علي خشبة مسرح الغد الذي تم تخصيصه للأعمال التراثية كان هذا العرض الذي شهدته لك هذا الأسبوع.بالطبع اسم العرض يدلك بسرعة الي مؤلفه وهو الكاتب الكبير الراحل طه حسين. ذلك أن اسم المسرحية هو دعاء الكروان تلك الشخصية الأدبية الرائعة والفكرية المتقدمة لواحد من عجب أنه من أبناء الصعيد. عمل بالفعل يقدم رؤية صاحبه الذي فقد بصره طفلا صغيرا, ولكن بصيرته بلغت مبلغا لم يصل إليه الكثير والكثير من المبصرين. بالطبع النص يتناول تلك العادات الشاقة في صعيد مصر, والحقيقة أنها تقريبا في كل مكان في مصر وهي الأخذ بالثأر للشرف هذا من جانب, وأما الجانب الآخر المهم فهو ذلك المجتمع الذكوري الذي يفرض سيطرته علي المرأة لمجرد أنه رجل في حين أنه ابسط متطلبات ذكورته بالنسبة للمرأة هو الانفاق عليها ولكنه لا يشعر بالعائلة إلا عندما تقع فضيحة عندها فقط ينبري لقتل الفتاة المظلومة والسعي دوما وراء من اعتدي عليها ليقتله أخذا بثأر الفتاة. هذا تقريبا هو النص ولو أن به عدة فروع أخري يمكن أن يتناولها القارئ وليس المشاهد في المسرح لهذا الفكر التقدمي البديع لصاحب دعاء الكروان الدكتور طه حسين. هذا النص يقدم علي خشبة المسرح ولكن كيف؟ الإعداد لواحدة من الشباب الواعد في الكتابة للمسرح بالذات في الإعداد عن التراث وهي الكاتبة رشا عبد المنعم. إذن النص وهو معروف قامت رشا عبد المنعم بإعداد له يناسب ما يمكن أن نسميه بالحداثة ومن هنا جاء أداء أو عمل المخرجة للعمل وهي كريمة بدير وهي من الشباب ايضا. تناول رشا كان افضل أن تركز في الإعداد لهذا العمل علي المجتمع الذكوري بقسوته ومعاناة المرأة منه, والذي ربما إلي الآن نجد أن كثيرا من حقوق المرأة في الصعيد لا تنالها,وأعني بها بالذات الميراث الذي يهضم حقها فيه بعيدا عن الشرع الذي يتحدث باسمه الجميع لدينا. الإخراج ايضا والتصميم فهنا معظم العمل يقدم من خلال حركة الجسد والرقص التعبيري باعتبار أن المخرجة واحدة من تلميذات المخرج وليد عوني صاحب ومدير أول فرقة للرقص الحديث لدينا. ربما كانت كريمة في الرقص من المجتهدات لكن للأسف لا أجدها هكذا في الاخراج وايضا التصميم. وبالطبع أنا أساسا من مشجعي أو مشجعات الشباب في كل فروع المسرح,لكن هذا لا يعني أن اغفل ما لا استثنيه علي خشبة المسرح فالتشجيع دائما للعمل الجيد وأحيانا للعمل المتوسط,وباعتبار أن هذه أول خطوة للمخرجة في مجال التصميم والإخراج فقد أقدم لها عذرا لكن هذا العذر لا يمكن أن ينبطق علي العمل الآخر أي العمل الثاني. حركة الممثلين والممثلات لم استشعر لها التفسير الحقيقي للعمل أو النص برغم أن بعضها خاصة في بداية العمل كان يقدم المرأة في صورة الضحية أو المغلوبة علي أمرها. لكن بعد ذلك كان مجرد لقاء بين الفتاة الأولي والمهندس أو السيد الذي تعمل لديه خادمة,ثم بعد ذلك لقاؤه مع شقيقتها التي جاءت لهذا المنزل بالذات لتنتقم لشقيقتها التي قتلها الخال,وبالطبع ينتهي العمل بأن أوقعته بالعقل ولكن في حبها وفي ذروة هذا الحب كان مقتله علي يد الخال. أجد لياقة جسمانية جيدة لدي الممثلين المؤدين ولكن أتوه في معناها. لكن هذا لا يمنع من استعانة المخرجة بديكور بسيط وموحي بجو العمل واستخدام موسيقي جيدة وأيضا غناء حي, وبالطبع الغناء هنا هو ما كان يؤكد لنا جو العمل القاسي علي المرأة والحزين أيضا لما تعانيه. أيضا استعانت بملابس جيدة مع الديكور لمحمود حنفي. الممثلة التي وقفت أمامها لتعبيرها المتفوق هي التي قامت بدور الأم. أداء بالعقل بالغ الحساسية لرجوي حامد التي استطاعت بعيدا عن حركات الجسد أن تعبر بكل خلجات وجهها حتي لتكاد تبكي أمامنا في أحد المشاهد. رجوي حامد أعتبرها هي أهم عنصر في مسرحية دعاء الكروان في ذات الدور الذي قدمته علي الشاشة العملاقة الراحلة أمينة رزق. المهم أنني احترمت عدم خروج مسرح الغد عن النهج أو التخصص الذي قدم له وهو الأعمال التراثية فمن خلال هذا التراث قدم لنا المسرح الذي يديره ناصر عبد المنعم أكثر من عمل ناجح من الأعمال التراثية. أسعي وراء اعمال الشباب وأسعي للوقوف بجانبهم ولكن هنا لابد من وقفة حتي لا يقدموا ما يستشعرون هم أنه الرؤية الصحيحة بينما المتفرج المتلقي هو الضحية.