إمبراطورية الأناقة تعاني من حالة اكتئاب نفسي نتيجة الأزمة المالية, التي أصابت العالم منذ سبتمبر2008 وكانت وطأتها شديدة علي بيوت الأزياء الشهيرة في خلال2009 ومن ثم وجود صعوبات ضاربة, وسط منافسة شرسة في الأسواق من جانب مصانع الملابس الجاهزة. وتناولت كاتبة صحفية هي اليزابيث داي تأثيرات الأزمة المالية علي صناعة الموضة في تقرير خاص نشرته مجلة الأوبزرفر البريطانية واستهلته بأزمة بيت الأزياء الفرنسي لاكروا وتشير الي حالة الحزن التي تقترن بذلك في فرنسا وهو ما دعا وزير الصناعة الفرنسية الي القول في أسي أن لاكروا يمثل تألق بلدنا, وليس في قول الوزير أي مبالغة ذلك أن بيوت الأزياء, وصناعة الأناقة منذ انطلاقها في منتصف القرن التاسع عشر صارت مؤشرا علي تقدم هذا البلد أو ذاك, وعنوانا خلابا علي براعة الفنانين ومصممي الأزياء. وهنا تفتح اليزابيث داي كتب تاريخ صناعة الأزياء وتلفت انتباهنا الي أن المصمم البريطاني تشارلز فريديريك وورث قد أحدث ثورة في صناعة الملابس. وراق لي أن أتسلي بالبحث عن تشارلز وورث في موسوعة معارف وتبين لي أنه شد الرحال من بريطانيا الي فرنسا عام1846 وأسس أول شركة في التاريخ لصناعة الملابس الجاهزة كما أسس أول إتيليه في باريس عام1858 وأقام عرضا للأزياء وحقق نجاحا تجاريا وفنيا كبيرا بسبب تصميماته المبتكرة. وأشارت أزياء تشارلز وورث اهتمام الامبراطورة الجميلة أوجيني زوجة نابليون الثالث وتمكنت من تعيينه مصمما للأزياء في البلاط الامبراطوري الفرنسي عام1860 ويقول المؤرخون كان هذا أول تحالف في التاريخ بين مصمم أزياء وامبراطورة جميلة تحظي بنفوذ كبير. وقد شاركت الجميلة أوجيني في حفل افتتاح قناة السويس عام1869 ابان حكم الخديو اسماعيل ومن المؤكد أن ملابسها كانت أنيقة جدا وهنا يتعين الاشارة الي أن باريس صارت ابان حكم نابليون الثالث والجميلة أوجيني عاصمة الأناقة. ومن المرجح أنه منذ ذلك الزمن حرصت باريس علي الاستحواذ علي لقب عاصمة الأناقة وتألقت في ربوعها مصممة الأزياء الشهيرة جابريلا شانيل.. أو كوكو شانيل وصارت علامة مضيئة في سماء الأزياء الفرنسية التي اتسمت بالبساطة والأناقة كما برعت شانيل في ابتكار الاكسسوارات والعطور وأدوات التجميل. وكانت كوكو شانيل قد بدأت انطلاقها نحو النجاح والشهرة في عشرينيات القرن العشرين وأصبحت رمزا فرنسيا.. ولذلك تحتفي بشخصيتها السينما وكان أحدث فيلم عنها في أواخر العام الماضي2009 وقامت ببطولته الممثلة الفرنسية أودري توتو. كوكو شانيل وقد تم عرض فيلم كوكو شانيل, وسط احتدام أزمة إمبراطورية الاناقة التي أسهمت في توسيع نطاقها ولم يعد في وسع أثرياء أوروبا وأمريكا دفع تكلفة الأزياء التي تطرحها بيوت الأزياء الكبري, ومن ثم ركدت مبيعاتها. غير أن مصمم أزياء فرنسي هو جورج رونالد قد أفلت من براثن الأزمة وتمكن من تحقيق أرباح لابأس بها. ذلك أنه اجتذب زبائن مهمين من منطقة الشرق الأوسط كما لجأ الي تخفيض قدره20 في المائة علي انتاجه كما أصبح يسمح بالتقسيط لزبائنه ويقول إنهم يشعرون بالخوف مما يشاهدونه علي شاشات التليفزيون من مظاهر الأزمة المالية. واللافت للانتباه أن رونالد زار منطقة الشرق الأوسط للتعرف بنفسه علي الأجواء التي يعيش فيها زبائنه ويقول لقد ولي وانتهي الزمن الذي كان فيه مصمم الأزياء يجلس في برجه العاجي الجميل, ويشير الي أن في وسعه تمويل مؤسسة لمدة عام من تصميم ثلاث حفلات زواج في الشرق الأوسط. أليس هذا هو الوجه الآخر السري للشرق الأوسط الحافل بالأزمات الملتهبة المزدحمة شوارعه الخلفية بالبؤس والفقر ومظاهر التخلف؟! وهكذا قد تقودنا إمبراطورية الاناقة حين تبوح بأسرارها الي مناطق خطرة. مشكلة الجوع وأيا ما كان الوجه الغاضب والوجه الخفي للشرق الأوسط فإن خبراء امبراطورية الأناقة يعانون من الوجه العابس للأزمة المالية. ويرون أن مؤسسات امبراطوريتهم تتعرض لحالة من التهميش الجاهز التي تنتج مصانعها في الصين والهند انتاجا وفيرا.. ويشير الخبراء الي أنه لم يعد في وسع سيدات كثيرات شراء أزيائهن لأنها باهظة الثمن. ويفضلن الملابس الجاهزة. وكان من أبرز مظاهر أزمة بيوت الأزياء الكبري أنها لم تعد قادرة علي تقديم عروض أزياء وهنا تقول كيتي هورين في جريدة نيويورك تايمز إن عالم الاناقة يحتفي الآن بميشيل أوباما وتشير الي أن دولاب ميشيل حافل بأزياء أنيقة عديدة. وقالت ميشيل في حديث صحفي بعد أن أصبحت السيدة الأمريكية الأولي ان زوجها لايعرف الموضة ودائما مايسألني هل هذا الفستان الذي أرتديه جديدا؟ وتقول مازحة أود أن ارد عليه بقولي: لماذا لاتهتم بشئونك؟ لماذا لاتهتم بالتوصل الي حل لمشكلة الجوع في العالم ودعك من فساتيني؟! ميشيل إن ما تقوليه ليس مزحة انه قول سديد.