أعتذر ولا أملك إلا الاعتذار في زمن داسوا فيه علي التسامح وهتكوا فيه عذرية المحبة وأعلنوا وفاة الفروسية. أعتذر عن هياج البحر, رحت أشكو له قنوطي وإحباطي, فرماني بالصمت وبعضا من أصدافه, حاولت أن أسمع وشوشا فابتلعني صخب الطريق. انكفأت علي وجهي, لأغفو هربا من حاضر مر ومستقبل غامض فلم أستطع, ظللت أنظر الي الحياة بعيون زجاجية مات جفنها فلا ينبض لها رمش لكي أحتفظ بهدوء, أفتقده. أعتذر عن تعديل مواقفي, هذا يا أصدقائي ليس زمن المواقف الثابتة, فلكل زمن مواقفه علي مقاس مصالحه, وأنا كتمت مواقفي الحقيقية بين ضلوعي وكلما غافلتني وتسللت الي شفتي أو سن قلمي, فهما أدوات بوحي.. أخمدت أنفاسها واسترحت, هذا زمن الموجة, والأقنعة والوجوه السبعة وألوان الطيف والضمائر المستعارة, فالشجاعة اسمها تهور, والأمانة اسمها غفلة, والوداعة اسمها جبن, والسماحة ضعف, والحوار فذلكة, والفهم غباء. أعتذر عن النهش في الكلمات واستنباط معان أخري لا علاقة لها بمضمون الحروف ولا خطر ببال المجمع اللغوي حارس لغة الضاد أن الزمن أعطي لها الكلمات مذاقا مختلفا تعافه النفس الأبية. أعتذر للعشاق العشاق, فحدائق الغناء صارت مزروعة صبارا واضطرت الفراشات أن تهاجر, الود أصبح بالأجر ورعشات الأصابع بفاتورة, والعناق بالخناجر الناعمة والرسائل الزرقاء بالموبايل, بساتين الحب صارت جدباء والخصوصية غدت مخترقة وأسهم كيوبيدانكسرت قبل أن ترشق في القلوب في مواسم العصافير. أعتذر عن الغش: المية الملوثة والخضار المسموم والفاكهة المحقونة هرمونات والنهود المنفوخة وعيون العدسات الملونة الصامتة وترقيع الوجوه والجرايد الفضاحة والقنوات المشبوهة, والمجالس المحلية الصامتة والوزارات التي تحرث في البحر, وأبواب المسئولين المفتوحة المغلقة بإحكام والمال العام المهدر, والشاشات الثرثارة بالأمر, والرحمة السياسية بالقتلة, والحناجر المزيفة تحت القبة, وبرلمان الكيف والقروض والقمار وحوش بردق. أعتذر لأسماك القرش, فقد ظهرت أسماك قرش من بشر زماننا أكثر افتراسا وفتكا, اسماك قرش آدمي, بجوارك وخلفك وأمامك, تشعر بالأمن معها, ولكنها تظهر مخالبها اذا اقتربت من مياه مصالحها الإقليمية, لحظتها تقلب القوارب الطافية والسفن العائمة وتكفر بفيروز والشياطين, عضتها موجعة وفي كلامها سم قاتل, أسماك قرش آدمية روجت للأنانية والنفعية والاحتكارية عيني عينك. أعتذر عن الذين لا يفهمون اللعبة عن قصور في الفهم أو يعانون من أنيميا في الخيال فهؤلاء لا يصدقون ما يجري فتصيبهم الدهشة أو السكتات القلبية أو الذبحات الصدرية أو الأورام المختبئة, انها لعبة الأورام المستطرقة الدامية. أعتذر للأطفال اذا دفع الأهل مبالغ باهظة لتعليمهم ولم يحصدوا تعليما, فالمدارس مساحات هائلة وملاعب وتماثيل رخام ع الترعة, بلا خطة.. واذا خططت عادت مكسورة لخطة الوزارة والوزارة في المغارة. أعتذر لشباب الجامعات عن التسطيح, فالأساتذة مشغولون بالانتدابات والمدرسون مشغولون بالترقيات والمعيدون مشغولون بإعداد الرسائل الجامعية والعمداء عيونهم علي الوزارة, لعل وعسي. أعتذر عن ممثلين لم يحصلوا علي تصاريح عمل من نقابة الممثلين ومنتشرين في كل أجهزة الدولة, يبررون الأخطاء بخطب حماسية نحاسية ليبقوا فوق الكراسي حتي ولو كانوا محنطين يقيمون في مدينة( نعم) أبد الدهر. أعتذر عن هجرة عقول مصرية الي الداخل, عقول في المنفي, رافضة كارهة تحلم بتطبيق قانون طواريء علي صدور مسدودة المسام طالها التراب والصدأ وتتنفس حقدا. أعتذر عن اغتيال الطمأنينة في صعيد مصر وكفورها الآمنة, فالقلوب الطيبة صارت صحاري أشواك ملغمة تدين بالعنف ونبذ الرحمة. أعتذر عن ينابيع الصدق التي جفت وزادت ملوحتها وسارت القوارب نحو مرافيء الخيبة حاملة علي ظهرها صراصير محدثة النعمة والسلطة والثروة وصوتها عال, أعلي من دحرجة براميل فارغة. أعتذر عن قبح بعض مفرداتي, فأجمل مفرداتي هربت من القاموس وطاردتها في أروقة الكتابة حتي وجدت بعضها في ركن منزو من محبرة, لكني لست شاعرا وأتصور أن التغيير بتدبيج القصائد لأن الفراشات ليس لها أنياب! والقصيدة ومضة وجدانية, لا أكثر. أعتذر عن الرغبة في الصدام المتحضر لفك طلاسم مجتمع فقد البوصلة والاكتفاء بالصمت والسكوت بينما هو حي في الصدور ينخر فيها كالسوس ويتحول الي( غل) مكتوم وعناقيد كراهية. و..... وأعتذر عن نبرة الحزن التي تكحل سطوري, أعتذر حقا عن بعض راياتي المنكسة, أعتذر عن الحروف المغموسة في ألم عام اختلط بالألم الخاص وذابا. إنني أحاول التحرش... بالأمل.