وسط جهود بطولية من رجال القوات المسلحة لإحتواء آثار السيول المدمرة في محافظات مصر, تكشفت حقائق مفزعة عن أسباب الدمار الذي لحق بمدينة العريش. وأظهرت الأزمة المعدن الطيب للشعب المصري فتكاتفت الأسر لإيواء المنكوبين من الأهل والجيران في محافظة أسوان، وغيرها من محافظات الجمهورية المنكوبة. أما أنهار الخير فتدفقت في صورة تبرعات مالية وعينية لمساعدة من فقدوا منازلهم وكل ما يملكون. ولم يمنع هذا من ظهور بعض الطفيليين من هواة التربح واستغلال معاناة الآخرين. الكارثة التي أصابت الكثير من المساكن المجاورة لمنطقة مصب وادي العريش لم تكن لأسباب طبيعية, حيث كان للأفراد دور كبير في صناعتها بسبب المنشآت المقامة في مجري السيل متمثلة في القرية الأوليمبية التي تجاوزت تكلفتها90 مليون جنيه, ويقول المهندس الاستشاري ضياء الدين فهمي: إن المنشآت الخرسانية يقدر عمرها الافتراضي بمائة عام, وهو ما يعني أن متخذي القرار بإنشاء القرية في هذا الموقع افترضوا عدم قدوم السيل لمدة مائة عام, وهو ما يخالف الطبيعة, خاصة أن مجاري السيول تخضع لوزارة الري, ومن غير المنطقي قبول إغلاق مصب الوادي, كما أن تجمع المياه خلف المنشآت أدي إلي خروجها عن المسار الطبيعي, وبدلا من أن تصب في البحر أغرقت المساكن والشاليهات, بخلاف تدمير قاعة الاسكواش بالقرية, والبوابات الرئيسية, وتعرض باقي المباني للهبوط, وحدوث كسر وشروخ بالهياكل الخرسانية للقرية الأوليمبية, كما أن الاستثناءات بالسماح بإقامة مساكن ملاصقة لجسر الوادي يخالف قوانين البناء التي تفرض احترام حرم مجري السيل. ويقول المهندس حسن مصطفي القصاص, أحد الذين اعترضوا منذ سنوات علي إقامة80 محلا تجاريا بمجري وادي العريش: لقد أوصلنا اعتراضنا علي إنشاء هذه المحلات, أو أي منشآت خدمية حيوية مثل محطة الصرف الصحي والكهرباء ملاصقة لمجري الوادي, كما رفضنا استخدام الوادي لإلقاء المخلفات التي مثلت عائقا كبيرا أمام جريان المياه وأدت إلي انهيار أجزاء كبيرة من سد الوادي, كما أغرقت عشرات المنازل بقرية عاطف السادات, وعزبة مليم, وأعاقت جهود الإغاثة نظرا لانشطار المدينة إلي نصفين. أما المهندس الكاشف محمد الكاشف عضو مجلس الشعب السابق فيقول: إنه اعترض بشدة علي إقامة أي منشآت علي مجري الوادي, وهناك مذكرات مختلفة تفيد بذلك, خاصة بالمجالس المحلية, إلا أن المسئولين في ذلك التوقيت تشبثوا بآرائهم ورفضوا الاستماع لأصحاب الخبرة, وها نحن نعاني من الكارثة وكأننا اشترينا مصيبة ب100 مليون جنيه قيمة الإنشاءات بمجري الوادي, ويبقي السؤال: من يحاسب المسئولين عن هذه الكارثة؟