غائب وجهك الانيس عن البيت, فكيف احتماؤنا في رحابك؟ لم تعودي هناك, نغرق في حضنك رأسا أحمالها تثقل القلب, ونأوي إلي أمومة صدر فيه للطائفين حولك مأوي, وملاذ من غصة العيش, فيض من الامان جناحان ظليلان من سلام ورحمة. كيف حلت بنا الفجاءة؟ فارتعنا, وكنا نعيش أفراح أمس, فاذا بالصباح يدهمنا, ينقض في لحظة ليسرق هذا الوجه منا, ويطفيء القبس الاسني فنرتد في انهيار وظلمة! قدر أن نعيش فيك النقيضين, وكانا في مأتم بعد عرس, والزغاريد حين تضحي عويلا, والجدار الذي يقوم ويحمينا تهاوي, والموت في داخل البيت تمطي برغمنا, بعد أن أنشب الاظافر والانياب فينا في غفلة. وتجرأ. كانت القرية البعيدة مأواي, ملاذي, ومطهري واقترابي من عالم أنت فيه, فيه كل الذي يهدهد هذا القلب, يؤوي سكينة وصفاء, ويداوي, جراحنا نحن أبناءك مهما تقلبت بهم الدنيا, وداروا مع الحياة, يعودون ظماء, فثم وجهك يروينا, فلا يتم بعد ولا تيه أنت حصن ومرفأ! في الصقيع المميت في قلب موسكو, صورة منك أدفأت غربة ابنك فيها, تتدلي فوق الجدار, ملاكا حارسا, يضفي حنانا ملازما, ملء شوق, نيرانه ليس تهدأ! بعض ماكنت تكتبين إلي ابن آخر, هامشا في رسالة من أبيه, وهو في غربة يقاسي الذي يلقاه أمثاله في رحلة العلم, ويمضي مجاهدا, وفقيرا, يئوده حمل ما يلقاه من شقوة وفقدان ملجأ. كلمات قليلة منك, مكتوبة في ارتعاش سطرت في بساطة, غاليات, كمن تساوي لديه ما سطر في عالم الكتابة, والتزويق, مما يقوله البلغاء, لمسة منك, ربتة فوق أبناء صغار, تعيد للبيت صفوا, وسلاما, وتفيض الرضا, تجعل العيش مبروكا, فهذا قليله يشبع الكل, وهذي خيوطه تجمع الشمل, ويأوي في ظله البسطاء. الغياب الطويل,طال ومازال مريرا, وكل يوم يطول, وخطوي مازال يبحث عن وجه يشدني, ومدار سبحت فيه, وعمر قد فر مني سريعا, ونداء يهزني, كل ما في, فأغدو ذرات حس وتوق, وكيانا مبعثرا, أتمني ينضم من بعد شتات, أعود فيه كما كنت, وأهوي مقبلا كل ما يتبقي في ثري البيت من خطاها, وشعاعا يفيض ملء محياها, وعطرا رضعته في حناياه,ا ونورا أضاءني من رضاها, ودعاء أقلني في سماها, تلك خمسون قد مضت, الصغار الذين كانوا صغارا وخط الشيب رأسهم, والكبار الذين كانوا كبارا, عبروا حاجز الزمان, تساوي العمر فيهم, ولم يزالوا يتامي, الفقد يدميهمو, فلا يملكون ما يستر العين, ويخفي الدموع في لحظة الذكري, كأن الذي قد كان بالأمس قريبا مزلزلا, لم يطامن من هوله الفلك الدوار فينا, ولم يلملم شتاتا, نحن فيه ولم يباعد مزاره! أنا ذا أستعيد صوتك, يأتيني علي القرب ودودا وصافيا, بادي اللهفة, هل أغلق الباب؟ وأقصي هذاالضجيج الذي يعلو حواليك, فاني أراك في حالة الشعر, كمن يرجو ازاحة العبء في لحظة ميلاد كائن سوف يأت,ي وعيناك زاغتا, واصفرار يكسو جبينك, شيء فيك يوحي بقادم ترتجيه. أنا ذا أستعيد صوتك والاوراق حوالي, وعيناي مثلما كانتا زائغتان, واصفرار الجبين باق, وأنت ملء سطوري, باحثا عنك طيلة الوقت في وجه لاختنا الكبري, وفي طيف ارتسام يكسو حفيدتي الصغري وزمان رياك فيه عزائي وسلوتي ويقيني وبكائي إذا بكيت هو المعراج تصعد روحي فيه تهفو لومضة من بهائك. ليت لي فيه قطرة من صفائك!