بدأ شهر رمضان للعام الهجري1431, وبدأ معه سيل المسلسلات, والبرامج مثل كل عام, التي باتت تثقل الجمهور أكثر من كونها ترفه عنه, فالكم كبير جدا, ويزداد عاما بعد عام مع تكاثر الفضائيات التي يبث إرسال بعضها في شهر رمضان فقط, وأصبح هذا الكم الكبير من المسلسلات والبرامج, يشتت الجمهور, ويزيد هذا التشتيت عاما بعد عام, وكثيرا ما تظلم الأعمال الجيدة في هذا الشهر تحديدا نتيجة لهذا الزحام الذي غالبا ما يكون الكم الأكبر منه لا شيء. وفي كل عام تتناثر الأخبار حول أجور الفنانين, وميزانيات الأعمال الدرامية, والتي وصلت في رمضان لهذا العام2010 2011 إلي مبلغ يتراوح ما بين750 مليون جنيه ومليار جنيه طبقا لما ذكرته الجرائد الرسمية في مصر, هذا بخلاف ميزانية إنتاج البرامج التي يقدمها بعض الفنانين, والإعلاميين الكبار, والتي خصص لها بالتأكيد ملايين أخري. وبالطبع فهذه الملايين والمليارات التي تنفقها مؤسسات الدولة علي مسلسلات وبرامج رمضان تثير استفزاز فئة كبيرة من الشعب, وتحفظ الفئة الأخري منه, فالبرغم من قيمة الفنون الكبيرة في حياتنا خاصة تلك الأعمال التي يتوافر فيها الهدف والتوجه الثقافي الواضح ولعل أبرز منتج فني توافرت فيه هذه السمات في هذا الرمضان مسلسل الجماعة إلا أن هناك جهات أخري في الدولة تستحق جزءا من هذه الملايين التي تنفق في مسلسلات وبرامج رمضان, التي ينتج الكم الأكبر منها بهدف الترفيه فقط عن المشاهد. فهذه الملايين التي تنفق في أعمال بات معظمها مستهلكا يمكن أن تستغل في أشياء أكثر تأثيرا في المجتمع, بل وتسهم في تقدمه مثل: رفع أجور أساتذة الجامعة, الذين يتقاضون مع وزارتهم منذ عدة سنوات لرفع مرتباتهم لمواكبة الغلاء المستفحل من ناحية, والحفاظ علي الحد الأدني من الهيئة العامة لأستاذ الجامعة والمتمثلة في الجوانب الشكلية, والجوانب الثقافية. هذه الملايين التي تنفق في أعمال فنية ترفيهية, يمكن توفير جزء منها للنهوض بميزانية البحث العلمي في مصر, بدلا من تسرب الباحثين المتميزين إلي دول أخري تستفيد من إنجازاتهم العلمية, وتطبيق ما ينجح من نتائج تلك الأبحاث في بلادنا دون اللجوء لمؤسسات دولية تشتري براءات الاختراعات وتعود لتصديرها لنا مرة أخري. وربما يبرر البعض صرف هذه الميزانيات الكبيرة علي الأعمال الفنية في شهر رمضان بأنها تعود بالربح علي الهيئة القومية لاتحاد الإذاعة والتليفزيون, من خلال العائد المادي للإعلانات التي تتخلل هذه الأعمال, ولكن ما ذكرته بعض المصادر الإعلامية الموثوق فيها ومنها ما كتبه الأستاذ صلاح منتصر في عموده اليومي مجرد رأي بجريدة الأهرام منذ بضعة أسابيع, بأن القرار الجمهوري رقم72 لسنة2010 في شأن موازنة الهيئة القومية لاتحاد الإذاعة والتليفزيون للسنة المالية2011/2010 جاء في المادة الأولي: أن جملة موازنة الهيئة6 مليارات و801 مليون و440 ألف جنيه, وأن خسارة السنة المالية تقدر بمليار و745 مليون جنيه, ويدخل ضمن الإيرادات نصف مليار مساهمات من الخزانة العامة, ومليار و135 مليونا و970 ألف جنيه قروضا من بنك الاستثمار القومي. وهذا يعني أن الهيئة القومية لاتحاد الإذاعة والتليفزيون تخسر ما يقرب من نصف ميزانيتها للسنة المالية الواحدة, فلماذا إذن كل هذا الكم من الأعمال الدرامية؟ وعلي أي أساس يبالغ الممثلون والممثلات في أجورهم والتي وصلت في هذا العام إلي سبعة ملايين جنيه لأحدهم بالرغم من تقدمه الواضح في السن إذا كان عائد الإعلانات التي تتخلل مسلسلاتهم, وبيعها لقنوات أخري لا يحقق ربحا ماديا يغطي خسائر الهيئة؟ وعلي أي أساس يتقاضي رؤساء القطاعات في اتحاد الإذاعة والتليفزيون مرتبات شهرية مبالغا فيها تبدأ من عشرات الآلاف وتصل أحيانا إلي المئات منها. وإذا كان ممثلو وممثلات ومؤلفو الفيديو بأجورهم الخالية لا يحققون الربح المادي المنتظر لاتحاد الإذاعة والتليفزيون, فلماذا لا يتم توفير جزء من ميزانية الهيئة القومية لاتحاد الإذاعة والتليفزيون واستغلالها في رفع أجور ممثلي وممثلات وكتاب المسرح مثلا, هذه الفئة من الفنانين المهدورة حقوقهم, بحجة أن مسرح الدولة لا يحقق ربحا لأنه لا تتخلله الإعلانات, ولا يتم تصويره وتسويقه لدول أخري, إذا كان ذلك هو حال مسلسلات وبرامج اتحاد الإذاعة والتليفزيون الذي ينفق عليها الملايين ولا تحقق الربح المادي المنتظر. إن ما نشاهده من أعمال فنية في شهر رمضان كل عام, يؤدي إلي حسرة البشر علي أنفسهم لدرجة قد تصل للموت أحيانا, حسرة أستاذ الجامعة الذي أفني سنوات عمره في درب العلم ولا يجد عائدا ماديا يتناسب مع جهده ويقيه شر السؤال, حسرة الباحث العلمي الذي يقضي أكثر من نصف عمره في المعامل والمختبرات, ولا يجد ما يعينه ماديا علي شراء مستلزمات بحثه العلمي, حسرة ممثلي وكتاب المسرح أبو الفنون علي ما يتقاضونه من أجور زهيدة جدا لا تغطي حتي فترات البروفات الطويلة للعمل المسرحي, وفي النهاية نحن نطالب أولي الأمر بالنظر في اعادة توزيع الأجور للجميع, لمن يأخذ ملايين ومئات الالوف من الجنيهات ومن يأخذ المئات منه, وتقييم البشر بقدرتهم علي العطاء لهذا الوطن وليس بقدرتهم علي الأخذ منه علي حساب الآخرين.