بعد ارتفاع أسعار البترول العربي واستخدامه في حرب أكتوبر1973, تنبهت أوروبا إلي القوة الاقتصادية البازغة للدول العربية, خاصة بعد أن استنفرت الولاياتالمتحدةالأمريكية قواعدها العسكرية في أوروبا دون تشاور مسبق معها. فكان قرار القمة الأوروبية في كوبنهاجن في نهاية عام1973 ببدء علاقات عربية أوروبية علي أسس جديدة.. فكان بدء الحوار العربي الأوروبي, وظهرت كتابات تأمل في صعود قوة اقتصادية خامسة في العالم, ولكن سرعان ما توقفت هذه الآراء نتيحة لتطورات الأحداث فيما بعد. وإن كان الدور الأوروبي قد استمر لفترة بفضل قوة الدفع نحو إقامة علاقات جوار علي أسس جديدة, ففي هذا الإطار جاءت خطة هنري كيسنجر( وزير خارجية الولاياتالمتحدة في ذلك الوقت) لترشيد استهلاك الطاقة وتأمين بدائل جديدة لها, فكان التوسع في الاعتماد علي الطاقة النووية. واليوم وبعد أكثر من خمسة وثلاثين عاما, يتكرر السيناريو نفسه, ولكن المتغيرات مختلفة, فالارتفاع الحاد في أسعار البترول قابله تدهور ملموس في سعر الدولار بالنسبة لباقي العملات الرئيسية في العالم.. وأثر انخفاض معدلات سعر الصرف المنخفض للدولار علي الدول العربية المنتجة للنفط تأثيرا كبيرا, ومن المنتظر أن يستمر هذا الأثر السلبي مادامت أسعار برميل البترول العربي تقوم بالدولار. وسواء كانت سياسة استمرار انخفاض أسعار صرف الدولار تتم بناء علي تخطيط مدروس, حتي يستعيد الاقتصاد الأمريكي عافيته من جراء الأزمة الهيكلية والمالية التي يمر بها وصعود قوي اقتصادية منافسة جديدة, فمن الواضح أن الدولار لن يستعيد مكانته كعملة ارتكازية في تسوية المعاملات أو الاحتفاظ بها كاحتياطي نقدي, خاصة مع وجود دعاوي بعدم اعتماد صندوق النقد الدولي عليه كعملة ارتكازية أو الدعوي القائلة بوقف تسعير برميل البترول بالدولار في ظل المكانة الجديدة التي يكتسبها اليورو كل يوم في الأسواق العالمية. فمع بلوغ أسعار البترول الإسمية مستويات قياسية وهبوط سعر الدولار مقابل العملات الرئيسية الأخري, عاد الحديث مجددا عن سلبيات تسعير البترول بالدولار, ومطالبة بعض الدول المنتجة للبترول باستخدام نظام تسعير جديد. أما علي مستوي الدول العربية المنتجة للبترول, التي تشكل وارداتها من منطقة اليورو نسبة عالية من إجمالي وارداتها, فلا ريب أن انخفاض سعر الدولار مقابل اليورو قد أثر بدرجات متفاوتة علي الدولار, وفي اتجاه تحقيق خسائر صافية. أما الحديث المتكرر عن تزايد العائدات الحالية للدول العربية المنتجة للبترول, فقد قابله انخفاض حاد في أسعار صرف الدولار مقابل اليورو والاسترليني, مما ترتب عليه ارتفاع في تكاليف الاستيراد لهذه الدول من جانب, وانخفاض في استثماراتها في الأسواق الأمريكية( تمثل70% من إجمالي الاستثمارات العربية في الخارج) من جانب آخر. خطة جديدة.. في ظروف متشابهة وعلي غرار خطة كيسنجر عام1975 لخفض استهلاك البترول, وتدوير الزيادة في إيراداته الحالية بحجمه ضعف الطاقة الاستيعابية للاقتصادات العربية, جاءت خطة أمريكية جديدة في مطلع عام2008 لتقليل الاعتماد علي البترول, وعلي الأخص المستورد من الشرق الأوسط, بنسبة75% عام2025 وتشجيع استخدامات الطاقة البديلة كالإيثانول والطاقة الشمسية وطاقة الرياح, وتوظيف التكنولوجيا لإنتاج الفحم النظيف فضلا عن تشجيع أبحاث إنتاج الوقود الحيوي بالإضافة إلي خطة للسيطرة علي الصناديق السيادية العربية. والصناديق السيادية العربية, هي صناديق حكومية ظهرت عام1970( غير صناديق التنمية العربية القطرية) وتستثمر أموالها في أوروبا وآسيا وطبعا الولاياتالمتحدةالأمريكية, وتبلغ رءوس أموالها ماليا1,800 تريليون دولار( مملوكة لسبع دول عربية منتجة للبترول) أي نحو46% من رءوس أموال الصناديق السيادية في العالم, وأغلب استثمارات هذه الصناديق في قطاع الخدمات وقطاع الصناعة التحويلية. وبالرغم من أن الدول العربية المنتجة للبترول تستهدف من وراء إنشاء هذه الصناديق توفير مصدر للإيرادات المالية للأجيال القادمة بعد الحقبة البترولية, فإن هناك ضغوطا تمارس علي هذه الدول لاستخدام أموال هذه الصناديق في إعادة هيكلة المؤسسات المالية التي اضطربت من جراء الأزمة المالية والإسهام في تحقيق الاستقرار المالي العالمي. ويقتضي منا الإنصاف القول بأن أموال هذه الصناديق يجب ألا تستخدم تحت وفي ظل ضغط سياسي, ولكن وفقا لدراسات اقتصادية معمقة, أولي بها أن تذهب كتمويل تعويضي لتعويض آثار انخفاض أسعار البترول والدولار وانعكاسات الأزمات المالية العالمية علي الشركات الوطنية وفي هذه الدول أو في الدول العربية بصفة عامة. ومع ذلك تتعرض هذه الصناديق في الخارج لضغوط حادة بدعوي إصلاح مسارها, ولكن في حقيقة الأمر هذه الضغوط تستهدف السيطرة علي هذه الصناديق مثل القول بضرورة أن تطبيق هذه الصناديق اعتبارات الشفافية والتخفيف من اثار الأزمة المالية في الاقتصادات المتقدمة من أجل تحقيق الاستقرار المالي العالمي, مع أنه من باب أولي أن تسهم هذه الصناديق أولا في التخفيف من آثار الاختناقات التي تعانيها الدول العربية في بنيتها الأساسية. وإزاء هذه الضغوط, تجد الدول العربية المنتجة للبترول نفسها أمام خيار تعويم عملاتها إزاء الدولار أو هذا سيؤدي إلي ارتفاع قيمة عملات هذه الدول, وهذا بدوره سيؤدي إلي تعويض جزء من خسائرها. ويجدر بالذكر أنه يجب علي الدول العربية التي لديها مثل هذه الصناديق أن تبحث عن وسيلة لإيجاد إدارة مشتركة لهذه الصناديق, سواء بالتنسيق مع الصندوق العربي للإنماء الاقتصادي والاجتماعي, أو الصناديق القطرية للتنمية, وذلك بدلا من أن يكون لكل صندوق سياساته التي تضعها كل إدارة منفردة.