من المؤكد أن المنتخب الوطني لكرة القدم أصبح مشروعا قوميا خالصا بالتفاف الشعب من حوله بكل عناصره وفئاته وطوائفه, ممثلا لنزعة وطنية غالبة علي هذا الالتفاف المحمود. وهو ما اتضح جليا بعدم الانصراف عنه مهما كانت انكساراته سواء بخروجه من الدور الأول لكأس العالم للقارات أو عدم نجاحه في التأهل لنهائيات كأس العالم. وقد بدأت بوادر هذا المشروع القومي منذ بداية عام2006 عندما تصدت مصر بنجاح كبير لتنظيم كأس الأمم الإفريقية كعلامة بارزة في تاريخ تنظيم البطولات في القارة السمراء, ونجح الفريق' القومي' أو المنتخب' الوطني' في الفوز بكأسها وسط ملحمة شعبية لم يتخلف عنها أي من أفراد الشعب المصري بدءا من قياداته وانتهاء بجيل صاعد من الشباب والفتية والصبية ينعمون ويسعدون ويحيون بمعني جديد ومفهوم متجدد للوطنية.. لا فرق بينهم في المستوي المعيشي أو درجة التعليم أو الانتماء السياسي أو الديني. وإذا كان أمر الفوز ببطولة الأمم الإفريقية الجارية أحداثها حاليا في أنجولا ليس محسوما للمنتخب الوطني أو غيره من الفرق الثمانية التي تأهلت إلي الدور الثاني للبطولة, فإن الشعور الوطني المتنامي نحو هذا الفريق لا يبدو انه في حالة انحسار حتي ولو لم يكتب للفريق الفوز في هذه البطولة القوية التي خرج من دورها الأول فرق كانت مرشحة لنيل اللقب, بالإضافة إلي ترشيح الفرق الثمانية المتأهلة وهو ما يعكس قوة بل وقسوة هذه البطولة التي يتنافس علي لقبها ثلاثة أرباع الفرق المشاركة فيها. ولأن هذا هو الحال.. فإنه أصبح من الواجب علينا أن تتغير النظرة إلي المنتخب الوطني لكرة القدم باعتباره مشروعا قوميا, وهو ما يلقي بأعباء جسام علي مجلس إدارة اتحاد كرة القدم المنتخب من جمعية عمومية غير فاعلة وغير قوية وغير مناسبة بكل أسف لتكون قاعدة لهذا المشروع, ويلقي أيضا بأعباء أكثر جسامة علي وزارة الرياضة التي تم اختصارها في مجلس قومي للرياضة ربما لا يقدر بتكوينه الحالي في إبراز اهتمام الدولة والحكومة بهذا المشروع الكبير الذي يحتاج استمراره إلي استثمار بشري ضخم في وضع الخطط اللازمة لتنشئة منتخبات وطنية قادمة علي المنهج نفسه في وقت لا تمثل فيه القاعدة الحقيقية حالة اطمئنان لكل المتابعين علي نحو ما ظهر عليه منتخب الشباب في بطولة العالم الأخيرة التي نظمتها مصر علي أرضها. إن مشروعا بهذا الحجم يتطلب تنقية الأجواء من حوله لضمان نموه بشكل مثالي ليس عن طريق تكميم أفواه المعارضين له أو المنتقدين لبعض سياساته, ولكن بمزيد من الشفافية التي تكشف المفيد من هذه الانتقادات وما هو شخصي الذي يحسه ويستشعره ويتبرأ منه جموع الجماهير الملتفة من حوله. لقد أثبتت التجربة أن أي مشروع مصري يعتمد علي العنصر البشري يحمل في الوقت نفسه كل مقومات النجاح, لأن هذا البلد العريق يأتي العنصر البشري فيه ومنه كأهم مقومات نجاحه وأبرز ثرواته, ولم تنضب أرضه يوما في ولادة المجيدين والمجتهدين والنابغين مهما كانت الظروف وأيا كانت تداعيات الأحداث من حوله, فقط إذا حسنت النوايا وفتحت المجالات بعيدا عن الشخصنة والمصالح الخاصة التي لايزال البعض للأسف الشديد مراهنا عليها بكل جبروت لحسابات قد تكون أضيق بكثير من ألأهداف والأحلام العامة. إن الملاعب المصرية التي كشفت يوما في لحظة صدق عن أبو تريكة وبركات وزكي وغيرهم لقادرة علي أن تكشف عن المزيد في لحظة إبداع أخري عن مواهب أخري كجدو ورؤوف وحمدي.. والملاعب التي احتوت فورة شباب متحمس كميدو وزيدان لقادرة علي أن تطوع هذا الحماس لمصلحتها ومصلحة مشروعها.. والملاعب التي أنجبت جيلا من الملتزمين بإمكانها أن تحول هذا الإلتزام والجدية إلي خصائص عامة للمواطن المصري في أي عمل يتصدي له. ولا عجب الآن من أن الضربة المقبلة إلينا من بعيد ويجب ان نصدي لها بكل قوة هي محاولة إصابة هذا الالتزام والجدية والإخلاص في العمل, خاصة في أجيال مصر الصاعدة عن طريق اعتبار هذا الالتزام وهذه الجدية وذلك الإخلاص تميزا علي أساس الدين, برغم أن كل الأديان دعت أتباعها إلي هذا الإلتزام وتلك الجدية وذلك الإخلاص, فأنه وعلي ما يبدو أن المطلوب منا وفينا هو القضاء علي أي محاولة للنهوض بالأجيال القادمة علي هذه الأسس الأخلاقية وحب الانتماء والعمل الجاد, وهو أمر يجعلنا أكثر حيطة وحذا, فيما يحاك لنا, وفي كل ما يموج من حولنا في بحر الحياة الهائج, وأن نستقي من هذه الملحمة الشعبية ما يعيننا كأمة واحدة في مواجهة كل التحديات والصعاب التي تواجهنا وما أكثرها علي كل المستويات.