أصبحت القضية محسومة في العالم المتحضر.. إن درجة تحضر وتقدم أي مجتمع رهن بوضع المرأة كإنسان.. هل تعاني الظلم وسوء المعاملة والنظرة إليها علي أنها في مكانة أدني من مكانة الرجل. أم أن لها الحقوق وعليها الواجبات التي تنص عليها الدساتير( المساواة المواطنة العدالة تكافؤ الفرص عدم التمييز.. إلخ) أم أن نصوص الدساتير والقوانين مجرد كلمات غير قابلة للتطبيق وتستخدم فقط في المناسبات القومية والدولية؟ القضية محسومة.. إذا كانت المرأة في وضع متخلف فهذا مجتمع متخلف, وإذا كانت في وضع متقدم فهذا مجتمع متقدم. ومفهوم العدل الاجتماعي لا معني له إذا لم يحقق العدل للمرأة وتحسين أوضاعها وإيجاد الحلول لمشكلاتها دون عوائق أو تعقيدات. تقرير مكتب شكاوي المرأة في المجلس القومي للمرأة الذي تشرف عليه الدكتورة نجوي الفوال يسجل أن76% من الشكاوي التي تلقاها كانت عن عدم حصول المرأة علي نفقتها الزوجية ونفقة أطفالها الصغار وتعنت الزوج في تنفيذ أحكام القضاء الخاصة بتقرير هذه النفقة, ويلي ذلك الشكوي من صعوبة حصول المرأة علي الطلاق للضرر أو الهجر, وازدياد معدلات الطلاق المبكر مما يلقي بأعباء علي المرأة المطلقة ومعظم المطلقات في المرحلة العمرية بين20 و30 سنة وبجانب ذلك هناك الشكاوي الخاصة بحرمان المرأة من الميراث نتيجة العرف السائد في بعض مناطق الصعيد في مصر الذي يجعل الميراث مقصورا علي الذكورلكي يبقي اسم العائلة ولا ينتقل جزء منه إلي أسماء عائلات أخري( عائلات الأزواج وأبنائهم) وكثير من نساء الصعيد لا يجدن وسيلة لإثبات حقهن في الميراث. والغريب أنه نشأ منذ سنوات صندوق باسم صندوق تأمين الأسرة تابع لبنك ناصر, باعتباره الجهة المسئولة عن تنفيذ الأحكام القضائية بالنفقة للمطلقة وأولادها, والمفروض وفقا لقانون إنشاء هذا الصندوق أن يتولي البنك تحصيل المبالغ المحكوم بها علي الزوج دون تحميل المطلقة وأولادها أية مصروفات أو أعباء مالية, لكن البنك لا ينفذ ذلك, وهناك عدة قرارات صادرة من البنك أدت إلي تعقيد إجراءات تنفيذ أحكام النفقة وأحيانا تؤدي إلي عدم صرف النفقة إلي حين استيفاء الشروط المطلوبة وهي شروط تعسفية, مما أدي إلي الإضرار بالمرأة وهي في أشد حالات الاحتياج إلي هذه النفقة لكي تعول نفسها وأبناءها الصغار, هذا بالإضافة إلي تهرب الأزواج المحكوم عليهم بالنفقة وتغيير محال إقاماتهم مما يصعب معه تنفيذ هذه الأحكام. وابتكر بعض الأزواج حيلة جديدة لحرمان المرأة من حقوقها الشرعية بعد الطلاق, وذلك بأن يغرر بها فتوقع علي إيصال أمانة بمبالغ كبيرة دون أن تدري بخطورة ذلك, أو بأن يقوم الزوج بتزوير توقيع الزوجة علي إيصال أمانة ورفع دعوي جنائية ضدها تعرضها لعقوبة الحبس بتهمة خيانة الأمانة وهي تهمة جنائية, واستغلال هذه الدعوي للضغط علي المطلقة للتنازل عن حقوقها مقابل تنازله عن الدعوي, ولا تستطيع المطلقة في أغلب الأحوال السير في إجراءات الدعاوي لإثبات تزوير توقيعها فذلك يكلفها توكيل محام ودفع أتعابه وقد أصبحت أتعاب المحاماة ومصاريف التقاضي فوق قدرة الفقراء ومتوسطي الحال, فلا تجد أمامها إلا التنازل عن حقوقها لكي تخرج من هذا المأزق. الشكاوي التي وصلت إلي المجلس القومي للمرأة أكثرها من نساء في شريحة العمر من30 إلي40 سنة ومن المتزوجات والمطلقات ومعاناتهن في الحصول علي حقوقهن الشرعية والقانونية, وتشير إلي أن المؤسسات الحكومية مسئولة عن حرمان المرأة من حقوقها مثل نقل المرأة العاملة إلي المحافظة التي تعيش فيها أسرتها, والحصول علي الإعانات الخاصة بالمرأة التي تعول والتي تصرف من وزارة التضامن, والحصول علي سكن من مساكن الدولة, أما التحرش أو مشكلة الإيذاء النفسي والمعنوي للمرأة من الرجال( الأب الزوج رئيس العمل والزملاء) فكل منها مشكلة مستعصية, وعدم إنفاق الزوج عليها وعلي أبنائه وسوء معاملته لها والطرد من مسكن الزوجية, وتحيز جهات العمل للرجال والتحايل علي حرمان المرأة من حقوقها. والبطالة بالنسبة للمرأة تأثيرها أكبر من تأثيرها علي الرجال, ومن المشكلات المستجدة مشكلات الزواج العرفي الذي يحرم المرأة من حقوقها الشرعية ويعطي للرجل الفرصة لإنكار نسب الطفل ثمرة هذا الزواج. وحتي محاكم الأسرة التي كان الهدف منها حصول المرأة علي حقوقها بسرعة تحولت هي الأخري إلي عمل روتيني وانتقل إليها مرض بطء التقاضي. وأصبحت مشكلة عدم تنفيذ الأحكام أو صعوبة تنفيذها هي أم المشكلات. الدكتورة نجوي الفوال تشدد علي أهمية إيجاد ثقافة عامة مستمدة من الفهم الصحيح للدين تدعم حقوق المرأة في المجتمع.. وهذا هو بيت القصيد, لأن ثقافة المجتمع المصري تتراجع وتسترجع قيم الماضي ولا تنحاز بدرجة كافية إلي قيم الحاضر والمستقبل.. وهذه مسئولية أطراف عديدة تدعي أنها أدت الواجب والحقيقة أنها اكتفت بالتظاهر بأنها تفعل ذلك.. اكتفت بالكلام بدلا من العمل.. واكتفت بالتقارير بدلا من تغيير الواقع.. والخلاصة أن القافلة تسير ولكن ليس بالسرعة الواجبة.