شهدت البحرين في نهاية الشهر الماضي الانتخابات الثالثة من نوعها منذ طرح الملك حمد بن عيسي لمشروعه الإصلاحي المتمثل في الميثاق الوطني عام2001, والذي مثل نقطة تحول فاصلة في مسار العلاقة بين نظام الحكم وقوي المعارضة ولاسيما الشيعية منها, لدرجة أنه اعتبر بمثابة عقد سياسي واجتماعي جديد, حيث صدرت آنذاك قرارات بالعفو عن جميع المعتقلين لأسباب سياسية, وعودة جميع المبعدين والمنفيين إلي البلاد, وإلغاء ترسانة القوانين المقيدة للحريات وفي مقدمتها قانون أمن الدولة, فضلا عن إعطاء المرآة حقوقها السياسية كاملة, بحيث تتمكن من الترشيح والتصويت في الانتخابات. في هذة الانتخابات تنافس133 مرشحا بينهم سبع نساء, لشغل مقاعد البرلمان الأربعين, وكان قد تم الإعلان عن فوز خمسة نواب بالتزكية من بينهم امرأة واحدة. ولم تتسم هذه الانتخابات بمقاطعة القوي الرئيسية لها مثلما حدث في انتخابات2002, بل يمكن القول إنها تمثل استمرارية لانتخابات2006, وقد تجاوزت مستويات مشاركة المواطنين67% وفقا لما أشار إليه وزير العدل خالد بن علي آل خليفة. وبرغم أن القوانين الداخلية في البحرين تمنع نشأة وتكوين الأحزاب السياسية, غير أن هناك صيغا بديلة يجري إستخدامها وهي الجمعيات السياسية, وهي التجربة الوحيدة في منطقة الخليج التي يسمح فيها لجمعيات أهلية أن تقوم بأدوار سياسية, ويشارك معظمها في الانتخابات. وقد شارك في هذه الانتخابات خمسة تيارات سياسية رئيسية وهي: جمعية الوفاق الوطني( شيعية) وكتلة وعد( يسار قومي), وجمعية المنبر التقدمي( يسار) وجمعية الأصالة الإسلامية( سلفية), وجمعية المنبر الوطني الإسلامي( إخوان مسلمين), فضلا عن المرشحين المستقلين. في حين قاطعت الانتخابات بعض القوي السياسية المعارضة, مثل حركة أحرار البحرين وحركة حق وجمعية العمل الإسلامي وتيار الوفاء الإسلامي, وهي جمعيات سياسية لا تحوز علي قاعدة اجتماعية واسعة. برامج الانتخابات تركزت غالبية البرامج الانتخابية التي طرحها المرشحون, بمختلف توجهاتهم الفكرية وانتماءاتهم السياسية, علي الملفات المعيشية والخدمية كالملف الإسكاني والرعاية الصحية ورفع معدلات الأجور وتقليص البطالة وتجويد العملية التعليمية والاهتمام بالشباب والفئات ذوي الاحتياجات الخاصة مثل المعوقين والاهتمام بالمتقاعدين وتمكين المرآة وتعزيز التنمية الاقتصادية وجذب الاستثمارات الأجنبية, فضلا عن إيلاء أهمية مركزية لموضوع صون الوحدة الوطنية, وهو ما يشير إلي تراجع أولويات السياسة مقابل تصاعد الاهتمام بقطاع الخدمات وأعباء الحياة اليومية. وفيما يتعلق بالأبعاد السياسية في برامج المرشحين, يمكن القول إن هناك تأثرا عاما بالنموذج الديمقراطي الكويتي, رغم المشكلات التي أحاطت بهذا النموذج خلال الفترة الماضية. حيث إن ما حدث من تجاذبات بين القوي السياسية المشاركة في الانتخابات البحرينية قبيل إجرائها, يشبه بصورة أو بأخري, ما يحدث في الكويت فيما يسمي ب تقصير القائمةshortinglist, التي تجريها القبائل الكويتية لاختيار مرشحيها في الانتخابات, أما في الحالة البحرينية فيتم ذلك عبر وسيلة التشكيك في المرشح المنافس والتقليل من مدي حظوظه في الفوز بالانتخابات. فضلا عن ذلك, تجددت المطالبات المستمرة بالعودة إلي دستور1973 الذي كان ينص علي أن ثلثي المجلس النيابي يتم انتخابهم بتصويت الشعب والثلث المتبقي يتمثل بالوزراء, مثلما هو الوضع السائد في الكويت. أضف إلي ذلك, تعالت الأصوات من جانب بعض القوي السياسية البحرينية لإصلاح الدوائر الانتخابية وتقليصها من أربعين دائرة إلي خمس دوائر كما هو الوضع في الكويت, بحيث إن الناخب يمكنه انتخاب أربعة مرشحين بدلا من أن ينتخب مرشحا واحدا, وهو ما يؤدي إلي ازدياد فرص المستقلين والنساء في الوصول إلي البرلمان. بيئة الانتخابات سبق الانتخابات جدل حاد بين الحكومة وقوي المعارضة علي خلفية إلقاء أجهزة الأمن القبض علي أحد الرموز الشيعية مع ثلاثة ناشطين في مجال حقوق الإنسان, فيما يعرف بقضية الخلية الإرهابية التي أعلن عنها في منتصف أغسطس الماضي. حيث وجهت أجهزة الأمن إلي الأربعة تهمة إنشاء منظمة تهدف إلي تقويض أمن البلاد و التحريض علي أعمال العنف وممارسة الإرهاب. وفي هذا السياق كانت الصدامات قد إزدادت خلال الشهور الثلاثة التي سبقت الانتخابات, بين قوات مكافحة الشغب