ما هو سر البضاعة الصيني التي غزت العالم حتي إن حكومات دول كبري أصبحت تصرخ من خطورة هذا الغزو الكبير بعد أن أصبحت تلك البضاعة. بأسعارها الرخيصة وتلبيتها لرغبة المستهلك مثار خطورة كبيرة علي اقتصاديات مختلف دول العالم. الحقيقة أننا لايمكن أن ننكر ذكاء المستثمر الصيني فهو يعرف نقاط ضعف وقوة أي سوق ويعمل علي تلك النقاط ويدرك بسهولة كيف يستحوذ علي أي سوق مهما كانت درجة المنافسة فيها. فالصناعة الصينية تعتمد علي طبيعة السوق التي تدخل إليها بحيث لاتصبح مكونا غريبا بل تتوغل في نسيج الصناعة الوطنية للدولة حتي تصبح مكونا رئيسيا فيه وبعد ذلك شيئا فشيئا تتمكن من السيطرة علي السوق بسعر يصعب منافسته وابتكارات جديدة تجذب أي زبون. هذه هي البضاعة الصيني ولكن الأمر ليس بهذه السهولة فوراء هذه الاستراتيجية منظومة وإستراتيجية ذكية فعلي سبيل المثال الصناعة في الصين تعتمد علي عمالة رخيصة الثمن للغاية حيث أن أجر العامل في الصين أقل بكثير من أجر نظيره الذي يعمل في أوروبا ومناطق أخري من آسيا. والأمر لايتوقف علي ذلك فالصناعة الصينية تعتمد علي وسائل نقل داخلية بدائية رخيصة الثمن. ولاشك أن العاملين السابقين لهما دور كبير للغاية في عدم إضافة أسعار تكلفة كبيرة علي المنتجات الصينية وهنا يظهر المنتج بأسعار لايمكن منافستها فيسيطر علي السوق في أسرع وقت ممكن. والحقيقة أن الصناعة في الصين بدأت في أوائل الخمسينات حيث شهدت مراحل تطور كبيرة وقد شهدت الصناعات البترولية والإليكترونية تطورا سريعا ثم تلت ذلك الصناعات الفضائية والتكنولوجية. ويكفي أن نشير إلي أن معدل نمو الاقتصاد الصيني ظل10% لمدة من1979 وحتي2003 وهي فترة قفزت بالاقتصاد الصيني إلي المقدمة بدرجة كبيرة. وبطبيعة الحال مع استمرار نمو الاقتصاد الصيني تضاعف حجم الإنتاج الصيني من عشرات المرات إلي مئات المرات. كما ظلت كمية إنتاج الصين من الفحم والأسمنت والحديد والصلب والأجهزة التليفزيونية هي الأولي منذ عام1996. وحاليا لا تستطيع الصين إنتاج الطائرات والسفن فحسب بل يمكنها إنتاج الأقمار الصناعية ومعدات الفضاء. ولك أن تتخيل أن إيرادات صناعة البرمجيات في الصين وصلت في الأشهر السبعة الأولي من عام2010 إلي106 مليارات دولار وهو رقم ضخم لايمكن أن يتخيله أحد. ودعونا نتصور أنه منذ عام1982 وحتي عام2002 تضاعف الناتج الإجمالي للفرد في الصين بنسبة خمسة أضعاف وكان في هذا العام لدي الصين61 مليار دولار من الاستثمار الأجنبي المباشر وآخر الإحصاءات القريبة تقول إن حجم تجارة الصين الخارجية يبلغ حاليا851 مليار دولار لتصبح ثالث أكبر دولة في العالم من ناحية التجارة الخارجية. وأمام كل هذا بلغ العجز التجاري الأمريكي مع الصين عام2005 أكثر من200 مليار دولار. وهذا بطبيعة الحال يدعمه نظام اقتصادي صارم يحافظ علي قيمة العملة. وبالنظر بشكل أكثر دقة في أسباب هذا التقدم الاقتصادي الصيني الهائل في الآونة الأخيرة فسنجد أنه أولا يتمثل في استقرار سياسي منذ أمد طويل فالصين لم تدخل حروبا من سنوات طويلة كل هذا جعل مجهود الصين يتوجه بشكل أساسي إلي التقدم الاقتصادي من خلال خطط مدروسة. أما علي المستوي الإداري فقد استطاعت الحكومة الصينية أن تذلل جميع العقبات البيروقراطية في الإدارة من خلال حزمة إصلاحات كبيرة في القطاع الاقتصادي والمالي الأمر الذي ساعد علي نمو الاستثمارات الأجنبية المباشرة. وقد رافق ذلك تعميم استخدام التكنولوجيا في جميع القطاعات في البلاد مع حسن استغلال للموارد البشرية المتاحة وهي هائلة في الصين. ولايمكن أن ننسي ان العامل الصيني لديه دأب غير طبيعي علي العمل فالعامل الصيني يستطيع أن يعمل من12 إلي14 ساعة بشكل يومي لمدة ستة أيام في الأسبوع وهو وقت طويل بالطبع. وهنا لا يمكن أن نغفل أن رجال الأعمال الصينيين لديهم رؤية ذكية لأي سوق. كل هذا أدي إلي أن البضاعة الصيني تقل بنسبة40% عن مثيلتها من أي دولة أخري وهو فارق رهيب. ولابد أيضا أن نشير إلي أن الصين هي الدولة الوحيدة في العالم التي لا يعتبر النمو السكاني فيها عائقا أمام النمو الاقتصادي فالقوي العاملة مصدر قوة للاقتصاد فهي تدعمه ولا تجعله يزحف للوراء. إذن التقدم الصيني لم يأت بمحض الصدفة بل نتاج سياسة مستقرة طويلة الأمد امتدت علي مدار الخمسين عاما الماضية. واتسمت هذه السياسة بأنها تعرف هدفها المتمثل في ضرورة السيطرة علي الأسواق ببضاعة رخيصة تلبي احتياجات الزبون في أي مكان.