يأتي لقاء رئيس الوزراء المصري احمد نظيف مع الرئيس بوش في وقت عصيب بالنسبة لبرنامج الرئيس الخاص بالشرق الاوسط. ذلك ان دعوات الادارة لاجراء تغييرات جذرية في بلدان المنطقة تبرز مناكبة للمعارضة الواضحة من اقرب حلفائها العرب. فبعض الممالك العربية، كالبحرين والاردن، تواصل الحد من المنافسة السياسية، بينما تنقض اخرى - مثل مصر والسعودية - على الاصلاحيين. فقد اعتقلت مصر الاف المعارضين السياسيين خلال الاسبوعين الماضيين. كما حكمت العربية السعودية، يوم الاحد الفائت، على ثلاثة من النشطاء بالسجن لمدة تصل الى تسع سنوات بتهمة »زرع بذور الانشقاق«. ان هذه الاعمال، التي قام بها اقرب حلفاء الولاياتالمتحدة، تضع الكرة في ملعب واشنطن. لذا تعمل الولاياتالمتحدة الان على التوازن في مصالحها المعلنة، بتدعيم الديمقراطية في مناهضة الضرر المحتمل على مصالحها قصيرة الاجل، مثل محاربة الارهاب، والتطبيع العربي مع اسرائيل، وتأييد الحرب على العراق، التي تعتبر عادة دليلها الى الانخراط في المنطقة. وفي الوقت الذي تواجه اهداف اجندة ولاية بوش الثانية، المتمثلة في زرع بذور الحرية والتحرر، تحديات في بعض بلدان الشرق الاوسط، فإن المنطقة تمر في حالة تغير. اذ ستجرى في لبنان انتخابات جديدة من دون تأثير سوري، ونظمت في العربية السعودية آخر جولة من الانتخابات العامة للمجالس البلدية الشكلية لاول مرة في شهر نيسان الفائت. على ان طريقة التعامل مع زيارة احمد نظيف قد تؤكد على وجود اختلاف آخذ في الظهور بين التزام امريكا بتدعيم الديمقراطية بصورة عامة، وبين عدم رغبتها في التخلي عن الحلفاء ذوي الاجراءات والاعمال المحددة. فعندما زار ولي العهد السعودي، الامير عبدالله بن عبدالعزيز، الرئيس بوش في مزرعته في كروفورد/تكساس، الشهر الماضي، تحاشى المسؤولون الامريكيون الاسئلة عن ما اذا ابدت الولاياتالمتحدة تذمرا من اضطهاد المنشقين في المملكة. وعوضاً عن ذلك، قالوا ان الرئيس الح على ولي العهد زيادة انتاج النفط، واثنى على دعمه للحرب على الارهاب. ولما سئل مستشار الامن القومي، ستيفن هادلي، ان كان الرئيس تذمر من المحاكمة المغلقة للمنشقين الثلاثة، قال »جرى حديث عام عن موضوع الاصلاح في تلك المباحثات المختلفة التي دارت خلال اليومين الماضيين. ولن اخوض في تفصيلاتها«. وبعيد عودة ولي العهد الى بلاده، صدر الحكم على هؤلاء المنشقين. اما واين وايت، الذي شغل منصب نائب مدير شعبة الشرق الاوسط، في مكتب الاستخبارات والبحوث بوزارة الخارجية، حتى شهر آذار المنصرم، ويعمل الان مساعد باحث في معهد الشرق الاوسط. فقد قال »ان المشكلة في التركيز على الديمقراطية تتمثل في ان الحاجات قصيرة الاجل تقدمت في حالات معينة على الهدف الاستراتيجي بعيد المدى بنشر الديمقراطية. والمصالح قصيرة المدى والابتعاد عن الحلفاء قضت دائما على هذا النوع من المبادرات«. وتعتبر مصر، وهي اكبر البلدان العربية، وثالث الدول في العالم التي تحصل على اكبر مساعدة، بعد العراق واسرائيل، من الولاياتالمتحدة، اللغز المحير امام صناع السياسة في امريكا. فقد تسلمت