انتخابات النواب، السفارات المصرية في 18 دولة تفتح أبوابها للتصويت بالدوائر الملغاة    تعليم وأوقاف دمياط تنظمان مبادرة "صحح مفاهيمك" لتعزيز الوعي الديني    كفاكم مراوغة، رسالة نارية من سفير مصر في روما للوفد الإثيوبي بشأن سد النهضة    جامعة قنا تنظم ندوة توعوية عن ظاهرة التحرش    اسعار الحديد اليوم الاثنين 8 ديسمبر 2025 فى محافظة المنيا    البورصة تواصل الصعود بمنتصف تعاملات اليوم    رئيس الوزراء: مصر تتوسع في البرامج التي تستهدف تحقيق الأمن الغذائي    محافظ أسوان يوجه بمواصلة التدخلات السريعة للاستجابة لشكاوى المواطنين    كامل الوزير يوجه بإنشاء محطة شحن بضائع بقوص ضمن القطار السريع لخدمة المنطقة الصناعية    وزيرة التنمية المحلية تعلن انطلاق المرحلة الرابعة من المبادرة الرئاسية 100 مليون شجرة بالدقهلية    الرئيس السيسي يؤكد دعم مصر الكامل لسيادة واستقرار ليبيا    الأمم المتحدة تؤكد التزامها بالعمل لإنجاح الفترة الانتقالية في سوريا    وزير الإعلام الكمبودى:مقتل وإصابة 14 مدنيا خلال الاشتباكات الحدودية مع تايلاند    القاهرة الإخبارية: قصف مدفعي إسرائيلي متواصل في المناطق الصفراء شرق قطاع غزة    ألونسو مُهدد بالرحيل عن الريال بعد قمة السيتي.. ومفاضلة بين زيدان وكلوب    القومي لذوي الإعاقة يهنئ بطلات الأولمبياد الخاص المصري لفوزهم بكأس العالم للسلة    محمود جهاد يقود وسط الزمالك في لقاء كهرباء الإسماعيلية    العسقلاني: الأهلي فاوضني قبل الرباط الصليبي.. وهذه قيمة الشرط الجزائي في عقدي    ضبط 620 كجم مواد غذائية منتهية الصلاحية خلال حملات رقابية مكثفة بالبحيرة    الأرصاد تحذر من طقس بارد خلال الساعات القادمة: ارتدوا الملابس الشتوية    وزير الزراعة يكشف موعد افتتاح «حديقة الحيوان» النهائي    القبض على سائق لاتهامه بالاصطدام بآخر في الشرقية    ضبط مدير كيان تعليمي وهمي بالجيزة بتهمة النصب والاحتيال على المواطنين    رئيس الأوبرا يهنئ هند أنور بعد فوزها بالمركز الثالث في مهرجان نسيج الفن بالدوحة    فريق طبي بمستشفى فايد بالإسماعيلية ينقذ مصابا بقطع نافذ بالشريان الفخذي خلال 30 دقيقة    الجوهري: العلاقات بين مصر والصين تمثل نموذجاً راسخاً لشراكة استراتيجية شاملة    «ولنا في الخيال حب» يتصدر المنافسة السينمائية... وعمرو يوسف يحتل المركز الثاني    شيرين دعيبس: كل فلسطيني له قصص عائلية تتعلق بالنكبة وهذا سبب تقديمي ل"اللي باقي منك"    الإفتاء تؤكد جواز اقتناء التماثيل للزينة مالم يُقصد بها العبادة    رئيسة وزراء بريطانيا تؤكد التزام بلادها بدعم أوكرانيا وتؤيد خطة السلام الأمريكية    الصحة تنفي وجود فيروسات جديدة وتؤكد انتظام الوضع الوبائي في مصر    بعد ساعات من التوقف.. إعادة تشغيل الخط الساخن 123 لخدمة الإسعاف بالفيوم    وزارة التعليم: إجراء تحديث على رابط