من الحكمة السياسية ألا تخوض معركة, ليست معركتك, ولكن من الحكمة أيضا, عندما تخوض حربا, فلا تجعل خصمك يفرض عليك زمن ومكان هذه الحرب. عادة ما يتمسك الحزب الوطني الديمقراطي بمواقف واضحة وثابتة تجاه جميع القضايا المطروحة علي الساحة.. وكان للحزب موقف ثابت في عدم الانجرار لسياسة حرق المراحل, وعدم الحديث عن الانتخابات الرئاسية المقبلة إلا في موعده, وبعد الانتهاء من انتخابات مجلسي الشعب والشوري, باعتبار ذلك سابقا لأوانه, وظل الحزب علي موقفه حتي تم إجراء انتخابات الشوري, ولم يعد أمامه إلا انتخابات مجلس الشعب ليستعد بعدها للانتخابات الرئاسية, هكذا كان موقف الحزب, الذي اعتبر المراحل الثلاث عبارة عن سلم يجب صعود درجاته, درجة بعد درجة, وأن الوصول للطابق الثالث لأي بناء يقتضي الصعود علي السلم الذي يبدأ بالطابق الأول ثم المرور علي الطابق الثاني, ولم يستجب الحزب للأصوات التي طالبته بتغيير أجندته الهادئة والدخول في معركة لم يحن أوانها بعد, وذلك بالقفز مباشرة إلي الدور الثالث. ولا أعرف ماذا تغير, حتي يضطر بعض قادة الحزب وأسماء محسوبة عليه, للحديث عن الطابق الثالث, رغم أننا لم نصل بعد للطابق الثاني, ويبدو أن بعض القيادات الحزبية, قد استجاب لضغوط بعض الحركات السياسية والحملات الاعلامية التي طالبت الحزب الوطني بإعلان اسم مرشحه في الانتخابات الرئاسية المقبلة. فصدرت عدة تصريحات, بدت من الوهلة الأولي بها قدر من التباين, فاستغلتها بعض الأقلام, واستندت إليها بعض التحليلات واعتبرتها دليلا علي وجود انقسام داخل الحزب بين ما اسمته بحرس قديم وحرس جديد, وتحركت ماكينة الأماني والاجتهادات لتصور الأمر بأنه صراع بين أجنحة وأسماء ومرشحين, ودلل هؤلاء علي صدق أقوالهم بظهور ملصقات تدعو لترشيح السيد جمال مبارك الأمين العام المساعد وأمين السياسات في الانتخابات الرئاسية المقبلة, وهي ملصقات يقف وراءها ناشطون من غير أعضاء الحزب الوطني. ومن الواضح أن التصريحات التي خرجت من بعض قادة الحزب, حول اسم المرشح القادم للحزب في الانتخابات هي التي دفعت بالسيد صفوت الشريف الأمين العام للحزب لتوضيح الأمر, عندما أكد في تصريحين له خلال أسبوع واحد أن قيادات وقواعد وأمانات الحزب الوطني تجمع علي أن الرئيس حسني مبارك هو المرشح باسم الحزب في الانتخابات الرئاسية المقبلة, وأن القرار يعود للرئيس مبارك نفسه, وأكد الشريف أننا ننتظر قرار الرئيس, فنحن لا نفتئت ولا نجترئ علي حقه ورغبته, كما أن للترشيح الرئاسي داخل الحزب توقيتات وقواعد منظمة, لا يمكن تجاوزها. وقد كانت تصريحات وتأكيدات السيد صفوت الشريف واضحة كل الوضوح, فالرئيس مبارك يتمتع ليس فقط بإجماع الحزب وقياداته وكوادره, بل بتأييد الأغلبية الساحقة للشعب المصري, فمبارك كان لايزال هو صمام الأمن لمصر وشعبها, وهو الذي قاد منذ توليه المسئولية مسيرة البلاد, وبحكم سنوات عطائه الوطني, منذ أن كان ضابطا في صفوف قواتنا المسلحة كمقاتل وطيار في سلاح الطيران وقائد للقوات الجوية في حرب أكتوبر المجيدة, ثم نائبا للرئيس وأمينا عاما للحزب الوطني, ثم رئيسا للجمهورية, لا يمكن مقارنته بأي شخصية سياسية أو حزبية أخري, فقد تحول الرئيس مبارك بحكم هذا العطاء الذي امتد نحو نصف قرن إلي أسطورة وطنية وسياسية وقائد ورمز لهذه الأمة, وقيادة بمثل هذا الحجم لا يمكن أن تتكرر, بتعبير الأمين العام السيد صفوت الشريف. لهذا سوف يحترم ويؤيد المصريون أي قرار يتخذه الرئيس, فإذا ما قرر أن يخوض الانتخابات المقبلة فنحن معه, وفي حال اتخاذ قرار آخر, فهناك قواعد ولوائح حزبية ستحدد طريقة اختيار اسم مرشح الحزب للانتخابات الرئاسية. وحتي الآن لايزال لدينا رئيس منتخب يمارس مهامه الدستورية ولم تنته بعد مدة ولايته الرئاسية, ولم يعلن حتي الآن عن فتح باب الترشيح الذي ينظمه الدستور, فلماذا إذن الحديث والجدل حول اسم المرشح القادم؟ ولماذا الانجرار لمعارك وقضايا لم يحن موعدها؟. اعتقد أن هناك محاولات لإضعاف الحزب الوطني وإظهاره بأنه يعاني من انقسام داخلي يضعف من قوة مرشحيه في الانتخابات البرلمانية المقبلة, والذي لا يعرفه الكثيرون أو يعرفونه أنه لا يوجد ما يسمي بحرس قديم وحرس جديد, ومنذ المؤتمر العام الثامن وتولي صفوت الشريف موقع الأمين العام بترشيح من الرئيس مبارك وتأييد جارف من كل أعضاء المؤتمر العام والشريف يقود تيار الإصلاح داخل الحزب ويدعم بقوة القيادات الشابة داخله, وأنهي خرافة صراع الأجيال والتيارات داخل الحزب, الذي يمتلك إرادة سياسية ويتمتع بالتزام تنظيمي فريد, وكل ذلك جعله قادرا علي إفراز قيادات جديدة قادرة علي تولي وأداء مسئولياتها الحزبية بشكل كامل, وداخل مكتبه السياسي وأمانته العامة وهما يشكلان معا الهيئة العليا له أسماء وقيادات بارزة يمكن أن يدفع بها الحزب لتولي والتصدي لأي مهمة وطنية, فلا مكان إذن للحديث عن صراعات أو حرس من أي نوع, فهدف الجدل واضح وهو محاولة جر الحزب للقفز إلي الدور الثالث لعله يتعثر في الدور الثاني, لهذا يجب ألا تفرض علينا معارك غير معاركنا, وعلينا أن نختار مكانها وزمانها أيضا.