هل يأخذ الناس مايشاهدونه في التليفزيون مأخذ الجد؟.. هذا السؤال حين طرحه القائمون علي الدراسة التي اجريت في امريكا عن تأثير التليفزيون علي المشاهدين.. اكتشفوا حكايات لم تخطر علي بال. ففي أحد المسلسلات التي حققت نجاحا كبيرا.. كانت الاحداث تقتضي زواج اثنين من الشخصيات الرئيسية فيه.. وفي الأيام التالية للحلقة التي ضمت مشهد الزفاف.. تلقت النجمة التي مثلت دور العروس والنجم الذي مثل دور العريس576 هدية من جمهور المشاهدين.. قبل ذلك بفترة ظهرت إحدي السيدات وهي ترتدي ثوب حداد أسود وقالت لمن حولها انها ترتديه حزنا علي موت صديقة عزيزة لديها.. وذلك قبل ان يكتشف الجميع ان هذه الصديقة العزيزة لم تكن إلا احدي الشخصيات التي لقيت مصرعها في احداث مسلسل كانت السيدة تحرص علي متابعته.. إذا اعتبرت عزيزي القارئ ان المشاهدين الذين ارسلوا الهدايا والسيدة التي ارتدت الحداد مجانين أو مضطربون نفسيا لأن عقولهم لم تستطع ان تفرق بين عالم الخيال وعالم الواقع.. فما رأيك فيما قاله عالم النفس الامريكي د. ماكسويل موليز بان95% علي الأقل من الناس في العالم يشعرون بالدونية تجاه مظهرهم وقدراتهم والسبب التليفزيون.. فهم حين يقارنون أنفسهم بأبطال وبطلات مسلسلات الشاشة الصغيرة يحسون بالاحباط.. فالفتاة في سن المراهقة تريد ان تكون جميلة مثل فلانة الممثلة.. والفتي في ربيع العمر يحلم بأن يكون وسيما مثل علان الممثل.. والرجل يريد زوجته رشيقة مثل الممثلات والمطربات.. والمرأة تريد زوجها هيمان مثل أبطال المسلسلات الرومانسية.. وحين تعذبهم المقارنة ينتابهم شعور بالدونية فينطلق بعضهم بهستيريا نحو عمليات التجميل التي شهدت رواجا هائلا في العالم كله في السنوات الأخيرة. وإذا اعتبرت عزيزي القارئ ان التليفزيون برئ من هوس عمليات التجميل لان من يلجأون إليها هم المرفهون الباحثون عن شيء يشغلون به أوقات فراغهم الطويل.. وإذا تجاهلت التقارير التي تشير إلي الملايين التي ينفقها العرب علي تلك العمليات.. فما رأيك فيما يقال من ان التليفزيون يعد أحد الأسباب الرئيسية في زيادة معدلات الجريمة.. فالفرد كما أعلن علماء الاجتماع قد يتحول إلي مجرم إذا عاش لفترة طويلة في وسط اجرامي.. وهذا الوسط بكل خصائصه موجود أمام المرء بعد ان صار التليفزيون بمسلسلاته وافلامه المشبعة بالعنف والفساد احد مكونات البيئة التي يعيش فيها الانسان منذ مولده.. إذا قلت عزيزي القارئ أن الجريمة بكل اشكالها موجودة قبل اختراع التليفزيون وان العنف الذي يشع من أي مسلسل لايقارن بالعنف الموجود في هاملت شكسبير والذي أدي إلي تناثر سبع جثث في المسرحية.. وإذا قلت أيضا ان الاتهامات الموجهة للتليفزيون قد سبق توجيهها إلي السينما.. وإذا اقتنعت بنظرية التنفيس التي صاغها بعض علماء الاجتماع, والتي تؤكد ان العنف علي الشاشة قد يمتص العنف الكامن في أعماق البشر.. فما رأيك في نظرية التحريض التي يري مؤيدوها ان مشاهدة العنف قد تفجر مشاعر العدوان عند بعض الناس.. وما موقفك من التقارير التي تشير إلي ان التليفزيون انعش العيادات النفسية ونشر الأمراض البدنية وحطم العلاقات الزوجية.. ولن اذكرك بالحادث الذي تناقلته وكالات الانباء حين اطلقت السيدة الانجليزية لينيك النار علي زوجها لأنه يريد مشاهدة كرة القدم وهي تريد مشاهدة المسلسل. والآن سندع العلماء يتجادلون.. فأنت متلهف علي مشاهدة برنامجك المفضل.. وأنا أريد متابعة المسلسل!!