تسجيل استمارة الشهادة الإعدادية    خدمة اجتماعية بني سويف تحتفل باليوم العالمي للتطوع    ضمن مبادرة «صحّح مفاهيمك».. أوقاف الغربية تعقد ندوات علمية بالمدارس حول "نبذ التشاؤم والتحلّي بالتفاؤل"    ملفات إيلون ماسك السوداء… "كتاب جديد" يكشف الوجه الخفي لأخطر رجل في وادي السيليكون    جمهور نيللي كريم يترقب دراما رمضانية مشوقة مع "على قد الحب"    أعضاء المجلس التنفيذي للمنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم "الألكسو" يزورون المتحف المصري الكبير    وزير الثقافة يعلن اختيار شمال سيناء عاصمة للثقافة المصرية 2026    القومي للإعاقة: الذكاء الاصطناعي أحد أدوات تعزيز الشمول والدمج المجتمعي    منتخب مصر بالزي الأبيض أمام الأردن غدا    النيابة تطلب تقرير الصفة التشريحية لجثة سيدة قتلها طليق ابنتها فى الزاوية الحمراء    وزير الصحة يترأس اجتماعا لمتابعة مشروع «النيل» أول مركز محاكاة طبي للتميز في مصر    علاج 2.245 مواطنًا ضمن قافلة طبية بقرية في الشرقية    أسعار اليورانيوم تتفجر.. الطاقة النووية تشعل الأسواق العالمية    خبير تحكيمي عن طرد ثنائي ريال مدريد: لم تؤثر على النتيجة.. ولكن    اعرف شروط الترقية لوظيفة كبير معلمين.. أبرزها قضاء 5 سنوات في ممارسة المهنة    وزير الرياضة: إقالة اتحاد السباحة ممكنة بعد القرارات النهائية للنيابة    عيد ميلاد عبلة كامل.. سيدة التمثيل الهادئ التي لا تغيب عن قلوب المصريين    الدفاع الروسية: إسقاط 67 طائرة مسيرة أوكرانية خلال الليلة الماضية    مواقيت الصلاه اليوم الإثنين 8 ديسمبر 2025 فى المنيا    التريلر الرسمي للموسم الأخير من مسلسل "The Boys"    لاعب الزمالك السابق: خوان بيزيرا «بتاع لقطة»    وزير الإسكان: سنوفر الحل البديل ل الزمالك بشأن أرضه خلال 3-4 شهور    مستشار الرئيس للصحة: نرصد جميع الفيروسات.. وأغلب الحالات إنفلونزا موسمية    متحدث "الأوقاف" يوضح شروط المسابقة العالمية للقرآن الكريم    الأوقاف: المسابقة العالمية للقرآن الكريم تشمل فهم المعاني وتفسير الآيات    «صحح مفاهيمك».. أوقاف الوادي الجديد تنظم ندوة بالمدارس حول احترام كبار السن    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الأحوال المتردية لبيت المعرفة العربي‏(2)‏
نشر في الأهرام اليومي يوم 26 - 08 - 2010

لقد اجتهدنا في مقالنا السابق بطرح تصور لدعائم تأسيس بيت المعرفة العربي متجسدة في ثلاثية من الموارد الأساسية‏.‏ أولها منظومة تعليمية تتيح فرص التعليم الجيد للجميع‏, وثانيها إرساء قواعد البحث الخصيب في مجالات العلوم والتكنولوجيا المختلفة وتوظيف نتائجها‏,‏ وثالثها التجديد والدعم لمقومات الإنتاج الثقافي والإعلامي والفنون والتراث الحضاري وقيم العيش المشترك‏.‏
