في حوار شامل مع الاهرام عن قضايا المنطقة والقرن الافريقي قال الرئيس الاريتري اسياسي افورقي إن حل مشكلة مياه النيل ممكن بالتكنولوجيا الحديثة والتعاون والتكامل الاقتصادي بين دول الحوض وليس بتسييسها لأن المياه تكفي اجيالا بعد اجيال. وأضاف أن أمن البحر الأحمر وخليج عدن مسئولية جميع الدول المطلة عليهما, ولابد أن نتفق علي مفهوم للتعاون بشأنه. وأكد ان الصومال مستنقع ولايمكن لإريتريا ان تدخل في حرب بالوكالة وليس لديه مانع من التعاون مع مصر والسودان والسعودية لتهيئة المناخ للصوماليين ليتجاوزوا محنتهم. ونفي أن تكون هناك مشكلة علي الحدود مع جيبوتي, وطالب من يقول غير ذلك بأن يحدد المشكلة وكيفية حلها. أما عن أزمة السودان فقال إن البحث عن حل لها في الوقت الضائع غير مجد وعلينا الآن أن ندرس العواقب والعمل للحد من اضرارها. كما اتهم امريكا بافتعال أزمة الحدود مع اثيوبيا لتحقيق اغراضها في المنطقة, وكذلك النظام الاثيوبي بتنفيذ اجندة واشنطن للسماح له بالبقاء في الحكم. كما أعرب عن عدم رضاه عن مستوي العلاقات الاقتصادية والتجارية مع مصر وطالب بخطوات جادة لدعمها, ورفض الاتهامات بقمع المعارضة الاريترية وغياب الديمقراطية وقال إن لكل شعب طريقته في الحكم.. وعلي مدي ساعتين دار الحوار: * بداية أرجو أن تعطينا فكرة عن أهم التطورات التي حدثت في الفترة التي اعقبت الاستقلال وحتي الآن فيما يتعلق بالتنمية والوضعين السياسي والاقتصادي؟ { سياستنا منذ الاستقلال وحتي ما قبله, كما نقول نريد بناء أمة اقتصاديا أولا قبل كل شيء, ثم ثقافيا وسياسيا واجتماعيا, وركزنا علي بناء أسس للأمة وقلنا: أن مهمة الحكومة هي بناء ما دمرته الحرب التي استغرقت ثلاثين عاما, وقد انجزنا في مجال الطرق والكهرباء والمياه والمدارس والجامعات والمساكن والخدمات الاجتماعية بما فيها مستشفيات وتعليم واتصالات وزراعة وتوفير الأمن الغذائي للبلد وتصنيع بعض المنتجات, انجزنا الكثير ومازلنا في منتصف الطريق لاكمال المرحلة الأولي من خطة التنمية برغم التدخلات الخارجية. * سيادة الرئيس: قلت أكثر من مرة ان الدستور ينص علي التعددية الحزبية وانكم ملتزمون بتطبيقها, ولكنها مسألة وقت. ألا تري أن هذا الوقت قد طال أكثر من اللازم؟! { بناء أمة طريق طويل جدا, ولايمكن التحدث عن الأمور بهذه السهولة اريتريا دولة صغيرة وحديثة عمرها عقدان او ثلاثة عقود دائما أقول لاتحفروا لنا قوالب نمطية.. لكل شعب طريقته, والحكم علي مرحلة معينة او سنين قليلة والحديث عنها أمر غير واقعي, البناء السياسي يأخذ فترة طويلة ونحتاج الي هدوء وظرف ملائم, واعتقد أننا نسير في الاتجاه الصحيح. * هناك أيضا من اتهم الحكومة بالقاء المطالبين بالاصلاحات الديمقراطية في السجون, واغلاق الصحف الخاصة وحبس صحفييها؟ { ردي علي هذا السؤال هو نفس ردي السابق, فهذا ايضا مما تفتعله هذه المجموعات لمحاولة طرح قضية حقوق الانسان وغيرها لجر شعوب هذه المنطقة الي أزمات وأنفاق لامخرج منها. * إذا انتقلنا إلي القضايا الإقليمية تحالفتم خلال الحرب علي نظام منجستو مع رئيس الوزراء الأثيوبي مليس زيناوي للإطاحة به.. فماذا حدث ليحدث كل هذا العداء بينكم وبين أثيوبيا, وبينكم وبين أمريكا, بما في ذلك حرب1998 علي الحدود؟ { منذ الحرب العالمية الثانية, والشعب الأريتري يطالب بحقه في أن تكون له دولة مستقلة وسيادة, وحرمنا من هذا الحق لاعتبارات جيواستراتجية أمريكية, حاربنا من أجل حريتنا واستقلالنا, وعملنا مع كل القوي السياسية التي كانت تناضل داخل اثيوبيا من أجل حقوقها, وليس النظام الحالي فقط وعملنا سويا لتغيير الخريطة في هذه المنطقة دون تدخلات خارجية, وللأسف الشديد في منتصف ونهاية الثمانينات تم افتعال مشكلة الحدود لخلق أزمات في هذه المنطقة, ونتائج ذلك هو ما شاهدناه خلال12 عاما وتأجيج الوضع في منطقة القرن الافريقي لخدمة أجندات أخري غير أجندات الشعوب, المشكلة الرئيسية هي أن النظام الإثيوبي اختار أن يخدم أجندة أمريكية لخدمة مصالحه الداخلية في أثيوبيا ولكي يبقي في السلطة عليه أن يفتعل مشاكل. * سيادة الرئيس قلت من قبل إن أزمة مياه النيل مفتعلة, وأنها قصد منها الابتزاز.. ما رؤيتكم لحل هذه المشكلة.. كيف يمكن حلها بما يرضي كل الأطراف؟ { أن نعطي هذا الملف لخبراء اقتصاديين وعلماء في التنمية الزراعية والتكنولوجيا, وطلبنا منهم تصورهم حول هذه العملية. ان كمية المياه تكفي لاجيال واجيال واجيال, حتي مع نمو السكان في المنطقة والدول كلها, الحل في بناء اقتصاديات هذه البلدان وادخال تكنولوجيا حديثة وايجاد مناخ للتعاون بين هذه الدول, لقد أصبحت القضية مسيسة بطريقة غير مجدية, منطقة حوض النيل هي منطقة التكامل والتعاون والتعايش لو تصرفنا بعقلانية. * فيما يتعلق بالصومال.. مجلس الامن فرض عليكم عقوبات تعتبرونها ظالمة بتهمة دعمكم للجماعات المتمردة في الصومال.. البعض يري انكم تصفون حساباتكم مع اثيوبيا علي الارض الصومالية ما رأيكم؟ { عام2006 حدث الاجتياح الاثيوبي للصومال, بحجة ان الحكومة الانتقالية الصومالية انذاك طلبت دعما من اثيوبيا لماذا لم يتحدث مجلس الامن في حينها عن التدخل العسكري الاثيوبي دون أي مسوغ قانوني أو قرار من المجلس الذي حظر تدخل الدول المجاورة للصومال وتحديدا اثيوبيا وكينيا وجيبوتي, موقفنا واحد منذ رئاسة عبد القاسم صلاد للحكومة الانتقالية الي الحكم الحالي في مقديشو وهو عدم التدخل.. ان اتهامنا بمساعدة المعارضة المسلحة كله يصب في ان الموقف الدولي كله مسير عبر واشنطن, لتعقيد الامور في الصومال وتمزيقه وايجاد مبرر لذلك من يدخل الي الصومال يعرف انه مستنقع ومن يعتقد الآن ان اريتريا تتدخل في الصومال لتصفية حسابات اقول ان هذا وهم موجود لدي اناس يريدون ايجاد تبريرات او ذرائع لتعقيد الأمور أكثر. * وعدتم القاهرة بالتعاون معها للوصول الي حل ينهي المأساة الإنسانية في الصومال من خلال علاقتكم الجيدة مع المعارضة.. ما الذي حال دون تنفيذ ذلك.. لماذا لم يستخدم كل طرف مالديه من أوراق ضغط وعلاقات جيدة للتوفيق بين الأطراف الصومالية؟ { حسن النوايا وحدها لاتكفي, لابد من وجود استراتيجية وآليات لتنفيذها, وهذا غير موجود, في قضية الصومال وغيرها لابد أن تلعب دول المنطقة والدول ذات التأثير دورا في هذه العملية, لانعتقد أن لدينا عصا سحرية لحل هذه المشاكل.. هناك أطراف محلية وإقليمية تؤثر في المشكلة, أن الصوماليين يجب أن يتركوا لشأنهم, وفي حالة إذا ما احتاجوا لمساعدة خارجية يجب أن توفر لهم دول الإقليم المناخ. * إذا تجدد العرض من جديد؟ { أقول انه لم تضع الفرصة من يدنا وليس هناك داع للندم أو للقول اننا فشلنا, فالقضية مازالت موجودة وتعقيداتها تزيد كل يوم. * إذا انتقلنا الي النزاع مع جيبوتي حول منطقة دميرة.. الي أين وصل الأمر؟ { هذا خيار جيبوتي,, وأحب أن أؤكد أنه ليس هناك مشكلة, الطرف الذي يقول أن هناك مشكلة في الحدود عليه أن يحددها لنا, ومنذ أن بدأت الحكومة الجيبوتية الاتصال بدولة قطر في نهاية أبريل2008 ظللنا نسأل وحتي يومنا هذا ماهي المشكلة, طبعا هذه الأمور والمبادرات الجيبوتية بإشراك أمير دولة قطر في هذه المسألة كانت مبادرة إيجابية, والإيجابي أن جيبوتي وإريتريا اتفقتا علي أن دولة قطر تتولي هذه العملية كشريك للطرفين, ومن ثم تحاول أن توجد حلا لهذا التباين إذا كان موجودا من خلال عمل مهني. * إذا أنتقلنا لأمن البحر الأحمر كان لسيادتكم تصور معين لتأمين البحر الأحمر من جانب الدول المطلة عليه دون أي تدخلات خارجية.. هل نطلع علي وجهة نظركم؟ { أمن البحر الأحمر وخليج عدن هو أمن كل البلدان ولا يقتصر علي دولة واحدة, الدولة القادرة يجب أن تتفق علي استراتيجية ومفهوم التعاون ثم تخلق آليات وخطة, والحديث عن حسن نوايا لا يكفي, هذه الأمور تتعقد كل يوم وتأجيل الحلول لا يستفيد منه أحد في هذه المنطقة, ممكن تستفيد منه أطراف لها مصلحة في تعقيد الأمور, والأن وجب أن نتحدث في هذا الموضوع مجددا. * لماذا لا يضع كل طرف تصوره لهذا ويتم مناقشته علي مائدة مفاوضات؟ { أنا أتفق معك وأقول هذا أسلوب ناجح, والآن الأساطيل الأجنبية الموجودة في هذه المياه لم تعد ناجحة لا حميت من القرصنة ولا أمنت هذا الممر المائي الدولي يجب أن نقوم بالدور المطلوب منا كدول موجودة في الإقليم إمكاناتنا قد تكون متواضعة, ولكن نقدر نساعد, كيف ستكون هذه المساهمة.. يمكن أن يدرس ذلك خبراء, ولا تكون مسيسة وإنما مبنية علي تقييم صحيح علمي موضوعي, ثم بعدها تأتي المؤسسات الحكومية لاعتماد المقترحات الجيدة. * إذا انتقلنا إلي قضية السودان.. نجحت إريتريا في حل مشكلة شرق السودان وساهمت في حل مشكلة الجنوب وحاولتم حل مشكلة دارفور مع آخرين ومنفردين, ومع ذلك لم تنجحوا في حلها اتفاق سلام الجنوب تعثر كثيرا ولم تنفذ بعض بنوده.. أليس دوركم الآن في حل ما تبقي من مشكلات؟ { قد لا يكون الحديث الآن مجزيا, في الوقت الضائع, لكن المشكلة تكمن في اتفاقية نيفاشا أولا, والمبادئ التي اعتمدت لصياغتها مع المحاذير التي كانت موجودة, لكن القضية في نهاية المطاف هي لصاحب البيت, ولا يمكن إلا أن تحترم خيارات صاحب البيت رغم نقدنا وملاحظاتنا علي بعض البنود مرورا بهذه الاتفاقية, وأقول الآن المحاولة لإيجاد حلول في الوقت الضائع لن تكون مجدية, الوقت الضائع لا يسمح لنا بمراجعة أوراقنا وحساباتنا حولها, إذن سأتعامل مع الأمر الواقع, الذي هو نتاج لإخفاقات وأخطاء في المعالجات, ستكون هناك عواقب لهذه المسألة, والشئ الذي يجب أن يدرس الآن هو ما هي العواقب * وما هي العواقب التي تتوقعها؟ { العواقب ستكون وخيمة جدا. * من يساعد في تشخيص العواقب المتوقعة.. ألا يحتاج الي تعاون مصري اريتري سوداني؟ { لقد أصبحنا خارج الملعب, ليس بإرادتنا, ان القوي الأساسية والمؤثرة هي أولا القوي المحلية الشريكة وغير الشريكة داخل السودان, ثم قوي خارجية لها أجندات في هذه المنطقة وعندما نتحدث عن العواقب, فهي ليست بمعزل عن الاستراتيجيات القادمة من خارج السودان, إذن المعالجة والدور يكون صعبا بالنسبة لدول المنطقة. * وفقا لهذه التوقعات.. هل تتوقع أن يحدث انفراج قريب في أزمة دارفور؟ { لا أتوقع. * إذا انتقلنا إلي العلاقات الثنائية المصرية الإريترية.. هل أنت راض عن مستوي هذه العلاقات, ليس فقط العلاقات السياسية, بل أيضا الاقتصادية والتجارية؟ { غير راض. * زيارة وزراء ومستثمرين مصريين لإريتريا قريبا نتوقع لها نتائج إيجابية.. ماذا أعدت الحكومة الإريترية من مقترحات لهذا التعاون؟.. هل مثلا قوانين الاستثمار في أريتريا تشجع؟ هل هناك ضمانات؟ هل هناك حوافز لرجال الأعمال؟ { مافي جدل حول هذه السياسات لكن أولا وقبل كل شيء يجب ألا تكون هذه الزيارة زيارة مجاملة. أولا أنت تتحدث عن مشاريع جادة ولسنا بصدد طرح مشاريع جديدة لأنها موجودة وقديمة ولابد أن نتناقش حولها مهما كانت التباينات. مافي مانع أن ننجز بشكل عملي ملموس في شراكة اقتصادية استثمارية تجارية بين البلدين كمظلة تسهل لنا التعاون في هذا المجال لأن كل بلد قد تكون عنده سياساته الاستثمارية والاقتصادية والتجارية والتعامل الحر في التجارة والاستثمار هو مبدأنا الأساسي مقتنعين بأن هذا هو الطريق الصحيح للشراكة الاقتصادية الاستثمارية مع أي طرف كان في المنطقة خاصة. * أمازال الصيادون المصريون يؤرقونكم ؟ { هذه من ضمن القضايا التي يجب ان تحل بشكل جاد, بعقل مفتوح وقلب مفتوح ونقول: كيف يمكن ان نرسخ امكانيات متوافرة للمصلحة المشتركة ؟ ما هي احتياجات سوق اريتريا ؟ ما هي احتياجات سوق مصر؟. * نتمني أن تسير الأمور علي مايرام في عام2011. سيادة الرئيس أسياسي أفورقي, شكرا جزيلا علي هذا الحوار الطويل المرهق ونتمني ان يسهم الأهرام بهذا الحديث في تحقيق الاهداف المرجوة للبلدين. { ان شاء الله, واعتقد ان الاهرام ساهم في تقريب وجهات النظر بين البلدين, هناك خبراء موجودون في الاهرام تحدثوا عن كل هذه القضايا وأعدوا تحليلات وأقول الاهرام يمكن تكون وسيلة للتقارب وصنع مناخ ليس فيه مبالغة وآمل ان تخدم هذه المساهمات منطقة القرن الافريقي واريتريا مستعدة لأن تقوم بالواجب وشكرا.