مصر ما يزيد على 55 مليار دولار من المساعدات الامريكية منذ توقيعها على معاهدة سلام مع اسرائيل عام 1979. وتقيم مناورات عسكرية متتالية مع القوات الامريكية. وتقدم المساعدة للجهود الامريكية في العراق بتدريب الضباط للجيش العراقي الجديد. ووفقاً لمنظمة مراقبة حقوق الانسان »هيومان رايتس ووتش«، ابعدت مصر، كذلك، ارهابيين مزعومين الى الحجز الامريكي بقاعدة غوانتانامو، كما تسلمت ارهابيين من الولاياتالمتحدة، في عهدي الرئيسين بوش وكلينتون، بالرغم من النتيجة التي توصلت اليها وزارة الخارجية، في شهر شباط المنصرم، بأن تعذيب المعتقلين في مصر »امر شائع ودائم«. وبسبب التحالف على محاربة الارهاب، والرغبة في مكافأة مصر على عقد سلام مع اسرائيل، تخول الولاياتالمتحدة السلطة الكاملة تقريباً لمصر لصرف اموال المساعدات. وقد تركت هذه السياسة، لغاية الان، الحرية لمصر - مع ان هذه السياسة قد تتغير كما يقول مسؤولون امريكيون - للتعامل مع المنشقين حسب الطريقة التي تراها ملائمة. ودون تعريض هذه الاموال للمجازفة. وتأتي زيارة رئيس الحكومة المصرية للولايات المتحدة، قبل اقل من اسبوعين، من قيام مصر باصلاحات محدودة لاجراءات الانتخابات الرئاسية فيها، والتي يقول عنها المسؤولون في واشنطن انها خيبت آمال البيت الابيض، لانها تجعل من المستحيل تقريباً على مرشحي المعارضة تحدي حكم الرئيس حسني مبارك، المتواصل منذ 24 عاماً، في انتخابات الرئاسة التي ستجرى في شهر تشرين الاول المقبل. في هذا الصدد، يقول احد المسؤولين الامريكيين، »ان هذه التغييرات تبدو تزويقية اكثر منها جوهرية. لكننا سنواصل تشجيع الحكومة المصرية بقوة على توسيع الساحة السياسية بشكل اكبر. وسيكون من الصعب على الرئيس مبارك اظهار الانتخابات على انها ذات معنى ومغزى ان لم تتوافر المنافسة الفعلية«. وهناك حلفاء عرب مقربون آخرون من الولاياتالمتحدة يضيّقون الخناق ايضاً على حدود الدفاع. فحكومة العاهل الاردني، الملك عبدالله الثاني، المعينة في الفترة الاخيرة، عرضت على البرلمان مشروع قانون يرمي الى تقييد النشاط السياسي في البلاد. وفي البحرين، حيث يقيم الاسطول الخامس الامريكي، وحيث الملك السّني حمد بن عيسى آل خليفة يحكم غالبية شيعية لا تشغل اية مناصب حكومية كبيرة، ألقي القبض على ثلاثة اشخاص بتهمة »التحريض على الحكومة« في شهر آذار المنصرم. وقد تزامن غضب واشنطن والمعارضة المصرية من القوانين الانتخابية المعدلة في مصر، مع اشد حملة قمع ضد الاخوان المسلمين فيها، خلال السنوات العشر الاخيرة، وهي اكبر قوة معارضة منظمة هناك. وطال هذا الهجوم ايضاً مؤيدي »حزب الغد« العلماني المعارض، كما جرى احتجاز بعض الصحافيين الاجانب، ولبعض الوقت، كانوا يريدون تغطية اجتماع لخمسة الاف من القضاة المصريين، كان مقررا عقده في القاهرة، يوم الجمعة الماضي، اذ هدد هؤلاء القضاة بمقاطعة الانتخابات الرئاسية التي ستجرى في البلاد باشراف حكومي مباشر، الا اذا خففت القيود السياسية عليها. كان اخر اتصال رفيع المستوى مقرر بين واشنطن ومصر، هو زيارة وزيرة الخارجية