يبدو مهرجان أبوظبي السينمائي الدولي وقد قارب علي نهايته كرحلة عودة كبيرة لمجموعة من الموهوبين. فالتيمة الأساسية التي تجدها بمعظم أفلام مسابقة المهرجان الهامة هي عودة البطل لموطنه الأصلي بعد رحلة طويلة خارجه. ففي سيرك كولومبيا للبوسني دانيس تانوفيتش الذي حصل علي أوسكار فيلم أجنبي عن فيلمه الأول( أرض لا أحد) نتابع بطل الفيلم الذي يعود الي الهرسك بعد عشرين عاما من النفي في ألمانيا كون خلالها ثروة. ويضع كل همه اذلال زوجته الفيلم الكندي( حرائق) لداني فيلنوف الذي حاز جائزة الاخراج بمهرجان كان من قبل.يقدم هو أيضا رحلة عودة للشقيقين التوأم جين وسيمون الي موطن أمهما اللبنانية( نوال مروان) حسب وصيتها بعد موتها في الفيلم اللبناني( شتي يا دني) لبهيج حجيج تطل الحرب الأهلية اللبنانية بشبح ذكرياتها البغيضة حيث يعود رامز المخطوف منذ عشرين عاما لعائلته. وقد جن تماما ولا يوجد فيه أي بقايا لانسان طبيعي لكنه عندما يقع في الحب مع زوجة صحفي زوجها اختطف منذ عشرون عاما يتفجر الأمل بداخله مرة ثانية شيئا فشيئا في حين تحاول زوجة رامز الصمود والحفاظ علي حياة ولديها الشابين.نفس تيمة العودة تجدها في الفيلم الشيلي الرائع( حياة السمك) لماتياس بيزيه الذي يحكي عن أندريه الذي يتجول حول العالم كاتبا عن الأماكن السياحية يقرر العودة فجأة الي موطنه في زيارة قصيرة فيجد كل شيئ وقد تغير. لكنه حضوره كرحالة يفجر الاسئلة ويحرك الماء الراقد في نفوس أهل بلدته.رسائل البحر للمخرج الكبير داوود عبد السيد والمعروض في مسابقة المهرجان هو الاخر رحلة عودة للبطل المتلعثم لشقته بالاسكندرية ليكتشف نداء غامض يعيد له روحه وسط عالم مليئ بالنفاق و التطرف والتشوه النفسي.المغزي المتكرر في افلام العودة تلك هو البحث عن الروح بعدما جرفت المادة البعض واستعادة من يحبوك وسط غربتك أينما كنت ومحاولة محاكمة الماضي والتطهر منه بل واعادة تشكيله. الماضي او البلدة الاصلية او التاريخ الاول للفرد جنة ونار معا. حقيبة ذكريات مغلقة بها الجميل وبها المرير.وعملية استئصال الالم واستعادة الامل نجحت في اغلب تلك الافلام حتي اننا نخال تيمة العودة تلك سحرية. بعيدا عن تحليل الافكار جاءت اجواء المهرجان جادة وحميمية وكان العرب والمصريين أغلبية بمشاركتهم ومعهم العراقيين. لكن أكثر أوقات المهرجان حميمية كانت من خلال اللقاءات مع نجو السينما المصرية الكبيرة يسرا ويحيي الفخراني ولبلبة. درجة تفاعل الحضور مع ثلاثتنا الكبار أعطي للمهرجان روحا حماسيا وحيوية لم تكن تنقصه لكنها أضافت اليه بريقا. وليس هذا تحيزا لنجوما الذين ننتقدهم بمصر لكنهم مازالوا مصابيحا البراقة عند الجمهور العربي.ورغم حضور بعض النجوم الامريكيين ككليف أوين وأدرين برودي فالروح العامة للمهرجان هي روح تشجيع السينما العربية الذي تشعر بحضورها القوي رغم قلة عدد أفلامها المعروضة بكل الأقسام.. ضف الي كل ذلك المبادرات الكثيرة للمهرجان كاصدار نشرة يومية مع الشبكة الاوروبية لسينما الشبان وتخصيص قسم لافلام البيئة التي تضع همها الحفاظ علي كوكب الارض.كل ذلك يزيد من قيمة المهرجان ويجعله نشاط متكامل له رسالة وهدف انساني ولايهدف فقط الي عنصر واحد بعينه. حتي قبل بدأ المهرجان وفي أيامه الاولي كان هناك مؤتمرا عن الصناعة بعنوان ذا سيركل حضره العديد من خبراء صناعة السينما بالعالم والعالم العربي كطارق بن عمار وريمي بورا من أرتيه فرنسا وليالي بدر من أيه أر تي مصرووليد العوضي من الكويت. وناقش الجميع سبل تمويل وتسويق توزيع الفيلم العربي.لعل كل هذا معا هو الذي يصنع خصوصية مهرجان أبو ظبي الذي تطور بسرعة كبيرة. في هذة الدورة الرابعة.