تداعيات شديدة الوطأة تواجه كوكب الأرض جعلت العلماء يبدون دهشتهم من هشاشة الكوكب وانزعجوا من البيانات والمعلومات التي تبثها المحطات الأرضية والفضائية والمدفونة في أعماق البحار والمعلقة فوق قمم جبال الثلج, والتي باحت بكابوس اسمه تغير المناخ. بل اتجه العلماء بما يسمونه بالطوفان وهو صورة مكبرة لما حدث منذ أيام سيدنا نوح عليه السلام, وهنا نقول إنه ليس غضبا من الطبيعة, ولكنه نشاط الإنسان الذي طوع التكنولوجيا وسخر العلم لإسعاده فنكبت البشرية بست غازات أسموها العلماء بغازات الدفيئة وهي ناتج الصناعة والزراعة والطاقة وغيرها والتي أدت إلي انبعاث غازات( ثاني أكسيد الكربون, والميثان وأكسيد النيتروز ومركبات النيروفلوروكاربون والهيدرو كلورو كاربون, وسادس فلوريد الكبريت), هذه الغازات بتركيزاتها العالية في الغلاف الجوي أدت إلي زيادة امتصاص الأشعة تحت الحمراء مما أدي إلي ارتفاع درجة حرارة الكوكب06 درجة مئوية, وعلي مدي15 مؤتمرا دوليا كان آخره مؤتمر كوبنهاجن الفاشل تضررت وفود196 دولة من فرض حلول ترضي الدول الصناعية16 دولة وعدد سكانهم20% من سكان الكرة الأرضية ونسبة انبعاثاتها تتجاوز70% من الملوثات. أو ترضي الدول النامية والساعية إلي النمو133 دولة والصين وعدد سكانهم80% من سكان الأرض, بل وتعذر الوصول إلي مستوي انبعاثات الغازات الست إلي مستوي عام1990 رغم أن الكل يستغل قارب واحد. لماذا الاختلاف والكوكب يغرق؟ الدول الغنية تقول للدول الفقيرة لا أقبل تراجع التنمية ولا أقبل المنافسة وأي انخفاض في الانبعاثات يلمس وتر التنمية الحساس. والدول النامية والساعية إلي النمو تقول للدول الغنية: جعلتم بلادنا مقلبا كبيرا للقمامة من جراء الصناعات الملوثة التي تصدروها لنا وعليكم أن تتبعوا المبدأ الدولي بأنه علي الملوث أن يدفع ثمن ما لوثه ويدور الجدل في كل المؤتمرات الدولية ال15 وينفض كل مؤتمر بلا قرارات ترضي الطرفين. وكما يشير العالم الكبير د. مصطفي كمال طلبة منذ عقد مؤتمر ريودي جانيرو في البرازيل سنة1992 صرخ العالم كله من تنامي ثورة الصناعة, وزيادة السكان والطلب علي الطاقة وانطلقت الملوثات من690 مليون سيارة تجري في شوارع الكرة الأرضية وملايين الرحلات الجوية وتجاوز عدد المواد الكيميائية الناجمة عن التلوث الصناعي75 ألف مادة سامة وضارة بالصحة والبيئة وقفزت نسبة وجود ثاني أكسيد الكربون في الغلاف الجوي إلي390 جزء من المليون بعد أن كانت315 جزء من المليون منذ ثلاثة عقود وزادت نسبة غاز ثاني أكسيد الكربون زيادة مضطردة قدرها2% وزيادة منفلتة من محطات الطاقة احتياجات الصناعة والزراعة والسياحة والإنارة. كل هذا أدي إلي ارتفاع ملحوظ في درجة حرارة الأرض هذه الزيادة لها الأثر الخطير في ذوبان جليد القطبين وارتفاع منسوب مستوي سطح البحار وغرق الدلتاوات والجزر وتلف الغابات وتدني المحاصيل الزراعية وتملح الأراضي وتصحرها وتأثر الإنتاج الحيواني والسمكي وتقلص رصيد الموارد المائية, وظهور أوبئة وأمراض غريبة علي الإنسان ويقظة الآفات الزراعية الكامنة وتدمير للتراث والآثار وفناء بطيء للتنوع البيولوجي المهم. وعندما نسلط الضوء علي أثر كارثة تغير المناخ علي مصر فإن أنظار العالم كما يقول د. محمد صابر الأستاذ بالمركز القومي للبحوث تتجه إلي دلتا مصر مائدة المصريين, وهي تشكل25% من اجمالي مساحة مصر وتأوي27 مليون نسمة بكثافة سكانية تصل إلي400 نسمة في الكيلو متر المربع, وهنا تكمن عواقب ارتفاع مستوي سلطح البحر. المتفائلون يقولون إن الارتفاع لن يتخطي مستوي12 سنتيمترا مع الأخذ في الاعتبار انخفاض مستوي النهر عند ذراعي رشيد ودمياط بسبب السد العالي