شاركت بتقديم مقترحات تتصل بوضع اجندة للقمة العربية الثقافية, كما فعل غيري من المثقفين الذين دعاهم السيد عمرو موسي الي عشاء عمل بمقر الجامعة العربية بحضور الامير خالد الفيصل, منذ اشهر مضت, للتداول في القضايا الفكرية والاجرائية التي تضمن النجاح والنجاعة لانعقاد قمة عربية تخصص للشأن الثقافي, لما صار لهذا العامل الثقافي من أهمية في صياغة عالمنا المعاصر, ويبدو واضحا ان هناك إجماعا حول اهمية هذه القمة الثقافية وضرورة انعقادها, ودقة وسلامة التحضير والإعداد لها. ولن اعيد هنا ما سبق ان طرحته من افكار في ذلك الاجتماع, او ما طرحه الحاضرون من اصدقاء وزملاء ومسئولين, سبق للاعلام ان اقدم تغطية لها, ولكنني سأركز علي اقتراح واحد منها, أراه يستحق ان يأخذ الاولوية علي بقية الاقتراحات, دون ان يكون بديلا لها, فأغلب ما قدمناه من اقتراحات في ذلك الاجتماع او اقتراحات قدمت في اجتماعات لاحقه, كان آخرها الاجتماع الذي دعت اليه مؤسسة الفكر العربي في بيروت, اقتراحات تستحق ان تنال عناية الزعماء العرب ومتابعة الاجهزة الحكومية المسئولة عن التنفيذ, وهو اقتراح واحد, لن أتطرق لسواه في هذه الاسطر, يمكن ان يغطي الاحتياجات والمتطلبات التي تقتضيها النهضة المرتقبة في مناحي الفكر والفن والادب والابداع, بحيث لايبقي حقل من حقول الثقافة إلا وينال حقه من الرعاية والاهتمام, وهو اقتراح لاينبثق من فراغ, وانما يأتي من اشباه له ونظائر, عرفتها مجتمعات العالم المتقدم, ضمنت لشعوبه ازدهار الفنون والآداب وانطلاق ملكات الخيال والابداع لتحقيق انجازها وتقديم عطائها في اجواء الحرية وفضاءاتها, بعيدا عن الروتين الحكومي وما يقترن به ويلازمه دائما من قيود وحدود وضيق افق في التفكير والتنفيذ, فهو اقتراح يحقق المعادلة الصعبة والمركبة التي تربط بين الاستفادة من المال العام, الذي يستهدف منفعة المجتمعات, مع اساليب العمل الحر دون اشتراطاته واكراهاته التي يحتمها قانون السوق وعامل الربح, وأصل الي ذكر صيغة الاقتراح, وهي صيغة بسيطة وبعيدة عن اي تعقيد, او حذلقة, او تطرف في المعالجة والترتيب والتدبير تتلخص في انشاء صندوق عربي للفكر والابداع والثقافة ادبا وفنا وعلوما وتربية وتعليما ومنتجا ثقافيا ومراكز بحث ونشر وبراءات اختراع وغير ذلك من مهام تتصل بالشأن الثقافي العام بمفهومه الشامل والواسع والعريض الذي تعقد هذه القمة من اجله, صندوق تسهم في تمويله كل الحكومات العربية بمساهمات مالية كبيرة تضمن له القوة والفعالية والنجاعة, بمعني ان الحصة التي تقدمها كل حكومة عربية يجب ألا تقل عن ثمن بارجة حربية للسلاح البحري, يصل ثمنها الي مليار دولار, بحيث يصير لهذا الصندوق رأسمال كبير يصل الي عشرين مليار دولار, وأراهن ان هذا الصندوق وحده يمكن ان يوجد حالة تحول كبري في الشأن الثقافي العربي يصل نفعها الي كل مواطن, ويسهم بالتأكيد في تقديم الوجه الحضاري للامة العربية للعالم, وتستثمر أمواله بحيث يمر قرن من الزمان لن يحتاج فيه العمل الثقافي العربي المشترك إلي أي عون من عرفها خزائن الدول والحكومات, لأن هذا المال سيصبح مثل مشاريع استثمارية ثقافية عرفها العالم, تعمل بمال تم رصده منذ اكثر من مائة عام, واشهر هذه المؤسسات مؤسسة جائزة نوبل, التي اعتمدت منذ قرن وخمسة عشر عاما, علي مبلغ رصده السيد الفريد نوبل ومازال ذلك المبلغ يعمل علي تحقيق الاهداف التي وضعها مؤسس الجائزة وتصرف عليها الملايين كل عام, دون ان يلحق ذلك المبلغ اي نقصان بل يتنامي ويكبر مع مرور الاعوام, ومثل مؤسسة نوبل, سيعمل هذا الصندوق بقواعد العمل الخيري, وتحت سلطة امناء يمنع عليهم القانون التربح والكسب من رعايتهم للمؤسسة وانما يقومون بعملهم علي سبيل التطوع وخدمة الشأن العام, ويؤدي هذا الصندوق وظيفته في خدمة الثقافة العربية وفق لوائح وتشريعات تتيح لكل مبدع او مفكر او كاتب او فنان او صاحب موهبة او منتج ثقافي او صاحب انجاز علمي او اختراع من الاختراعات أو أية مؤسسة فكرية أو فنية أو تربوية أو علمية, ممن يملكون مشروعا يريد تمويلا, ان يتقدم لهذا الصندوق للانفاق عليه وفقا لاهمية وصلاحية المشروع اقتراضا باسلوب القرض الحسن, او مساهمة في نسبة التمويل, تسترد بعد فترة سماح او هبة مقطوعة لاتسترد او غير ذلك من الصياغات التي تتبعها مثل هذه الصناديق دون وجود مانع من ان تكون للصندوق حافظة للاستثمار تدر عليه ربحا لتقوية وتنمية موارده ومضاعفة امواله, وان تكون له شركات يدعمها او يقوم بتمويلها تمويلا كاملا كما تفعل مؤسسات اسرائيلية احداها تسمي غولان نسبة الي مؤسسها مناحم غولان العسكري والارهابي الاسرائيلي تعمل منذ عدة عقود في تصنيع الافلام وتوزيعها وامتلاك دور السينما في العالم للسيطرة علي هذه الوسيلة بالغة التأثير في صناعة الرأي العام, والحصول مقابل ذلك علي ربحية عالية ولاحاجة بي الي ذكر مؤسسات عالمية تعمل وفق هذه القواعد منذ عشرات العقود مثل مؤسسات فورد وروكفلر وهاريست في امريكا, اسهمت كما يعرف الجميع في الوصول بالمجتمع الامريكي الي هذه المشارف العالية التي حققتها العلوم والفنون والآداب في تلك البلاد. [email protected]