لعله من حق وزارة الاستثمار أن تروج للتراث الرأسمالي ولمن اسمتهم رواد الاستثمار, في مواجهة تنامي الرفض الشعبي للخصخصة خاصة بعد ماجري تناقله عن عقود الخصخصة. التي لحق بها عوار قانوني لا يخفي علي أي قانوني مبتديء بما أثار زوابع عمالية انعكست علي أرصفة قصر العيني وأثارت تساؤلات قاسية عن الشفافية, وعن كيف؟ ولماذا؟ وبكم؟. ولعلها وجدت من الاوفق أن تصدر سلسلة بعنوان رواد الاستثمار لتوزعها هدية مع مجلة المصور.. لكن السؤال المثير للدهشة هو.. أي نموذج تروج له هذه السلسلة؟ وأي نوع من الرأسماليين تمتدح؟ فيثور سؤال أشد خطرا عن مدي انعكاس هذه الكتابات غير المسئولة علي القاريء وعلي تصوراته عن النموذج الرأسمالي المطلوب والذي يجري الترويج له. وهو باختصار نموذج غير وطني, غير إنساني, غير أخلاقي. والكتيب الذي نتحدث عنه مخصص للعصامي أحمد عبود باشا. روج الكتاب ما شاء له الترويج, ومدح ما شاء له المديح لعبود باشا ونسي خلال ترويجه ومديحه أنه يمتدح فيه ما يثير القرف ويفتح الباب أمام التصور البدائي والمتوحش للرأسمالي وهو كما يقول الكتاب نصا ودون خجل. لكي تنجح وتصبح مليونيرا يجب أن تتنازل عن الوطنية والأخلاق والعدل والإنسانية. ونبدأ في تصفح الكتاب.. ونقرأ نصوصا كافية الدلالة.. المرتكز لنجاح أحمد عبود ليس مردودا للفساد وحده, فالفساد قد يكون عاملا مساعدا في صعوده وليس عاملا وحيدا.( ص31) تزوج عبود بابنة مدير الاشغال العسكرية للجيش الانجليزي, وبمصاهرته لضابط انجليزي كبير استثمر وضعه الجديد وحظي بخدمات متتالية من والد زوجته الذي أسند اليه معظم أشغال الجيش الانجليزي في فلسطين, وأعانه علي تولي أعمال مماثلة في مدن القناة. ومن تراكمات الأرباح الهائلة التي حققها عبود في هذه العمليات بدأ رحلته في الصعود من القاع إلي القمة( ص29) أن سلوك أحمد عبود العملي بشري لا يخلو من أخطاء ولا يجب تقييمه وفق المعايير الاخلاقية وحدها دون مراعاة لمناخ الصراع والتنافس( ص31) في عام1920 تفجرت أزمة سياسية فقد اتهم وزير الأشغال العمومية عبدالعظيم باشا راشد وهو من رجال القصر الملكي والمحسوبين عليه بأنه أسند لعبود مقاولات بالأمر المباشر بالمخالفة للقانون( تماما كما يحدث الآن) فثار رئيس الوزراء عبدالفتاح باشا يحيي علي وزيره وطلب إقالته, وبعد هذه الحكاية يقول الكتاب الخلاصة أن علاقة أحمد عبود مع المندوب السامي قد أفلحت في تجاوزه للأزمة العاصفة فقد تدخل الانجليز بكل ثقلهم ونفوذهم للضغط علي الملك الذي ضغط بدوره علي رئيس الوزراء ليقدم استقالته فقدمها ونص فيها علي أنه يستقيل بناء علي رغبة الحكومة البريطانية ولم يشأ المؤلف أن يترك هذه الحكاية دون تعليق أو بالدقة دون تبرير فيقول: مصالح مشتركة بين عبود والمندوب السامي البريطاني. وتداخل واختلاط بين السياسي والاقتصادي وروائح فساد ومحسوبية. وقد لا يكون سلوك عبود مثاليا, وقد تتكرر في مسيرته حوادث مشابهة لكن اللوحة المتسعة تتجاوز مثل هذه الجزئيات ولا تقتصر عليها ونعلق نحن( ياسلام علي التقييم الاخلاقي والوطني)( ص2).. ونواصل القراءة في نصوص مثيرة للاشمئزاز وبرغم ذلك يبررها الكتاب ويعتبرها تعاملا رأسماليا مقبولا بل وطبيعيا ونقرأ في دهشة: مما يؤكد قوة ونفوذ أحمد عبود أنه لعب الدور الاكبر في إجبار طلعت حرب أشهر أعلام النهضة الاقتصادية علي الاستقالة من بنك مصر الذي اسسه واقترن باسمه فقد اشترك عبود ومحمد فرغلي( فرغلي هو صاحب الكتاب الأول في هذه السلسلة) في تنفيذ سياسة قوامها سحب ودائعهما من البنك بمعدل نصف مليون جنيه يوميا حتي بلغ السحب ثلاثة ملايين وهددت الحكومة بسحب ودائعها فاستقال طلعت حرب وخلفه حافظ عفيفي رجل الملك وصديق عبود الأثير. وعن هذا التصرف المثير للاشمئزاز يعلق الكتاب محاولا أن يعلمنا أن ذلك مقبول في عالم رجال الاعمال مروجا لأشد الأخلاقيات انحطاطا وخاصة في التعامل مع رجل مثل طلعت حرب ويقول الكتاب نصا أنه رجل أعمال لا يعترف بالعواطف ولا يعرف السلوك المثالي, وفي هذا السياق يمكن تفهم دوافعه فهي من منطلق المصلحة التي يبحث عنها ويقاتل في سبيلها( ص35) المصلحة وحدها والمال وحده دون وطنية ولا أخلاق ولا قيم هذا هو بالضبط مايروج له الكتاب. لكن التصرف الاكثر وحشية كان تعطشه للاستيلاء علي شركة السكر والتكرير المصرية المملوكة لرجل الاعمال هنري نوس فبعد موته خلفه ابنه هوج فلجأ عبود الي حيلة شيطانية فأوعز للمندوب السامي البريطاني بتجنيد هوج وإرساله الي الجبهة قسرا رغم أنه من أصل بلجيكي مع التوصية بأن يرسل الي أشد المواقع خطرا ليموت, ومات, وانفرد عبود بملكية الشركة( ص34). أرأيتم النموذج الذي يروج له كتاب من المفترض أنه حكومي؟ وعلي أية حال أن من حق الكتاب ان يروج للمستثمرين حتي المتوحشين منهم لكنه ليس من حقه وبأموال دافعي الضرائب ان يدافع عن وحشيتهم وأن تعتبرها أمرا منطقيا ربما ليبرر بعضا مما يجري الآن باعتباره طبيعيا هو أيضا. علي أننا لا نعتب علي الكتاب ولا علي مؤلفه, فإن عديدا من رجال البيزنس في زماننا السعيد يتفوقون تفوقا بغير حدود علي عبود باشا وأمثاله. المزيد من مقالات د. رفعت السعيد