كوندوليزا رايس للقاهرة، في شهر شباط الماضي. لكن رايس الغت تلك الزيارة في اللحظة الاخيرة، بعد ان اعتقلت مصر زعيم »حزب الغد« ايمن نور بتهم ملفقة. وقد اخلي سبيله بعد ذلك بوقت قصير، وهو ينتظر المحاكمة الان. وفي هذا الخصوص، قال احد المسؤولين الامريكيين، الذي طلب عدم نشر اسمه. »يبدو مؤكدا ان هناك قوى تعمل على تلفيق التهم ضد هذا الرجل«. وفي الايام الاخيرة، ردّ مسؤولون مصريون بقوة على ما يعتبرونه نقداً غير عادل، وخاصة من جانب الصحافة. فيوم الخميس الماضي، عقد احمد نظيف مناقشات مع مجموعة صغيرة من الصحافيين الاجانب، كما عقد جمال مبارك، نجل الرئيس المصري، مؤتمرا صحافياً نادراً. ويعتبر جمال مبارك عضواً صاحب نفوذ مؤثر في الحزب الوطني الديمقراطي الحاكم، ويُعلن احياناً انه سيخلف والده. وقد خص، في هذا المؤتمر، التغطية الصحافية الاجنبية للقانون الرئاسي المعدل، بالقول بأنها تغطية غير متوازنة، في حين وصف هذا القانون »بالتاريخي«. وقال »انه تغيير جوهري لدرجة اعتقد ان بعض الناس عاجزون عن فهمه«، وكان بذلك يشير الى الاحزاب التسعة عشر، التي سيسمح لها بتقديم مرشحين في الانتخابات الرئاسية. ويذكر هنا ان والده لم يواجه غير استفتاء بنعم او لا على احتفاظه بالرئاسة. اما احمد نظيف، فقد هزىء من الشكوى من تحكم النظام بأحزاب المعارضة، وخاصة رفضه السماح للإخوان المسلمين بدخول المنافسة، وان ذلك سيحول دون ظهور معارضة حقيقية، وقال: »هذا لا يساعد في شيء.. وهو ان يُواجه بالتشاؤم والتشكك شخص يتخذ خطوة جريئة. ولدينا في مصر ما يكفي من الاحزاب السياسية«. واعترف نظيف بأنه لن تكون هناك منافسة كبيرة على الرئاسة في ظل الظروف الراهنة. وقال ان هذه العملية »ستكون استفتاء اكثر منها انتخابات« ان قرر مبارك الترشح. وقال وايت، من معهد الشرق الاوسط، انه من غير الانصاف والعدل أن يتوقع من الولاياتالمتحدة ان تكون قادرة على انجاز الكثير من جانبها وحدها، آخذين بالاعتبار صمت اوروبا عموماً عن هذه القضية. مضيفاً »يوجه النقد للولايات المتحدة على عدم القيام بما يكفي من الاعمال، بينما نرى اخرين يقفون على الهامش. فالجميع يدركون ان المنطقة بحاجة الى الاصلاح.. الالمان يعرفون ذلك، والفرنسيون يعرفون ذلك.. لكنهم لا يتحدثون الكثير عن هذا الامر لان الولاياتالمتحدة انبرت لتحمل كل شيء«. ومع هذا، يقول وايت انه من السذاجة بمكان ان توقعت الولاياتالمتحدة ان يحقق حلفاؤها التغيير التدريجي، الذي وعدوا به، في المنطقة »فإن غضب البيت الابيض، الان، فلماذا كانت آماله كبيرة الى هذا الحد كي تبدأ بها؟ فتجارب التاريخ مخيبة للآمال بالقياس الى هذا النوع من المحاولات.. فلماذا علينا ان نتوقع بهذه السرعة لهذه النخب الحاكمة ان تشارك في السلطة؟ فهذا الامر ليس هو ما يحدث«. ويضيف وايت الى ذلك ويقول »ان الحقيقة المؤسفة تتمثل في انه اذا لم تحقق هذه النخب الاصلاح، واذا لم تتقدم عملية اقامة الديمقراطية، فإن العديد من البلدان ستسير في نهاية المطاف في طريق عدم الاستقرار. غير ان انظمة الحكم الاستبدادية لا تملك مثل هذه الرؤية«.