يقول التاريخ إن الإيمان بالله راسخ في أعماق النفس المصرية منذ الأزل, وتدل الآثار الفرعونية بما فيها من علم وفن ومقدرة بشرية خارقة علي أن العقيدة كانت المحرك الأول لابداعها ولايجاري أحد في مشارقها ومغاربها في انفراد الذات المصرية منذ فجر التاريخ بعمق الإيمان لدي المصريين وأثره في سلوكهم وممارستهم لحياتهم. وتدل الآثار الفرعونية الباذخة علي أن طاقة الايمان الفائقة كانت وتظل طبعا باعثة القدرات الخارقة لدي المصريين وهي ولا شك قادرة علي بلوغ الحياة المثالية إذا أحسن توجيهها في جميع العصور. وفي القرآن الكريم اشارات متعددة ولمحات من القصص تدل علي تلاحم مسيرة الإيمان وتواتر الرسالات السماوية علي ألسنة العديد من الأنبياء والرسل. ولا شك في أن القرآن دعوة ومنهاج عمل لكل الناس في كل زمان ومكان حتي قيام الساعة فهو الركيزة الأساسية للحياة الدنيا التي تتطور دائما وتتغير بفعل الزمن, وفي الحديث الشريف أن هذا التغير وارد وتتغير فيه الملامح الحياتية كل مائة عام مع المحافظة علي الثوابت الإيمانية المتمثلة في القرآن الكريم والأحاديث النبوية المجمع عليها, أما ماعدا ذلك فهي اجتهادات بشرية للسلف وهي ملك للخلف يتعامل معها بكل حرية بمااستطاع من ايمان وفكر وعلم ومنطق حياة متقدمة ومتطورة. وليس التغيير بدعا في المسيرة الإسلامية فقد بدأه القرآن نفسه وهو يعالج المجتمع الإسلامي ويخلصه من العادات الضارة مثل شرب الخمر فتدرج من لا تقربوا الصلاة وأنتم سكاري حتي تعلموا ماتقولون43 سورة النساء إلي إنما الخمر والميسر والانصاب والازلام رجس من عمل الشيطان فاجتنبوه90 سورة المائدة وهو بهذا يفتح طريق التغيير أمام المسيرة الإسلامية طول الزمن. والمدهش أن جمهرة العلماء علي كثرتهم وتفوقهم وغزير علمهم يدورون حول أنفسهم ويرددون مالقنوه من المراجع القديمة وهو صحيح ولكنهم ينسون شيئا مهما جدا وهو ان الزمن والمجتمع قد تغيرا جدا فلم تعد المسافات بين الأماكن ولا العلاقات بين الناس ولا الادراك للمفاهيم كما كانت قديما, ولكن الذي ظل في حدود إدراكي قويا كاسحا هو الإيمان بالله في أعماق المصريين وهو واضح جدا في بعض تصرفاتهم ويمكن استثماره في إنقاذهم لو عرفوا الطريق. ويمكن في نطاق الخير المتاح برغم ضيق الاشارة الخاطفة الي مثال واحد يتمثل في تزاحم المصريين وهم من أفقر الشعوب الإسلامية المعاصرة علي أداء فريضة الحج والعمرة مرارا وتكرارا مع انه الركن الاسلامي المشروط بالمقدرة والذي أداه الرسول الكريم من المدينة إلي مكة مرة واحدة في عشر سنوات وكانت الوحيدة. وقد نشرت جريدة الأهرام في2009/11/27 موضوعا في صفحة كاملة بعنوان: المصريون أنفقوا15 مليار جنيه في2008 علي الحج والعمرة.. وهذا المبلغ يكفي لبناء30 ألف مدرسة ويرفع أجور المدرسين وأكتفي بالعنوان. وهذه هي مصر التي يعيش فيها الملايين تحت مستوي الفقر وفي براثن الأمية وحياة العشوائيات. المسلمون الأغنياء يعلمون أنه في الأثر الشريف مامعناه أنه حرام علي المسلم ان ينام وجاره جائع. والمعضلة الآن هي كيف نستثمر الدافع الإيماني للانقاذ وتلك مسئولية كل صاحب كلمة أو مالك قلم قبل ان تجف الأقلام وتطوي الصحف وانا نستصرخ الدعاة وكل قادر في كل موقع لمواجهة المشكلة فهي عسيرة جدا يتحتم ان يتكاتف لمواجهتها جميع القادرين في كثير من المواقف من حيث الدعوة والارشاد والاقناع والتخطيط دينيا وثقافيا وعمليا زراعيا وصناعيا وانتاجيا وتسويقيا وقد أصبحت الآن المسألة مسألة حياة أو موت أمام موجه العولمة الكاسحة والنسيج النفسي المصري يملك المقدرة علي المواجهة.. ولكن كيف؟