والمحتجين في المناطق الفقيرة ذات الأكثرية الشيعية, الذين قاموا بإشعال إطارات السيارات وإلقاء القنابل اليدوية وعرقلة سير المرور أمام الطرقات الرئيسية المؤدية إلي المناطق التي يسكنون فيها, الأمر الذي دفع شرطة الشغب إلي احتجاز بعض هؤلاء, من خلال الاستناد إلي قانون مكافحة الإرهاب الذي أقر في العام2006, فضلا عن التضييق علي بعض المنابر الإعلامية ومنظمات المجتمع المدني المنتقدة للسياسة الرسمية, وهو ما آثار المخاوف من تراجع مؤشرات الحرية علي حساب تصاعد تهديدات الأمن بحيث بدا للبعض وكأن البحرين تتجه للعودة إلي السلطوية التقليدية بدلا من السلطوية التنافسية التي ميزتها علي مدار عقد من الزمن. ومن هنا, لم يكن غريبا أن تزداد اتهامات المعارضة الشيعية بعدم حيادية الدولة في إدارة العملية الانتخابية, إستنادا الي عدة عوامل مثل القول بالتوزيع غير العادل للدوائر الانتخابية, وتوظيف أصوات العسكريين والمجنسين, إضافة إلي غياب الرقابة الدولية. غير ان هناك نوعا من التركيز علي عدم تجانس بين الكثافة السكانية والتصويت في الدوائر الانتخابية. ففي الوقت الذي توجد فيه دوائر تحتوي علي500 ناخب, فان هناك دوائر أخري يصل عدد الناخبين فيها الي18 ألفا. بالاضافة الي الاتهامات المستمره للحكومة بالسعي إلي تغيير التركيبة الديموغرافية في البلاد عبر ما يسميه البعض التجنيس السياسي, للكثير من العرب السنة, سواء من سوريا أو السعودية أو مصر أو الأردن أو اليمن, لموازنة الفجوة السكانية مع الأغلبية الشيعية. إلا أن الحكومة تنفي صحة هذه الاتهامات وتعتبرها مجرد افتراءات معارضة. وتشدد علي أن التجربة العملية تشير إلي أن الانتخابات أجريت وفق القواعد القانونية والتنظيمية تحت إشراف السلطة القضائية, وأن نتائجها تعبر عن نزاهتها. نتائج الانتخابات إن الرسالة الأهم التي يمكن استخلاصها من الانتخابات البحرينية هي أن الوفاق هي أكبر جمعية سياسية معارضة في البحرين, حيث حصدت ثمانية عشر مقعدا من أول جولة, بما يعني فوزها بكل المقاعد التي تقدمت للمنافسة فيها, الامر الذي يشير إلي أن التخطيط المحكم والاستعداد المنظم للمشاركة في تفاعلات العملية الانتخابية, وتوظيف التكنولوجيا في الدعاية. غير أن تركيبة المجلس الجديد لن تختلف كثيرا عن تركيبة المجلس السابق, الذي استحوزت المعارضة الشيعية فيه علي17 مقعدا, فأصبحت تستحوذ علي18 مقعدا في المجلس الجديد, ويليهم المستقلون المقربون من الحكومة الذين احرزوا15 مقعدا, بينما تقلص نفوذ الاخوان المسلمين الذين حصلوا علي3 مقاعد فقط في مقابل4 مقاعد للسلفيين. واللافت للانتباه هو أن الخاسر الاكبر في هذه الانتخابات تمثل في النواب الإسلاميين, سواء في جمعية المنبر الإسلامي أوجمعية الأصالة, والذين كانوا يشغلون معا15 مقعدا في المجلس السابق, وإن كانت خسارة جمعية المنبر الإسلامي أكبر من جمعية الأصالة, فمن أصل ثمانية مقاعد كانت تشغلها, حصلت علي3 مقاعد فقط في المجلس الحالي. وربما يرجع السبب في ذلك إلي أن الجمعيات ذات التوجهات الإسلامية خاضت الانتخابات دون تحالف معلن, بل إن بعض مرشحي جمعيتين هما المنبر التقدمي والتجمع القومي خاضوا المنافسة عبر دعم مرشحين من جمعية الوفاق الوطني الإسلامية في بعض الدوائر. وبالمقابل, قامت جمعية المنبر الوطني الإسلامي بمنافسة جمعية الأصالة في أكثر من دائرة بعد أن كانت الجمعيتان قد خاضتا انتخابات2006 متحالفتين. كما تجدر الاشارة إلي أن ثمة تراجع ملحوظ أيضا في إقبال المرآة البحرينية علي المشاركة, إذ وصل عدد المرشحات إلي سبعة, مقارنة بثمانية عشر خضن العملية الانتخابية عام2010, ولم تنجح شخصيات نسائية باستثناء لطيفة القعود العضوة السابقة والحالية. ويمكن إرجاع ذلك لأسباب عربية عامة أكثر منها لاوضاع بحرينية خاصة, تتعلق بالموروث الاجتماعي والغياب النسائي التاريخي عن الحضور السياسي فضلا عن حداثة المشروع الإصلاحي. خلاصة القول إن الانتخابات البرلمانية كرست الأوضاع القائمة في البحرين دون أن تؤدي إلي تحسن كبير أو تدهور حاد في وضع قوي سياسية بعينها, ولم تتغير موازين القوي السياسية بدرجة يجعل الوضع في البحرين قبل الانتخابات يختلف عن الوضع فيما بعدها. وبذلك يمكن القول أن المشروع الإصلاحي في البحرين لا يزال مستمرا, ويتطور يوم بعد آخر رغم الجدل الذي يثار من حوله.