ويترسخ إنتاج هذه الموارد بتفاعلها في سياق مجتمعي تسود أجواءه تيارات حرية الرأي والتعبير‏,‏ والتمكين لفواعل التعاون والتكافل العربي‏,‏ والإفادة الواعية من منجزات المعرفة العالمية دون عقد أو انغلاق‏.‏ ومن خلال رؤية بصيرة وجهد مثابر يتحقق لنا عبر الزمن رصيد من رأس مال معرفي متراكم يمثل ذخيرة متنامية لقواعد هذا البيت‏,‏ وساعتها سوف يتوافر لدينا قسط متزايد من إمكانات المجتمع المعلم والمجتمع المتعلم‏,‏ أو مجتمع المعرفة‏.‏
ومن تقييم محصلة تلك الدعائم والأجواء الحالية في الأقطار العربية يتضح أننا لم نطرق أبواب مجتمع المعرفة‏,‏ أو أننا في أحسن الأحوال نطرقها بتردد وتناقضات أو جذاذات وترقيعات‏,‏ أو تزييف وادعاءات‏.‏ ويتضح ذلك من مؤشرات كل التقارير القطرية والإقليمية والدولية للتنمية البشرية‏,‏ كما يتضح من التقارير السنوية التي يصدرها معهد التخطيط القومي في مصر‏,‏ أو مايصدره برنامج الأمم المتحدة الإقليمي من تقارير عن التنمية الإنسانية أو من بيانات المنظمة العربية للتعليم والثقافة والعلوم‏,‏ أو من تقرير المعرفة العربي لعام‏2009,‏ أو ما تصدره مكتبة الإسكندرية في مرصد الإصلاح العربي‏.‏
ولايتسع المجال هنا لإيراد عديد من المؤشرات الدالة علي مستوي التدني في موارد المعرفة وأجوائها المجتمعية في عالمنا العربي‏,‏ مع تفاوت محدود في مستويات التدني فيما بينها‏.‏ ففي مجال التعليم مثلا نلحظ أنه في عام‏2007‏ أن معدل التمدرس‏(‏أي نصيب الفئة العمرية من السكان فيما بين‏25‏ سنة فما فوق مما أتيح لهم تعليم منظم خلال سنوات حياتهم‏)‏ لم يتجاوز‏5‏ سنوات بينما يبلغ أكثر من‏7‏ سنوات في كوريا الجنوبية والأرجنتين وإسرائيل‏.‏ ويتجاوز هذا المعدل ليصل إلي ما بين‏8‏ 9,5‏ سنة في الدول المتقدمة‏(‏ الحد المعياري الأقصي‏10‏ سنوات‏).‏ ثم إن معدل الحاصلين علي تعليم عال في قوة العمل العربية لايتجاوز‏11%,‏ بينما البقية لاتحظي إلا بتعليم متوسط أو أساسي‏.‏ أضف إلي ذلك نحو‏27%‏ من الأميين الذين يبلغ عددهم في تلك السنة نحو‏(60‏ مليونا‏).‏
وفي هذا الصدد يؤكد عالمنا الجيولوجي الجليل د‏.‏فاروق الباز بأننا لو سعينا إلي مقارنة أنفسنا مع معظم الأقطار في العالم‏(‏ سنجد أن نصيبنا من العلم والمعرفة قد أنحسر بدرجة خطيرة‏.‏ كل فرد في الدول التي تقدمت يقرأ مالايقل عن عشرين كتابا في العام الواحد‏,‏ أما في العالم العربي فإن كل‏80‏ شخصا يقرأون كتابا واحدا كل عام‏).‏ ويعلق علي ذلك بقوله‏(‏إن أمة اقرأ لاتقرأ‏)‏ إشارة إلي أول أية نزلت في قرآن رب العالمين‏.‏ ومع هذه الصورة البائسة من تدني أوضاع التعليم والتثقيف يصبح الحديث عن التجويد والتجديد والإبداع وتأسيس لمقومات الديمقراطية مجرد أضغاث أحلام‏,‏ أو تزييف للوعي الجماهيري‏.‏
