ثمة تطورات جديدة تفرض نفسها علي ضفتي المتوسط, أبرزها أنه في ظلال الأزمة المالية العالمية تبين لأوروبا أن دول جنوب المتوسط هي الشريك المثالي لها للتعاون معا من أجل عبور هذه الأزمة. وخلال عملية المراجعة اكتشف البعض أن أشياء كثيرة تجمع ما بين الضفتين, وأن التداخل قد بلغ مرحلة لا يمكن العودة عنها, والمفاجأة المدهشة أن الوقت حان لمزيد من الاندماج. ولعل أول من تنبه كان وسائل الإعلام, وفي المقدمة وكالة الأنباء الإيطالية أنسا التي رأت أن ثمة فرصا حقيقية للشراكة الاستراتيجية, ولذا فمن الطبيعي عندما مدت نظرها أن يكون اختيارها الأول مؤسسة الأهرام الصحفية العريقة. جاءت المبادرة الإيطالية لتلتقي مع تحولات كبري تواكب عصرها وزمانها, وأن تحمل رسالتها إلي ما وراء الحدود. ومن ثم بدأ الحوار ما بين أنسا والأهرام بشأن مجالات عدة للتعاون. وهنا سنعرض للمغزي والفرص وتدشين مرحلة جديدة في التعاون الأورومتوسطي. ولعل النقطة الأولي تتعلق بالمسرح السياسي والاقتصادي والثقافي الذي سوف يشهد هذا التعاون, وهنا نلحظ بداية أنه يتعلق برقعة جغرافية تضم22 دولة منها7 دول أوروبية و450 مليون مواطن. وهذه سوق واسعة وتنمو بقوة, وبها قطاعات اقتصادية واستراتيجية تندمج بسرعة منها: قطاعات الطاقة, والسياحة, والبنية الأساسية, والتجارة, والبيئة, ووسائل الانتقال, والإمداد والتموين. وفي هذه المنطقة يوجد أكثر من2000 وسيلة إعلامية(500 جريدة يومية,1000 محطة إذاعية, و200 شبكة تليفزيونية,100 وكالة أنباء). ويبدو أن تحركات النخبة السياسية باتت مدفوعة بضغوط, رجال المال والأعمال في المنطقة, فقد انطلق الاتحاد من أجل المتوسط الذي جاء ليتوج عملية برشلونة , كما أن عملية الاندماج الاقتصادي تأخذ طريقها ومن المتوقع والمأمول أيضا خلق منطقة تعاون وتجارة حرة ما بين شمال وجنوب المتوسط. ولذا فإن ذلك بدوره يخلق احتياجا كبيرا لعملية تدفق معلوماتي يشارك فيها الطرفان وتتمتع بالمصداقية والعدالة, وبالضرورة أداة لاستكشاف فرص الأعمال و التعاون الاقتصادي. الأهرام وأنسا معا وفي عالم الأعمال وما بين أوساط النخبة السياسية فإن الأهرام بقدرتها الهائلة علي التأثير, وصياغة الأفكار والمواقف, فضلا عن دورها التنويري في المنطقة ليست محل شك. كما أن وكالة الأنباء الإيطالية أنسا بتاريخها الطويل الممتد علي مدي65 عاما, وبوجودها في74 دولة, وبكونها رابع أكبر وكالة أنباء علي مستوي العالم تعد شريكا مثاليا للأهرام. ويكفي هنا للدلالة علي قوة أنسا في إيطاليا أنها المصدر الرئيسي للمعلومات الذي تعتمد عليه الصحف الإيطالية( ويبلغ توزيع الصحف276 مليون نسخة سنويا), وهنا لابد من الإشارة إلي أن الوكالة التي تأسست عام1945 هي شركة خاصة تمتلكها مجموعة من أكبر48 صحيفة إيطالية أشهرها كوييرا ديلاسيرا. ويبلغ إجمالي الأخبار التي تنتجها أكثر من2000 خبر يوميا بخمس لغات( الإيطالية, الإنجليزية, الإسبانية, البرتغالية, والعربية), وأكثر من700 صورة يوميا. وبالإضافة إلي ذلك فإنها تنتج أكثر من50 دقيقة يوميا من الإنتاج السمعي والمرئي, ويزور موقعها الإلكتروني79 مليون زائر شهريا, ومن بين هؤلاء7 ملايين زائر متميز. مزيد من التعاون الإعلامي وهنا فإن المرحلة الحالية تتطلب تعزيز التعاون المشترك ما بين وسائل الإعلام بمنطقة المتوسط وتعزيز دور الإعلام في المنطقة, ولعل أول مجال للتعاون سيكون من خلال أنسا ميد لخدمات الأنباء التي ستركز علي الحياة اليومية في دول اليوروميد والفرص الاقتصادية, وإبراز