برلين مازن حسان في الوقت الذي تدرس قيه الحكومة المصرية إغلاق المحال التجارية مبكرا كخطوة تهدف لخفض الاستهلاك الضخم في الكهرباء وخاصة في فصل الصيف وتخفيف الضغط المروري في شوارع القاهرة, تتجه معظم الدول الأوروبية مثل المانيا وفرنسا وإنجلترا وبولندا وإسبانيا وإيرلندا ودول اوروبية أخري نحو مزيد من التحرير لمواعيد إغلاق المحال التجارية من بقايا القيود المفروضة عليها مثل فتح المتاجر يوم العطلة الأسبوعية الاحد, وإن كان لذلك أسباب أخري تتعلق بتغيرات اجتماعية واقتصادية طرأت علي هذه المجتمعات وتنامي نمط الحياة الاستهلاكية في مجتمعات الوفره الأوروبية. ففي المانيا التي ظلت عقودا طويلة ملتزمة بنظام بروسي صارم لمواعيد إغلاق المتاجر تقوم سلاسل المتاجر الكبري بمحاولات مستمرة اليوم من أجل فتح المتاجر يوم الاحد رغم اعتراض النقابات العمالية والكنائس ورغم أنف قرار المحكمة الدستورية العليا. وقد التزام الألمان منذ الخمسينيات وحتي عام1989 بإغلاق متاجرهم في الساعة السادسة والنصف مساء طوال أيام العمل وحتي الثانية عصرا يوم السبت, وهو ما كان يعني ان جميع المحلات بما فيها سلاسل المواد الغذائية كانت تغلق ابوابها في نفس توقيت انصراف ملايين الموظفين والعاملين من أعمالهم, ومن كان ينهي عمله قبل ذلك يسارع في عجالة إلي شراء احتياجاته أو يقوم بذلك في الصباح الباكر أو يؤدي مشترياته الأسبوعية يوم السبت. وتأقلم الألمان علي هذه المواعيد إلي أن تغير ذلك عام1989 بمد مواعيد العمل الخميس فقط حتي الثامنة والنصف مساء. تحرير المواعيد كان واضحا أن التغيير فرض نفسه في المانيا لأسباب تتعلق بزيادة الرفاهية ومعدلات الإستهلاك للفرد مما أدي إلي تغير سلوكيات الألمان الشرائية, بالإضافة إلي نشأة قطاعات خدمية جديدة تتطلب العمل حتي وقت متأخر من الليل وحتي قطاعات الإنتاج التقليدية أصبحت أكثر مرونة في مواعيد العمل فكان لابد من استجابة المتاجر لشريحة جديدة من المجتمع الألماني لا تجد وقتا للتسوق سوي في المساء, إضافة إلي تغير تركيبة سكان المدن الكبري التي اصبح نسبة كبيرة منها من الشباب العاملين غير المتروجين الذين يخرجون للتسوق بعد ساعات العمل الرسمية. وهكذا لم يعد هناك مفر من تحرير مواعيد المتاجر في المانيا وهو ما حدث عام2003 بمد فترات العمل يوم السبت ايضا حتي الثامنة مساء. وفي العام التالي انتقل إختصاص تحديد مواعيد المتاجر للولايات الألمانية والتي قام معظمها بإطلاق حرية المواعيد وفي مقدمتها ولاية برلين التي زادت علي ذلك بالسماح بفتح المحلات في عشرة آحاد طوال العام بما فيها الآحاد التي سبق عيد الميلاد الغربي مما آثار استياء الكنائس فرفعت دعوي أمام المحكمة الدستورية العليا التي قضت بدورها عام2009 بضرورة احترام خصوصية يوم الأحد الذي يتزاور فيه الناس ويذهب بعضهم إلي الكنائس وضرورة عدم تحويله إلي يوم للتسوق إلا في المناسبات التي تتطلب ذلك. جشع التجار غير أن تحرير مواعيد إغلاق المتاجر إذا كان قد اسعد بعض المستهلكين الذين ازدادت الخيارات أمامهم للتسوق وقتما يحلو لهم فله سلبياته: فهو مرتبط بتكاليف باهظة للمتاجر من فاتورة الطاقة الكهربائية ورواتب عمالة إضافية مسائية وأفراد أمن لذا فلم يستفد من هذه القرارات في الواقع سوي المتاجر الكبري التي تعاملت معه بطريقتها. فحتي الآن لا توجد مواعيد محددة ثابتة لجميع أفرع السلاسل التجارية الكبري في المدن الألمانية بل إن كل سلسلة تحدد مواعيد أفرعها وفقا للكثافة السكانية والقوة الشرائية لكل مدينة وحي. ونظرا لأن القوانين الألمانية تقضي بمنح العاملين في الفترات المسائية أجرا إضافيا قدره20% لمن يعمل بعد السادسة والنصف مساء وخمسين في المائة من الأجر لمن يعمل بعد ذلك لجأت هذه المتاجر الكبري إلي خفض أعداد العاملين بها مساء والاستعانة بما يسمي بعاملي الميني جوبز اي الوظائف الصغيرة مقابل رواتب متدنية وهو ما انتقدته بشدة نقابات العاملين ووصفته بجشع كبار تجار التجزئة في المانيا. أما المتاجر والبوتيكات الصغيرة التي لا يعمل فيها سوي اصحابها وقلة من البائعين فلا تستطيع تحمل هذه التكاليف وتغلق أبوابها في الأوقات المعتادة خاصة إذا ما كانت تقع في الأحياء المتطرفة وفي مدن صغيرة. خلاصة القول إنه رغم إطلاق حرية المتاجر في تحديد مواعيد إغلاق ابوابها فإن أغلب المحلات الصغيرة والمتوسطة علي غرار ما هو موجود في مصر تغلق ابوابها مبكرا باختيار أصحابها أنفسهم, ولا تستفيد من مواعيد الفتح إلي وقت متأخر سوي بعض مراكز التسويق الكبري وليس كلها.