أما عن دعامة البحث العلمي واقتحام مختلف مجالاته العلمية والتكنولوجية والاجتماعية وما بينها من تشابكات‏,‏ فإن واقعه أكثر إحباطا من حيث ما يستحقه من أولوية‏,‏ أو ما يتمخض عنه من انجاز وتوظيف في مجالات الإنتاج الاقتصادي أو الخدمي‏.‏ وتكفي الإشارة للدلالة علي فقر إمكانات البحث العلمي تلك القلة القليلة من براءات الاختراع المسجلة باسم جامعاتنا ومؤسساتنا البحثية‏.‏ ويعزي ذلك إلي ضآلة مايتاح لها من موارد منسوبة إلي الناتج المحلي الإجمالي التي لم تتجاوز‏0,6%‏ في أحسن التقديرات والسنوات‏,‏ بينما تصل إلي ما بين‏2%‏ 4%‏ في كثير من الدول النامية في آسيا وأمريكا اللاتينية‏,‏ ولا داعي لمقارنة مع الدول المتقدمة‏.‏
ولن يتسع المجال هنا إلي بيان أحوال الأجواء الثقافية والمجتمعية المتفاعلة والمهيئة لتأسيس بيت المعرفة العربي بخاصة من ظروف آفاق الحرية والتجديد في مختلف عناصر بنيته الأخري المتمثلة في بيروقراطية خانقة‏,‏ وفي طرق التعلم والتثقيف التي تؤثر تخدير الألفة‏,‏ ومن حيث إذعانها لما يفرض عليها من قيود السلطة وتوجهاتها‏,‏ دون هضم أو نقد أو تطوير‏.‏ أضف إلي ذلك ما تتعرض له اللغة العربية خامة التفكير والتعبير من تدهور وانكماش في تنافسها مع طغيان اللغات الأجنبية في مجالات التعليم والثقافة وسوق العمل‏.‏
والحاصل إن قضايا الثقافة والإعلام والفنون وقيم المواطنة والتراث تعج بالإضطراب والخلل والمتناقضات بين توجهات الأصالة والمعاصرة‏,‏ وبين الإبداع والإتباع‏,‏ وبين المطلق والنسبي‏,‏ وبين الثراء الفاحش والفقر المدقع‏,‏ وبين ضرورات العيش المشترك والتفكيك والتوترات علي أساس العصبيات القبلية والطائفية‏,‏ وبين شيوع قناعات تديين السياسة والدولة المدنية‏.‏ وعلي المستوي العربي يشيع اضطراب العلاقات والمصالح والنفوذ القطري في مواجهة القضايا القومية‏.‏ هذا إلي جانب المفارقات المحزنة في مواقفها من الثقافات الأخري‏.‏ ولهذه الأجواء العكرة والمعتمة آثارها المدمرة في محاولات تأسيس بيت المعرفة العربي‏,‏ أهم موارد الاستثمار في تنمية شاملة مستدامة‏.‏
أما بعد‏:‏
ذلكم عرض مختصر لأهم مفاهيم وتوجهات بناء بيت المعرفة العربي‏,‏ وأكثر مؤشرات تدنيه وجموده خطورة‏.‏ وأحسب أننا قد استنفدنا مناسبات التشاؤم واليأس‏,‏ وعلينا أن نتفادي وقوع الكارثة من خلال تعبئة قطرية وعربية شاملة لإيقاف التدني والتردي في مقومات ذلك البيت الذي يعتبر تأسيسه فرض عين لبقائنا ونمائنا في عالم اليوم والغد‏.‏ وكفانا من العمل المنفرد قطريا أو جزئيا قطاعيا لايمسك بالواقع في تعقده‏,‏ مستسلمين في أمورنا لجهود مسئولين يغني كل منهم علي ليلاه‏.‏ لامفر إذن من رؤية عربية شاملة ومنظور استراتيجي تتحدد فيه القبلة ومسارات الطريق الرشيد المشترك تحقيقا لمجتمع عربي أكمل وأعلم‏.‏ ونأمل في هذا الصدد أن يتحقق مشروع انعقاد قمة ثقافية عربية خلال هذا العام لتكون بداية طيبة في متابعة استكمال طموحاتنا الملحة في تأسيس بيت المعرفة العربي‏.‏

المزيد من مقالات حامد عمار


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.