يصل بنا الحديث حول بعض ما دار في مؤتمر الكونجرس حول مسألة قبول الاختلاف وتعايش الأديان الذي أثار الاهتمام وتناولته وكالات الأنباء بإسهاب.. دعت إلي عقده عوامل منها انعقاد مؤتمر النواب من أصل إفريقي, ومنها مناسبة عيد الفطر, ومنها الاهتمام المتزايد في الولاياتالمتحدة بقضية الوحدة مع تباين الثقافات والاتجاهات السياسية والدينية ذلك التباين والتعدد الذي يعتبرونه أحد مصادر قوتهم وتفوقهم, ويدركون خطورة ما يتعرض له مجتمعهم من تيارات تتسم بالتعصب والعنصرية التي عادت لتطل بوجهها القبيح علي المجتمع الأمريكي. عقد الاجتماع في احدي قاعات مجلس الشيوخ وحضره عدد كبير من أعضاء الكونجرس وموظفيه. بدأ بكلمة من رجل دين مسيحي أعقبه كلمة شيخ إسلامي. بعد ذلك تكلم عدد من النواب والشيوخ منهم سناتور بارو من شيكاجو ثم النائب المسلم كيث أليسون ثم سناتور كاري الذي كان ينافس بوش في انتخابات الرئاسة والذي زار مصر وعاد لواشنطن ليعبر عن قلقه الشديد علي مصر( وكان علي أن أطمئنه أن مصر بخير وهناك حراك دءوب للإصلاح وأننا نسير في الاتجاه الصحيح بالسرعة التي يختارها شعب مصر والأسلوب الذي يناسبه) وتكلم النائب سنايدر من أركنساس ثم تكلمت ديان واتسون نائبة لوس أنجلوس التي تعتبر من أبرز الأعضاء وأكثرهم دعما لمصر. كانت الكلمات تنصب علي أن الولاياتالمتحدة قامت علي التعدد والاختلاف وفتحت أبوابها للمهاجرين من كافة الجنسيات والأجناس والأعراق والأديان وأن التنوع أحد أسباب قوتها.وسمعنا عن القري التي قام أهلها ببناء مسجد لجيرانهم غير المسيحيين حتي يتمكنوا من ممارسة شعائرهم احتراما لحق الفرد أن يكون مختلفا ويظل متساويا. جاء دوري في الحديث عن الإطار القانوني لتعايش الأديان والاحترام المتبادل بينها. أشرت إلي قانون العقوبات المصري الذي يعاقب علي الإساءة لأي عقيدة دينية أو رموزها أو عقيدتها, واقترحت عليهم الاسترشاد بذلك واستصدار قرار من الكونجرس يحمي جميع الأديان بدلا من قرارهم لسنة2004 الذي ينصب علي حماية اليهودية وإسرائيل دون غيرها وعبرت عن الاستياء والرفض لما تتعرض له كلا من المسيحية والإسلام من إساءة وتجريح. كان الحديث بعدي للنائبة شيلا جاكسون من تكساس وهي من أنشط النائبات. وفي مفاجأة سارة- وغير متوقعة- أعلنت شيلا أنها توافق علي الاقتراح الذي طرحته وتعتبره مطلوبا لسد قصور يؤسف له, وأعلنت أنها سوف تتقدم بمشروع بهذا القرار للمجلس. انضم إليها عدد من النواب. علقت النائبة ديان واتسون تقول' نحن نتصور أن علينا توجيه' النصح والإرشاد' لمصر ولكن تبين أن مصر العريقة بها من الكفاءة والخبرة ما نستفيد نحن منه.' ومن المفارقات الجديرة بالذكر أن هذا التعليق يأتي في وقت يحاول فيه اثنان من الشيوخ هما فاين جولد وماكين إصدار قرار يحث مصر علي الإصلاح! وينتقد أسلوب الانتخابات وحالة حقوق الإنسان!! وهم يسعون لإصداره بإصرار يقرب من العناد