كتب:محمد فؤاد: بدأت فكرة تشكيل المحكمة الدولية في اغتيال رئيس الوزراء اللبناني السابق رفيق الحريري بمجرد وقوع عملية الاغتيال. فقد أصبح الجميع سواء في داخل لبنان أو خارجه يؤيد تلك الفكرة لمعرفة قتلة ومعرفة أسباب الاغتيالات التي ظهرت بعد تلك الحادثة المروعة. وفكرة تشكيل تلك المحكمة في حد ذاتها جديدة من نوعها, فلم يتم تشكيل محكمة من هذا النوع في العالم من قبل, خاصة أن تلك المحكمة تحمل في بنيتها تشكيلا مختلطا بشكل كبير, ففيها العديد من القضاة الأجانب إلي جانب قضاة لبنانيين. الحكومة اللبنانية هي التي كانت صاحبة فكرة تشكيل تلك المحكمة, إلا أنها لم تتشكل من الداخل اللبناني و إنما بناء علي قرار من مجلس الأمن وهو القرار رقم7551 الصادر في03 مايو7002. وقد تم إنشاء المحكمة تحت الفصل السابع من ميثاق الأممالمتحدة, الأمر الذي فتح أبوابا عديدة لانتقاد المحكمة باعتبار أن الجهة التي أنشأتها لها دور سياسي وليست جهة قضائية مما يشكل انتقادا كبيرا في نزاهة تلك المحكمة. والمحكمة تتكون من قاض ما قبل المحاكمة ودائرة محاكمة ودائرة استئناف ومكتب المدعي العام, بالإضافة إلي قلم المحكمة ومكتب الدفاع. والمدعي العام الخاص بالمحكمة أجنبي يعني أنه من دولة ليست لبنانية وتساعده شخصية من لبنان. والحقيقة أن المحكمة الدولية في اغتيال رفيق تمتاز بميزتين الأولي تتمثل في أن الصلاحية القانونية الممنوحة لها تنحصر في النظر في قضية واحدة ألا وهي قضية اغتيال رئيس الوزراء اللبناني رفيق الحريري وما تبع ذلك من جرائم اغتيال متلاحقة في فترة زمنية محددة أعقبت عملية الاغتيال, أما الميزة الثانية في أنها محكمة تضم القانون الدولي إلي جانب القانون اللبناني, فهي تتعامل بالقانونين إضافة إلي أن القضاة الذين يتعاملون داخل المحكمة بعضهم لبنانيون وبعضهم أجانب. ولكن توجد أسئلة كثيرة أخري تحيط بالمحكمة في حد ذاتها, فقد استغرق تشكيلها وقتا طويلا, كما شهدت استقالات كثيرة بين طاقمها والتي كان من أهمها استقالة رئيس قلم المحكمة ديفيد تولبرت والذي جاء بعد خلفه البريطاني روبين فنسنت الذي استقال أيضا من منصبه. كما شملت الاستقالات القاضي هاورد موريسون والمتحدثة باسم المحكمة سوزان خان وهي من أصل فلسطيني وكذلك المدعي العام الاسترالي نيك كالداس. فالمتأمل لما يحدث يتساءل عن هذا الكم الكبير من الاستقالات بين طاقمها, خاصة أنه لم يفصح أي من هؤلاء عن السبب الحقيقي وراء الاستقالة, فمنهم من قال إنه يريد الاعتناء بأبنائه وغير ذلك من الحجج التي لاتلقي قبولا مناسبا للمتابع لتطورات عمل المحكمة. ومحكمة خطيرة كهذه يدور سؤال مهم حول مصادر تمويلها لأنه من الممكن أن يكون لتلك المصادر تأثير بشكل أو بآخر علي عملها, خاصة أن المعلومات الأولية تشير إلي أن تكلفة نقل الفرد الواحد من الشهود تصل إلي ثلاثة آلاف دولار والقضايا تتضمن عشرات بل مئات الشهود. ولهذا فإن مصادر التمويل تتمثل في مساعدات دولية تصل إلي51% من مصادر تمويل المحكمة, بينما تشارك الحكومة اللبنانية في تمويل المحكمة بنسبة تصل إلي49%, لأن إنشاء المحكمة كان أحد المطالب الأساسية للحكومة اللبنانية. وتوجد مشكلات كبيرة تتعلق بتمويل المحكمة داخل الحكومة اللبنانية وخاصة بعد أن ثبت أن الشهود الذين ألقوا بمسئولية اغتيال علي سوريا, هم شهود زور ولم يقولوا الحقيقة. وقد تمثلت تلك المشكلات في أن كل من حزب الله وحركة أمل والتيار الوطني الحر, كل تلك الكتل السياسية اللبنانية, ترفض الاستمرار في تمويل المحكمة وترفض مناقشة تلك القضية داخل اجتماعات الحكومة اللبنانية نفسها. هذا ناهيك عن دعوة حزب الله إلي عدم التعاون مع المحكمة بعد الأنباء التي أشارت إلي أنها ستصدر حكما ظنيا تتهم عناصر في حزب الله بالوقوف وراء اغتيال رئيس الوزراء اللبناني السابق رفيق. إن المحكمة الدولية في قضية اغتيال أصبحت أداة في منتهي الخطورة يمكن أن تؤدي إلي العودة لأتون الحرب الأهلية في لبنان إذا أسئ استخدامها. ولذلك نجد أصواتا تقول إن المحكمة أريد بها خنق المقاومة اللبنانية والتخلص من نفوذها, وتشير إلي أن إنشاءها ما هو إلا انتقاص من الإرادة اللبنانية. وهذه آراء تبعث علي ضرورة أن تكون تحركات تلك المحكمة في منتهي الوعي لأن القرارات غير المدروسة أو المتسرعة سيكون لها مردود خطير في لبنان, خاصة أن الساحة اللبنانية علي صفيح ساخن ولا تتحمل أخطاء أخري كأخطاء شهادة الزور.