إذا كانت قيمة'النص' هي جوهر مايسعي النقد الأدبي للكشف عن معطياته,فإن هناك أبعادا واعتبارات مواكبة تفرض نفسها- بدرجة أو بأخري- بحيث لاتتجلي القيمة الجمالية الكلية للعمل الأدبي إلا من خلال أخذها في الاعتبار.. وبالنسبة لرواية(المقلب)- أحدث أعمال الروائي السكندري المعروف سعيد سالم الصادرة عن المجلس الأعلي للثقافة- فإن أية محاولة لعزلها عن مكوناتها المكانية, سيكون مقضيا عليها بالفشل. إنها رواية عن هذه الأيام الطاحنة المطحونة, التي يتصارع فيها البشر علي كل شيء بما في ذلك مقالب القمامة, إلي حد أن هذا المقلب سيصبح معادلا موضوعيا للمدينة كلها, بل لما هو أكبر من المدينة.. حتي إنه يتحدث_وهو الجماد- عن الليل والاشباح الآدمية الهزيلة.. وإذا بنا أمام رؤية واقعية للمدينة والمهمشين فيها من جامعي القمامة أمثال ناموسة وأورمه وأم الكني والجرنش الذين يجمعون الفراخ الميتة-التي يسمونها الكعم- من الزبالة ثم يغسلونها في الترعة ويدعكونها بالسبرتو الأحمر, ثم توضع في صينية بطاطس بالطماطم والبصل وكثير من البهارات والشطة السوداني, وعند هذه المرحلة تسمي الوجبة'تماخين'.. ومن غير المهمشين أمثال الدكتور طارق الألفي أستاذ الجامعة الانتهازي الذي يتاجر بأبحاث تلاميذه مع الشركات, والسناوي بك رئيس الشركة الغارق في شهوة المال الحرام, وفردوس الوديعة التي هربت الي أمريكا.. والحديث عن(المقلب) لايصلح معه مثل هذا التنويه الموجز علي قدر المساحة المتاحة هنا, فالرواية بنت هذه الأيام من حيث الموضوع ومن حيث الشكل أيضا, ولذا فإن علينا أن نبحث عن تفسيرات لهذه التكوينات اللغوية المبتكرة فيها...كذلك فإن الحديث عن( المقلب) لابد أن يتسع ولو لكلمة موجزة- من خارج النص- عن هذا الكاتب الرائع سعيد سالم الذي يقترب من السبعين الآن, ومع ذلك فهو مازال يتوهج في صدره ذلك الشغب الطازج الذي كتب به رواياته وقصصه اعتبارا من جلامبو-1976- ومرورا ببوابة مورو وآلهة من طين وعاليها واطيها والشرخ والأزمنة وكف مريم وحالة مستعصية والشيء الآخر وأقاصيص من السويد...الخ..أكثر من عشرين كتابا ما بين روايات ومجموعات قصصية, والي جوارها العديد من الكتابات النقدية والدرامية للإذاعة والتليفزيون, وآخرها قيد الطبع الآن عمل عجيب التكوين عن ذكرياته مع نجيب محفوظ في الاسكندرية, بعنوان:'نجيب محفوظ الإنسان'.. يحتاج وحده الي حديث خاص. ان الهدف من هذه الكلمة أن تقول للناس ان لدينا في الاسكندرية روائيين من الطراز الأول, فضلا عن جيش من الشعراء والفنانين, وما أكثر الجديرين بالاعتبار والتقدير أكثر كثيرا مما يلقون, فهل هذا قابل للتحقيق أم أنه أمنية مستحيلة؟..