والرسوبيات التي كان يحملها من منابعه إلي مصبة علي مدي خمسة عقود من الزمان أما المتشائمون فيقولون إن احتمالات ارتفاع مستوي سطح البحر قد تقترب من150 سنتيمترا ارتفاعا في غضون ال90 سنة القادمة وهنا يعلق د. صابر قائلا: هذا معناه الاحتياط والتدابير أمام هجرة10% من سكان مصر ومحاولة انقاذ25% من مساحة الأرض المصرية بالاحتياطات والتدابير الواقية من هجوم البحر من ناحية أخري يعيش40% من السكان علي امتداد سواحل مصر من العريش إلي السلوم وبورسعيد والسويس والغردقة والشرم علي امتداد3500 كيلو مترا, وهي بعض منها هشة مثل بورسعيد والإسكندرية وأثر ذلك علي السواحل التي تبيض كل يوم بيضة ذهب من النشاط السياحي وحدائق المرجان والشعاب والأسماك الملوثة علي ضفاف سواحل طابا ونويبع ودهب والشرم والغردقة وسفاجا ومرسي علم. وعن سيناريوهات الأمطار ورصيد النهر ونحن دولة مصب ورصيدنا من الموارد المائية يعتمد بنسبة85% علي النهر لأن كمية هطول الأمطار لا تتعددي20 ملليمتر في السنة وتصل إلي2 ملليمتر في أعالي الصعيد وتتضاعف20 مرة علي السواحل الشمالية ومع الزيادة السكانية تقلص نصيب الفرد من المياه إلي850 متر مكعب في السنة وهو رقم يقف علي حافة الفقر المائي وهو ما دعي مصر إلي القيام بدراسات بالتعاون مع هيئة الأرصاد الجوية البريطانية لحسم النظريات المتضاربة والسيناريوهات المتعددة التي تتلاعب برصيد النهر واحتمالات زيادة أو نقص في هطول الأمطار أعالي هضاب الحبشة, وخط الاستواء وهي بين الزيادة بنسبة30% والشح بنسبة70% وهو الأمر الذي سوف يضغط علي الأرض الزراعية والمحاصيل. وقد احتاطت لجان تغير المناخ لهذه الاحتمالات وسعت إلي خفض الزراعات الشرهة للمياه مثل القصب والأرز وفي نفس المسار انعاش أبحاث الهندسة والوراثية لاستنباط أصناف تقاوم الجفاف والحرارة والملوحة والآفات وتضاعف من المحصول وتجري الأبحاث علي قدم وساق وخرجت إلي النور6 محاصيل مهندسة وراثيا. ويشير العالم الكبير د. محمد عبدالفتاح القصاص إلي خطورة فقد التنوع الإحيائي وموائله. وأثرها مؤلم علي النشاط السياحي والآثار وتتداعي الصحة من جراء ظهور ميكروبات وأمراض وحميات غريبة علي الأرض المصرية. يبقي أن نطلع علي ملف تغيرات المناخ المطروح بكامله علي المسئولين فقد أصدرت وزارة الدولة لشئون البيئة تقرير حالة البيئة في مصر ووضعت استراتيجية للتكيف مع التغيرات المتوقعة في مجالات الزراعة والطاقة والماء والسياحة والصحة والنقل والتهجير ووضع استراتيجية لكل قطاع, وعلي صعيد آخر يجري التنسيق دوليا مع الاتفاقيات الإطارية وتفعيل الدراسات واقتراح الآليات ووضع تصور للدعم وخطط زمنية. يبقي شيء أن لكل رأي علمي له نقيضه وهو شيء يحترمه العلماء ويعترفون بأهميته ولم يكن غريبا علي العلماء أن خرج علماء آخرين اعترضوا علي ظاهرة تغير المناخ وقال عالم مصري من هيئة الأرصاد الجوية إن تغيير المناخ هي ظاهرة مناخية تمضي كالموجات ارتفاعا وهبوطا, وخرج عالم مصري آخر من معهد أبحاث الشواطيء بالإسكندرية يؤكد أن ما أجراه من أبحاث لا يشير البتة بأي غرق في أي منطقة من الساحل وأكد لنا عالم مصري ثالث من خيرة علماء مصر في المهجر بأن البحر لم يهاجم الدلتا, ولكن الدلتا إنحنت أمام البحر بسبب شح الرسوبيات التي كان يحملها النيل وهو في طريقه إلي البحر الأبيض بعد بناء السد العالي أي أكثر من نصف قرن ونعود إلي نظرية المؤامرة هل العالم الغربي ابتدع فكرة تغير المناخ لكي تزداد الدول الغنية غني وتزداد الدول الفقيرة فقرا وتتسول الدول الفقيرة الغارقة في الديون والفساد الإداري التكنولوجيا المكلفة من الدول الغنية علي حساب صكوك الكربون؟.