القيم الثقافية والاجتماعية, وليس فقط النزاعات و الأحداث الاستثنائية. وبشكل محدد فإن القضايا الأكثر إلحاحا.. هي بالطبع السياسة والاقتصاد والمجتمع, وذلك من خلال التعاون الثقافي والحوار المتبادل, والترفيه. فضلا عن عرض لفرص الأعمال خاصة أمام الشركات الصغيرة والمتوسطة, وأيضا قطاعات الطاقة, والنقل والسياحة, والبيئة. وهناك مجالات الحركة والتطورات المتلاحقة للشراكة الأورومتوسطية. وهذه هي القضايا نفسها التي ستحتل حيزا كبيرا علي أجندة الأهرام وأنسا, وبقية الشركاء الجدد الذين سوف ينضمون لاحقا. وقد شهدت الشهور الماضية حوارا مكثفا ما بين المؤسستين( الأهرام وأنسا), وشهد ذروته بمفاوضات مكثفة ما بين رئيس تحرير الأهرام أسامة سرايا والوفد المرافق له نائب رئيس التحرير محمد صابرين ومدير مشروع التطوير الإلكتروني للأهرام عمر سامي من جهة, ومدير عام أنسا ورئيس تحرير الوكالة ولويجي كونتو ورئيس تحرير أنسا ميد. وجري بلورة مجالات عدة للتعاون, ومن المقرر أن يتم التوقيع والإعلان الرسمي خلال مناسبة أوروبية خاصة تعمل أنسا علي تنظيمها في العاصمة الإيطالية, وسيكون إحدي أهم فعالياتها الإعلان عن الشراكة الاستراتيجية ما بين المؤسستين العملاقتين. وأكد سرايا خلال المباحثات مع كبار مسئولي الوكالة الإيطالية أن التعاون جاء في وقته المناسب ليعكس التطورات الكبري في علاقات البلدين, وأيضا تماشيا مع التوجه الاستراتيجي المصري لعلاقات متميزة وعميقة مع إيطاليا وفرنسا بصورة خاصة, ومع الشريك الأوروبي بصفة عامة. وشرح سرايا بصورة كبيرة عملية التطوير والتحديث الجاري في مؤسسة الأهرام, وما يشهده الأهرام الجريدة اليومية من تطوير, فضلا عن حرصه علي التواصل عبر المتوسط. وأكد سرايا أن وسائل الإعلام ستكون مقصرة في أداء مهمتها ورسالتها لو لم تعكس هذا النمو المتسارع في العلاقات ما بين مصر والاتحاد الأوروبي, ومصر وإيطاليا بصفة خاصة. ومن جانبه أكد لويجي كونتو سعادته العميقة ببدء هذا التعاون مع مؤسسة عريقة مثل الأهرام, وأشار إلي أن الفترة المقبلة سوف تشهد حضورا متميزا في وسائل الإعلام الإيطالية لما تنشره الأهرام, وأعرب عن أمله في أن يعزز التعاون المشترك حضور أنسا. وحرص الجانبان الإيطالي والمصري علي عدم الكشف عن تفاصيل التعاون نظرا لاتساعه وشموله, فضلا عن وجود مشروعات كبري في الطريق فضل الجانبان عدم الخوض في تفاصيلها حاليا. إلا أن الوكالة حرصت علي أن تبث في نشرتها خبر زيارة سرايا ووفد الأهرام, ووصفت الأهرام بأنها الجريدة الأكبر والأهم في مصر والأكثر أهمية في العالم العربي, وأشارت إلي أن الاجتماع بحث في مجالات التعاون بين الجانبين. ويبقي في النهاية أن مرحلة جديدة مختلفة في انتظار التعاون ما بين مصر وإيطاليا, ويكفي للدلالة هنا أن نربط ما بين عدة أمور في تشابكها تكتمل الصورة: إيطاليا الشريك التجاري الأول, السائحون الإيطاليون هم الأكبر في التوافد علي مصر, الاستثمارات الإيطالية في مصر هائلة خاصة في مجال السياحة والبترول, جري الاتفاق علي التعاون في مجال البترول ليس فقط في مصر بل وفي العراق والجابون ودول أخري, المصريون المسجلون بشكل شرعي في إيطاليا ما يريدون علي160 ألفا, المصريون احتكروا مهنا بأكملها في إيطاليا, العلاقات المتميزة ما بين القيادتين المصرية والإيطالية أيا كان الجالس في رئاسة الوزراء الإيطالية, ومن هنا يأتي التطور الجديد ببدء الشراكة الاستراتيجية ما بين الأهرام وأنسا مجرد خطوة مهمة في طريق طويل ما بين القاهرة وروما.