لا أدري ما الذي دفعني إلي اتخاذ موقف نهائي بألا أخضع للمجتمع ولا للناس وأن أنفذ ما أراه بصرف النظر عما إذا كان صحيحا أم لا.. وكثيرا ما أسأل نفسي لا أدري هل الذي دفعني إلي ذلك هي جلسة الصفاء التي نادرا ماتتحقق بيني وبين أمي. والتي روت لي فيها معاناتها الطويلة مع أبي وأنها لم تستطع أن تطلب الطلاق منه خوفا من المجتمع والناس علي اعتبار أنها لم توفق في زيجتها السابقة؟ فلقد وجدتني في تلك اللحظة أعقد اتفاقا بيني وبين نفسي بالا أرضخ للمجتمع ولا للناس وان أنفذ ما تمليه علي نفسي فقط حتي لو كنت بذلك اؤذيها! لكن مشكلتي ياسيدي هي انني أصبحت متمردة علي كل شئ حولي, أو كما يقولون لا يعجبني العجب فإذا تقدم إلي من يطلبني للزواج علي الطريقة الصالونتي أرفض الفكرة من المبدأ دون أن أعطي الفرصة لمن يريدني ولو لمجرد التعاطف. وإذا حاولت احدي بنات جاراتنا أو زوجات أبنائهن التواصل معي لايجدن مني إلا الفتور وعدم الاكتراث حتي يئسن مني, وإذا تقدمت لعمل وقبلت فيه فما إن أري معاملة أحس فيها أن صاحب العمل يريد ان يسيطر علي ويتحكم حتي أجد نفسي أتركه وكأنني مسلوبة الارادة وكأن شخصا آخر بداخلي يحركني, ولك أن تتخيل مدي صعوبة ما أوجهه من المعاناة والمقابلات الشخصية إلي أن أجد العمل الذي يناسبني ثم وبكل سهولة أتركه ساخرة منه. وحياتي باختصار عبارة عن سلسلة من الهروب ولا أريد منك أن تفهم من كلامي انني متعجرفة أو متكبرة فكل من يقترب مني يعلم مدي تواضعي ولكني أعلم سبب هروبي هذا فعيناي تفتحتا علي أب وأم يتباريان في إهانة كل منهما الآخر بل وإحراجه أمام الناس. أب نصف متعلم لايعلم شيئا عن التربية ناهيك طبعا عن صورته المزيفة والتي كشفت أمي حقيقتها أمام الناس وأمامنا وكأن مهمته في الحياة كانت فقط أن يأتي بأبناء مشوهين نفسيا مثلنا وأم تزوجت علي أساس تكوين أسرة وتربية أبناء ولكن تحت ضغط من أهلها لأنه من العيب أن تبقي المطلقة من غير زواج, وقد صرحت لي مرة بأنها لولا ضغط أمها عليها لمكثت بدون زواج والنتيجة لكل ذلك انصاف بني ادمين هم أنا وأخوتي, فغير انني أعاني الفشل في حياتي, فإن أخي الأكبر معقد ولا يريد الزواج وليس له علاقات اجتماعية وأخي الثاني تأتيه نوبات اشبه بالصرع وعندما عرضناه علي الأطباء شخصوا حالته بأنها نفسية أما أخي الأصغر فيكفي أن أقول لك انه يحيا بعقل طفل برغم أنه تجاوز الثامنة عشرة من عمره. انني أحمد الله كثيرا علي أنني لم أتزوج لأنني علي يقين من أنني لن أستطيع الاستمرار في الزواج وسأهرب منه بالطلاق وأعيد قصة أمي ناهيك طبعا عن مقدار العقد التي سأمارسها علي من يرميه حظه العاثر في طريقي. ان هدفي من رسالتي هذه إليك ليس النصيحة أو الرثاء لحالي كما قالت لي صديقة ذات مرة, حيث أعلم انني مريضة واستحق العلاج, ولكن رسالتي إلي كل أم وأب لايجدان الوفاق بينهما بأن يستريحا ويريحا أبناءهما من الشقاء وينفصلا في هدوء, فالاحترام هو مايجب أن يبقي بينهما وفي النهاية وهذا مايسعي إليه الأبناء. * جلسة الصفاء التي تتحدثين عنها مع والدتك لم تكن موفقة, فلقد روت لك أشياء لاتتناسب مع سنك ووضعك كفتاة لم تتزوج بعد, ولم تعرف طبيعة الحياة الزوجية التي تحفل في بداية الارتباط دائما بالخلافات في الرؤي والأفكار, حيث يتربي كل من الزوج والزوجة في بيئة مغايرة للآخر, ومن الطبيعي أن تتلاشي الخلافات بمرور الأيام إلا بالنسبة للمتسرعين الذين يأخذون قرار الإنفصال دون تريث وإعمال العقل وإتاحة الفرصة لإصلاح الأحوال. فما كان ينبغي عليها أن تردد علي مسامعك حكاية طلاقها وزواجها من أبيك الذي لم ترتح معه هو الآخر لكنها خشيت من نظرة المجتمع لها اذا تم طلاقها للمرة الثانية, ففضلت حياة الذل والإهانة علي النظرة الدونية للمطلقة, فهي بهذا التصرف غرست فيك كره الرجال, باعتبار أنهم جميعا صنف واحد.. وهكذا دفعتك بغير أن تشعر الي ان تتخذي قرارا بأن تفعلي ماترينه دون الالتفات الي الأصول الاجتماعية أو الاعراف السائدة.. وهذا هو الخطأ الأكبر الذي وقعت فيه, فالإنسان لا يحيا وحده وانما يرتبط وجوده بالآخرين, والإنعزال يولد الكره والتمرد, ويحيل الانسان الي الوساوس والهواجس فلا تستمعي لهذا الهاجس, وكوني نفسك دائما.. تشاركين من حولك همومهم وتتعاملين معهم بهدوء واهتمام. وعليك ان تقتربي من أخوتك وأبويك, ودعي ما أنت فيه من هواجس قد توردك موارد الهلاك. والي كل الآباء والأمهات أقول: عالجوا الخلافات فيما بينكم, وإياكم أن تتسرب الي أبنائكم حتي لاتستقر في وجدانهم وتسيطر علي عقولهم وتصيبهم باليأس والإحباط فينصرف كل منهم الي حاله خاسرا نفسه وحياته.. وليكن لنا عبرة وعظة بما تضمنته هذه الرسالة التي أراها جرس إنذار للجميع.