدرسة نظامية. فربما لم يكن لديه من القدرة المالية كموظف صغير علي أن يستقدم لها مدرسين خصوصيين في المنزل مثل سابقتها هدي شعراوي بنت محمد باشا سلطان رئيس البرلمان المصري., فأينما استقر بوالدها القطار في عمله, تلقت الدراسة علي خط الصعيد, في أسوان, وسوهاج, وحتي حلوان, وربيبة استراحة الناظر علي شريط القطار كانت إرادتها أشد قوة من القضبان الحديدية. وركبت بنت صنبو أعالي البحار إلي جامعات إسكتلندا وانجلتر وعادت بالدكتوراه. وعندما نالت مع بنات مصرها حقوقها السياسية ثم ارتقت بقرار من عبد الناصر كرسي الوزارة كأول وزيرة مصرية في التاريخوليطلق عبد الناصر علي وزيرة الشئون الاجتماعية الجديد لقب( قلب الثورة الرحيم). ولكن رغم اذدحام قطارات صعيد مصر بعدها بالطالبات الجنوبيات في كل جامعات مصر, لم يفتح أحد لأيهن الباب مثلما فتح لحكمت من قبلهن. حتي مجرد الترشيح لانتخابات مجاس الشعب كان عقبة كؤودا أمام بنات مصر العليا والوسطي, مع إن حق التصويت للمرأة كانت قد انزعته المرأة المصرية من قادة يوليو في عام1956 بعد كفاح طويل منذ خروجها في16 مارس.1919 فحتي وقت قريب جدا( تحديدا انتخابات مجلس شعب2000) كان' عيب جدا' أن تخرج المرأة الصعيدية للإدلاء بصوتها ولما خرجت كان خروجها علي استحياء و فيما لا يزيد عن5% من الدوائر الصعيدية تقريبا! و القرية الصعيدية التي أخرجت الوزيرة في1962 و كانت قبلها قرية خالية من كل المدارس ولكنها أصبحت فيما بعد مليئة بالمدارس ثانوي وإعدادي وابتدائيوالجامعات علي رمية حجر ومع ذلك لم تخرج نائبة واحدة لعشرات السنين. ولم يكن صعيدي واحد في ستينيات مصر أو سبعينياتها وثمانياتها يلتفت إلي أن تشغل المرأة كرسي في البرلمان المصري, ليس اعتراضا فقط, بل لأن الأمر لم يكن مطروحا بالمرة في أي عقل صعيدي حتي لو كان عقلا متفتحا. و عندما قررت السيدة نعمات حسن بنت الأقصر أن تترشح لانتخابات1987 أسكتتها رصاصات اخترقت صدرها لأنها تجرأت وأرادت أن تزاحم أصحاب العمم والشوارب علي كرسي البرلمان. ولكن هل تسكت بنت الصعيد وترضخ ؟!. أبدا.. فقد وجدناها تتحدي وتقتلع السيدتان ناريمان الدرملي وفايزة الطهناوي مقعدين فيما بعد والآن يتقبل الصعيد فكرة الكوته ولم يرتفع صوت للاعتراض من جنوبي واحد( اللهم إلا ما كان همسا) وتأتي سيدات مصر الجنوب يزاحمن ويعترضن ويرفعن القضايا للحصول علي حقوقهن. فلم تكن الرحلة سهلة ولا جاءت المرأة الصعيدية لتكون كمالة عدد مقاعد البرلمان, فالتجربة النسائية في البرلمان علي محدوديتها السابقة ستشهد وجوها نسائية صعيدية جديدة تشيرإلي أنها لن تكون مثل الكرسي الذي تجلس عليه.