بينما يدعو القس تيري جونس راعي كنيسة دوف بجينشفيل فلورايدا إلي إقامة حفل ضخم يوم الحادي عشر من سبتمبر وهو ذكري العدوان علي برجي التجارة بنيويورك. ومقتل أكثر من ثلاثة الاف شخص فيه يقوم وعدد كبير من المدعوين بتمزيق القرآن داعيا هذا اليوم ب( اليوم الدولي لتمزيق القرآن) يقوم الشيخ أبو إسلام احمد عبد الله صاحب( دارالتنوير الإسلامي) بطباعة الكتاب المقدس والتقديم له علي انه كتاب مزور ومحرف من صنع البشر, وانه استغرق في بحثه هذا أربعة أعوام في التنقيب والتدقيق حتي وصل إلي هذه النتيجة ولنا علي هذين الحدثين المتزامنين بعض الملاحظات: أولا: أن التطرف نزعة إنسانية بدائية: ما أبعد الفارق الحضاري بين تيري جونس وأبو إسلام, فالأول يعيش في أكثر الدول تحضرا والثاني يعيش في إحدي دول العالم الثالث, لقد امتلأ تيري جونس بالتعصب وكراهية الاخر رغم انه يعيش في دولة من أعظم دول العالم علما وثقافة وغني, ولقد عشنا طويلا نتحدث عن أن الإرهاب والتطرف وليد الفقر والجهل والتخلف, لكنني لا أجد فارقا بين ما يصنعه تيري وما يقوم به أبو إسلام انه اعتداء علي مقدسات الآخرين, وهذا يثبت ان التطرف لا يتوقف علي زمان أو مكان أو حضارة, انه ارتداد لإنسان العصر إلي البداوة والوحشية قبل بزوغ الحضارات. ثانيا: من يهاجم عقيدة الآخر لايثق في عقيدته هو: من أساسيات مبادئ علم النفس نظرية تدعي نظرية الإسقاط وهذه تتضح في أولئك البشر الذين ينتقدون الآخرين بمناسبة وبغير مناسبة, فهم ينتقدون الدولة والإخوان والصحف والإعلام والتعليم وجيرانهم ورؤسائهم وابائهم وأبنائهم وعادة يكون هؤلاء مملوئين من النقائص والعيوب وأهمها عدم الثقة في النفس وفيما يعتقدون, ومن المعروف أن الداعية الذي لايمتلك القدرة علي تقديم عقيدته للآخرين بشكل مقنع ومؤثر يلجأ إلي الطريق الأسهل وهو مهاجمة الفكر المختلف أمام اتباعه الذين لايعرفون عن هذا الفكر شيئا يذكر, فلا يحاوره احد فضلا عن الشعبية التي يحوزها لذلك تري هذه النوعية من الدعاة يقومون بمهاجمة ونقد مقدسات لآخرين بشكل عنيف وأسلوب شرس, وأنهم يسقطون عجزهم عن تفسير ما لديهم فيهاجمون معتقدات الآخرين, وهذا ما يفعله كثيرون من رجال الدين المسيحي والإسلامي علي الفضائيات, فبدلا من تقديم إسلام ومسيحية بصورة جميلة ومنطقية ورائعة للآخرين, يقومون بمهاجمة مقدسات بعضهم البعض وهو ما يتقنونه وما يهربون إليه لأنهم يعلمون من هم روادهم ومستمعوهم, فهم يغازلون نوعية من المستعمين يتسمون بالجهل والسطحية والتعصب ثالثا: هنالك فارق بين الفهم الموضوع والانطباعات: في كل الكتب المقدسة هناك آيات تحض علي الحب والسلام الاجتماعي وقبول الآخر وهناك أيضا آيات تحض علي الدفاع عن النفس والعنف, والنوعية الأخيرة من الآيات تحتاج إلي عمق أكثر لفهمها بطريقة موضعية في إطار التوجه العام للكتاب المقدس المراد تفسيره فلا يوجد كتاب مقدس توجهه العام هو القتل والتدمير والعنف لان الله ليس كذلك كما يعرفه جميع المنتمين إليه, من هنا تعددت التفسيرات والمواقف من الآخر, فتجد من يقوم بتكفير الآخر المختلف ويؤكد ضرورة موته وهناك من يتحدث عن قبول الآخر مهما كانت عقيدته طالما لم يعتد أو يقوم باعمال عنف, وثالث يرفض العنف علي أي وجه, وهذه كلها اجتهادات في التفسير لكن كل تفسير يخرج إلي الناس والعالم من خلال تحرك ما, أو حدث أو أسلوب اتصال معين, وعندما هاجمت مجموعة من الشباب المتطرف برجي التجارة بنيويورك كانوا قد تبنوا تفسيرا معينا للقرآن, هذا التفسير لا يقره معظم المسلمين الذين يؤمنون بالقرآن بدءا من الأزهر إلي المتصوفين مرورا بكل مسلم لا يؤمن بالعنف, وكل هؤلاء يقدسون القرآن, وبدلا من أن يحاول القس تيري جونس أن يتفهم موقف الأغلبية من المسلمين يقوم بدعوة لاليوم العالمي