بقلم: محمود مراد كان الحوار حادا بين مجموعة من المثقفين ومنهم من يشغل منصبا رفيعا.. وكان الموضوع عن مصر واستقرارها وكيف يستمر هذا وتقفز علي طريق التقدم بما يليق بتاريخها الحضاري وموقعها الجيوبوليتيكي وامكانياتها الخفية والظاهرة وفي مقدمتها: العنصر البشري؟ وتطاحنت الاراء نتيجة المتغيرات الدولية الاقليمية التي حدثت في العقدين وانعكاساتها ثقافيا واجتماعيا مما أدي الي انهيار الهرم الاجتماعي ومنظومة القيم الحاكمة بصرف النظر عن الحكم عليها.. وافتقاد وجود البديل, فتسبب هذا في اختلاط وسوء تفسير المفاهيم,.. أيضا وهذا مهم جدا غياب قواعد متفق عليها سلفا.. الأمر الذي ترتب عليه ما نراه ونردده وأخشي القول نجلد به أنفسنا دون أن نعطي أنفسنا فرصة كافية للتأمل والتفكير ومعرفة الأسباب, وينطبق هذا علي انتاجية الفرد والمجتمع كله.. كما وكيفا! كما ينطبق علي سياسات طبقناها ورجمنا المعترضين والمتحفظين عليها بالجهل والانغلاق.. ثم تكشفت أخطاؤها فبدأنا المراجعة والتصويب وانقاذ ما يمكن انقاذه.. والمثال لهذا واضح في الخصخصة. وفيما قيل عن تساقط ثمار الاستثمار وأساليب تحقيق العدالة الاجتماعية وترسيخ الهوية وإذكائها!! ولعلني بعد ذلك أركز علي مثالين يجسدان مشكلتين يؤثران سلبا في الاستقرار ويعوقان بنتائجهما حركة التقدم, وهما: الانضباط في العمل.. وتوفير الغذاء. وبالنسبة للانضباط وهو شديد الارتباط بالانتاج والانتاجية فقد تماوجت المعايير وشحبت وأصبحت المطالبة بالحقوق سابقة علي اداء الواجبات.. ولكن علي الناحية الاخري اختل الهيكل التنظيمي والوظيفي فارتفع البعض دون مبرر الي مناصب أعلي.. وهبطت مكانة أصحاب الكفاءة أو جلسوا علي الرف وتفاوتت الأجور بغير حساب وصارت الأغلبية عصب الانتاج وقاعدته تجد مسافة واسعة بين الدخل المادي وبين تكاليف المعيشة. فما العمل؟ هنا.. ارتفعت أصوات الذين كانوا يتحاورون لكنهم اتفقوا علي ما قاله البعض من واقع خبرة عملية انه ينبغي ان يبدأ كل منا بنفسه ويتحمل نصيبه في استمرار الاستقرار وتقدم مصر وخاصة هؤلاء الذين يتولون مناصب نافذة, فإذا كان مطلوبا من كل فرد يعمل علي أي مستوي ان يحكم الانضباط فيما هو مسئول عنه. وأن يشرك عناصر الصف الثاني ونماذج اخري في مناقشة أوضاع وأهداف القرارات قبل صدورها, فإذا ما حدث هذا في كل قطاع عمل أيا كان فإن المجتمع كله سينصلح ويتحقق المنشود! ومع رجاحة هذا الرأي ووجاهته الا انه يتوقف علي الاشخاص الذين يتولون القيادة من المستوي الأدني الي الأعلي.. وهذا مطلوب بلا شك لكنه لاينفي ضرورة الحاجة الي صياغة استراتيجية لإدارة المجتمع.. تنبع منها منظومة خطط وبرامج تنفيذية ترتكز علي قواعد كما ذكرنا معروفة سلفا ومعلنة... ملزمة التنفيذ بواسطة من يتولون المسئولية فإن أجادوا وأضافوا يتابعون, وإن أساءوا وانحرفوا يتركون المكان لغيرهم. أما.. بالنسبة لقضية الغذاء وتوفيره فإن تلك ضرورة حياتية وإذا كانت مكونات الغذاء عديدة فإن القمح ينتصب بينها اذ نصنع منه رغيف العيش الذي نتعيش به.. وقد كانت نسبة كبيرة من المصريين تصنع الخبز من الذرة لكن لأسباب عديدة والحكومة مسئولة عزفوا عن هذا منذ عقود واتجهوا الي القمح.. ومع اننا نستورد في مصر من60 65% من استهلاكنا إلا ان الحكومة للحسرة ولشديد الأسف لم تهتم بهذا.. وانفردت دون اخذ رأي العلماء وأهل الخبرة والرأي بوضع استراتيجية زراعية عجيبة تركت فيها حرية الزراعة وأهملت المحاصيل الاستراتيجية واعتمدت علي انه يمكن ان نزرع محاصيل لا تمكث في الارض طويلا وتباع بسعر مرتفع سواء في السوق المحلية أو.. عند تصديرها.. ولذلك فإنه عندما حدثت أزمة القمح خلال الاسابيع الماضية.. زاغت العيون و..إمتقعت الوجوه!. ومما يزيد الكمد في النفس أن تلك قضية ليست مستحدثة فإن للقمح معنا قصة درامية مرتبطة بالحرية و.. الاستقلال ومحاولات استخدامه بمنع توريده الينا بهدف تجويعنا! كما اننا وهذا مدعاة للفخر لدينا علماء وخبراء وأهل رأي علي درجة عالية من الكفاءة والابتكار وقراءة المستقبل.. وكمثال فقد أفلح علماؤنا في رفع انتاجية الفدان الي22 اردب قمح. وكمثال اخر فإن دراسات وأبحاث عديدة جرت لزيادة الانتاجية والانتاج. ومنذ شهور قليلة فقط عقدنا ونشرنا ندوة في الأهرام عن القمح أبو الغذاء.. ولم تكن الأولي وإنما سبقتها ندوات أخري علي مدي السنوات الماضية.. وعنها صدرت ونشرنا توصيات عديدة علي صدرها انه يتحتم ان ننتج معظم احتياجاتنا من السلع الاستراتيجية وفي مقدمتها القمح, ومنها أن هناك امكانية لرفع انتاجية الفدان وزيادة حجم الانتاج.. وكذلك تنويع مصادر الاستيراد وفي هذا تحديدا. ومما قيل ومنذ سنوات ايضا انه ينبغي علي مصر توطيد أواصر العلاقة مع السودان الشقيقة ومع الاخوة في دول حوض نهر النيل ان نتفق علي زراعة أراضي فيها.. وكانت الفرصة مهيأة. ولقد كان يمكن زراعة أراضيها بالقمح.. بل أيضا بالذرة البيضاء.. وكذلك الذرة الصفراء) العويجة( التي تدخل في الأعلاف خاصة أعلاف الدواجن ونستورد منها ما يقدر بأكثر من ملياري دولار سنويا.. وبطبيعة الحال.. فإن التكلفة كانت ستكون أقل.. مع ضمان استمرار التدفق إضافة الي اسهامنا في تنمية الدول الشقيقة. والأمثلة متعددة.. وهي تدل علي ان المواطن العالم ومن أهل الخبرة والرأي قد بذل جهده علي طريق مسئولية استمرار الاستقرار والتقدم.. لكن هناك من يقف حائلا ويشكل عقبة! وأذكر هنا: قولا متكررا.. ان مصر دولة كبري غنية وبها عقول نابغة بكل مقياس.. لكن المشكلة ان الأداء لا يستخدم كل الأدوات المتاحة.. وربما لايحب المبدعين!.