رغم أن الدبلوماسية المصرية أعلنت رفضها له وعملت الدبلوماسية الشعبية علي تهذيب لغته وتوضيح عدم جدواه بل وآثاره السلبية. وماكين هو الذي خسر الانتخابات الأخيرة أمام أوباما ويقال إنه يشعر بضجر شديد( ولا عجب فالهزيمة يمكن أن تكون مصدرا للقلق والغضب) ويري المراقبون أن محاولة تمرير هذا القرار لا يقصد به الإساءة لمصر بقدر ما يقصد به الإساءة لأوباما وسياساته التي تتعرض لحملة شرسة من الجمهوريين ومن وسائل الإعلام التابعة لهم ولهذا حديث قادم. *** كانت هذه الاستجابة السريعة للاقتراح الذي قدمته وتعليق النائبة واتسون مصدرا للرضاء لكنها كانت أيضا مصدرا لبعض التأمل المشوب بالقلق. كان بين تقديم الاقتراح والموافقة عليه عشر دقائق. عشرة دقائق فقط هي المدة التي مرت بين ما طرحت من اقتراح والقرار بالعمل به. هنا لم يسعني أن أمنع الذاكرة من العودة إلي الوراء عشرين عاما... هي المدة التي مرت ونحن نطرح قضية بناء الكنائس والمطالبة بقانون موحد التي تطورت إلي المطالبة بقرار بديل للوضع الراهن يقوم بتنظيم وتبسيط إجراءات بناء الكنائس... شعرت بالفرق بين10 دقائق وعشرون عاما ولم يتمالك خاطري إلا أن يقول' ذلك الفرق الهائل في الحزم واتخاذ القرار العادل المناسب المطلوب للصالح العام... لعله أحد أسرار الفرق بين عالمنا وعالمهم.' هذا العرض السريع لبعض جلسات مؤتمر الكونجرس وتداعياتها, اختزال غير منصف لتجربة ثرية وفرصة لم نتركها تمر سواء في الاجتماعات والندوات أو في أحاديث جانبية أو لقاءات حوار كان أحيانا ساخنا. تجربة أكدت أمورا كثيرة وأوضحت أخري, منها:_ أن الحاجة ماسة لتواصل مستمر ومكثف مع الكونجرس وأعضائه._ أن مصر وإن كان لها بالكونجرس من يتربصون بها إلا أن الأغلبية من النواب لا تعرف الكثير عنا والإنسان لا يساند ما لا يعرف. إن مصر رغم ما تواجه من مشاكل لديها من الإصلاحات السياسية والاقتصادية والحضارية والإنجازات ما يجب أن تعتز به وتستثمره وهي إنجازات لم يكونوا علي دراية بها وصفها أحد الأعضاء قائلا:' خطوات جريئة في الطريق الصحيح.' واقع آخر لابد أن نستثمره هو مجموعة أعضاء الكونجرس من الأصل الإفريقي هؤلاء حليف قوي يزداد قوة ونفوذا, ويرتبطون بمصر ويحترمونها لأنها' أصل التراث ومهد الأديان' ولأنها الدولة الخالية من التعصب بسبب اللون, ولأنها لم تشارك يوما في موجة بيع العبيد للغرب...الخ ولابد من توطيد الروابط مع هذه المجموعة وغيرها. اقتراح جال بخاطري: لماذا لا نستثمر هذا الاعتزاز الذي يشعرون به وندعوهم لعقد مؤتمرهم القادم علي أرض إفريقية.. في مصر علي وجه التحديد, ألا يكون ذلك من وسائل توطيد الأواصر ودعم التفاهم!!! هذا عن الكونجرس فماذا عن المجتمع الأمريكي وما يموج به من تغيرات وتيارات؟ لماذا يحاربون أوباما؟ ولماذا يطلق علي الحملة الانتخابية حرب الإعلانات؟ وما هي قصة حفلة الشاي؟ وأين مصر من كل هذا؟ والحديث قادم.