لتمزيق القرآن وهو لا يعلم انه قام بتعميم ما رآه في11 سبتمبر علي جميع المسلمين هذا فهم انطباعي سطحي بدلا من التفكير الموضوعي والمنطقي, وبذلك يسيء إلي ملايين من المسلمين, وهو ما فعله أبو إسلام احمد فمليارات المسيحيين يؤمنون بالكتاب المقدس في العالم كله, وهم لاينتظرون رأي أبو إسلام في كتابهم ليعيدوا النظر فيه, وان كان أبو إسلام قد تأثر من البعض في الفضائيات الذين ينتقدون القرآن بعنف وقام بتعميم هذه النظرة علي كل المسيحيين واعتبر أن الكتاب المقدس مزور وبالتالي كل من يؤمن به غير قادر علي الفهم وعليه أن يتعلم من أبو إسلام, فهو هنا يقوم بعملية تعميم انطباعية دون فهم موضوعي وتفكير علمي وهكذا يصبح العالم ضحية لجماعة تدعي العلم والأكاديمية والقدرة علي التفسير وهم أبعد ما يكونون عن هذا. رابعا: من يتصدي للدعوة الدينية عليه أن يطبق قيمها وآدابها: بلا شك الدعوة الدينية لها قيم أخلاقية يجب علي كل من يتصدي لها أن يطبقها في حياته وأول هذه القيم هي احترام اختيارات الآخرين لكم دينكم ولي دين وجادلهم بالتي هي أحسنومن الكتاب المقدس ليكن كلامكم مملح بملح لكي يعطي نعم للسامعين المحبة تتأتي وترفق المحبة لاتقيح ولاتحتد ولاتظن السوء المحبة لا تتفاخر ولا تنتفخ, وتحتمل كل شيء, وتصدق كل شيء وتصبر علي كل شيء. هذه هي قيم الدعوة الدينية, احترام إيمان الآخر ومقدساته ولا أقوم بتفسير كتابه المقدس له لكني أقدم تفسيري لكتابي واستمع بكل احترام لتفسير كتابه منه أن جميع الأنبياء والرسل كانوا علي خلق عظيم ولم يهاجموا مقدسات الآخرين بل احترموها وأجلوها وعندما قام نصاري نجران بزيارة الرسول سمح لهم بإقامة عبادتهم في المسجد ولم يترك المسجد ويخرج اثناء ممارساتهم الدينية, ولقد كان السيد المسيح وتلاميذه يذهبون إلي الهيكل اليهودي ويتعبدون فيه بكل احترام رغم موقفهم الواضح منه فاحترام مقدسات الآخرين لا ينقص من عقيدتي وفهمي لذاتي والآخر بل يضيف إلي الكثير ويثريني, وهذه قيم وآداب الدعوة الدينية. خامسا: خطورة الوقوف علي الكوبري الخطأ: في حرب1973 قام قائد كتيبة دفاع جوي بتسليم اثنين من جنوده عربة مدفع وخريطة ووضع علامة علي كوبري في الخريطة قائلا لهما توجها إلي ذلك الكوبري وانصبا المدفع وقاتلا بشراسة, تحرك الجنديان لكنهما اخطآ الطريق ثم وجدا كوبري ظناه الكوبري المشار إليه, توقفا ونصبا المدفع عليه, أرسل القائد في آثرهما الاطعمة الخاصة بهما لكن القائمين علي هذا العمل لم يجداهما علي الكوبري الذي كانا من المفروض أن يقفا عليه فابلغوا القائد أن الجنديين قد هربا من الميدان في الوقت الذي فيه ظن الجنديان أن كتيبتهما قد دمرت لذلك لم يصلهما الطعام, لكنهما قررا رفض التحرك من علي الكوبري وظلا يعانيان الجوع العطش لمدة خمسة أيام حبا للوطن وفداء له ومن حسن الحظ وجدتهما طائرة هليكوبتر كانت تبحث عنهما وبعد إنقاذهما وعلاجهما تمت محاكمتهما محاكمة عسكرية رغم إخلاصهما الشديد للدرجة التي فيها كانا سوف يلقيان حتفهما بسبب وطنيتهما وانضباطهما العسكري لكن المشكلة إنهما كانا يقفان علي الكوبري الخطأ, إن أولئك: الذين يدافعون عن الله كما يفهمونه هم ويدافعون عن المقدسات التي بين أيديهم بمهاجمة الآخرين المختلفين عنهم في فهمهم لله ولمقدساتهم الخاصة, هم مخصلون جدا لعقيدتهم بحسب تفسيرهم لكنهم بعد فوات الاوان عندما يتركون الحياة الدنيا سوف يكتشفون أنهم كانوا يقفون علي الكوبري الخطأ ذلك لأنهم في طريقهم للدفاع عن الله ومقدساته قتلوا أناسا وآذوا آخرين نفسيا وروحيا وإنسانيا, وحطموا مقدساتهم ومزقوها وهذا ضد طبيعة الله تماما, لقد ظنوا أنهم بذلك يرضون الله ولا يعلمون أن الله غاضب عليهم لأنهم لم يفهموا ويتعاطوا ويسلكوا طبقا لطبيعته فهو اله محب رحمن ورحيم لكل البشر.