في كثير من الأحوال ينظر البعض إلي القرارات الاقتصادية وما يصاحبها من تغيرات إدارية, بنظرية نصف الكوب الفارغ متجاهلين نصف الكوب المملوء وهذا هو الواقع الذي فرضته الأحداث الأخيرة الخاصة بالتغيرات في قيادة هيئة البورصة المصرية. فقد توالت الاتهامات وتواترت التحليلات التي تضع هذا أو ذاك في دائرة الشائعات والمسئولين عن الكثير من التطورات السلبية علي صعيد البورصة المصرية وسوق المال وكفي. ولكن القراءة الموضوعية والخروج من دائرة الانكفاء علي الداخل إلي تتبع وتحليل ما يحدث في الخارج علي الصعيد الاقتصادي بصفة عامة وعالم المال بصفة خاصة في الكثير من دول العالم, وفي مقدمتها الولاياتالمتحدةالأمريكية حاملة مشغل الدفاع عن الرأسمالية, لابد أن يخلص إلي نتيجة أساسية وهي أن هذه التغيرات وان كانت نتيجة تراكم بعض السلبيات في مجال الإدارة والتطبيق, إلا أنها كانت خطوة أساسية وصحوة علي طريق تصحيح مسار اداء البورصة المصرية اتساقا مع مقتضيات الواقع الداخلي ومتطلبات العولمة المالية فما يصلح في وول ستريت أو لندن وفرانكفورت لا يتحين أن يصلح في البورصة المصرية وذلك بداية, كما أن القرارات والخطط التي اتخذت علي صعيد البورصة الأمريكية في شارع المال, وطالت تغيرات شاملة في لجنة البورصة والأوراق المالية الأمريكية كانت بهدف تلافي اخطاء الرقابة والتطبيق وتحقيق المزيد من الفعالية في الأداءء مع اعتراف صريح وشفافية مطلقة في الكشف عن اخطاء وعورات الأداء من خلال استغلال البعض للمعلومات غير المتاحة أو الممارسات غير الشرعية للتعاملات المالية من خلال(DarkPools) التي تستند بالدرجة الأولي علي ثورة الاتصالات وقوة التكنولوجيا ومن خلال مجموعة من البنوك أو أفراد مستقلين بالإضافة إلي عاملين في البورصة ذاتها. لقد اعترفت واشنطن بفداحة الخسائر المالية والأدبية اللتين طالتا اداءها المالي في ظل فضيحة مادوث كما أنها لم تتوان في محاكمة ملياردير آخر بتهمة النصب في صندوق استثماري آخر, ناهيك عن التقلبات الحادة التي شهدتها سوق المال الأمريكية نتيجة الأزمة المالية وتوابعها الاقتصادية. فإذا كان المتحدث باسم لجنة البورصة والأوراق المالية الأمريكية قد اشار إلي أن اللجنة تمثل فريقا من الأفراد منوطين بحماية مصالح المستثمرين والحيلولة دون تكرار مأساة خسائر الملايين, فانه أمر جدير بالدراسة والمتابعة. حيث أعلنت عن قيام فريق متخصص لدراسة اداء صناديق الاستثمار والمشتقات بكافة أنواعها إلي جانب المجالات التي تمثل تهديدا لاداء البورصة الرسمية وإيجاد بورصة خفية غير شرعية تعمل بصورة مزدوجة لمصلحة حفنة من الأفراد علي حساب جموع المستثمرين في البورصة الرسمية. من هذا المنطلق تكون التغيرات التي طالت البورصة المصرية في إطار صحوة محلية علي غرار العالمية. ولكن جاءت بعدها بفترة ليست بالقصيرة!! ولكن هذا التغير علي الصعيد المحلي يطرح عدة نقاط عن الاختلاف بين التحرك الخارجي ونظيره الداخلي: فقد جاء التغير الأمريكي بقرار فوقي وفوري عقب الأزمة المالية, ولم يكن نتيجة لشكوي جموع من المستثمرين والعملاء في البورصة أو تواتر الأحاديث هنا وهناك. كما أنه إذا كانت الإدارة الأمريكية والسلطات المعنية الاقتصادية والمالية قد وعت خطورة التلاعبات في البورصة ومن هنا أصدرت القوانين المنظمة للتعاملات والتقلبات بين الحدين الأدني والأعلي مع التنسيق بين شاشات التداول عبر الولاياتالمتحدة, فإنه يحق لنا أن نتساءل: ماذا عن البورصة المصرية هل يتم تطبيق هذه القواعد بصفة عامة, أم بصورة انتقائية بين شركات وشركات؟ وإذا كانت البورصة المصرية تتمسك بالقواعد الخاصة بالإعلان والافصاح وقواعد القيد بالنسبة للشركات فماذا عن مصالح صغار المستثمرين في الشركات هل مجرد الشطب يحل المشاكل؟ وإذا تركنا هذا وذاك فلابد ان نتساءل عن أسباب تكرار تغيير نظام التداول, ولماذا لم تكن هناك الرؤية المستقبلية الكافية لمواجهة تطور واتساع حجم المعاملات بدلا من التغيرات المتتالية وما تفرضه من اعباء مالية ومجهودات بشرية من أجل استيعاب الجديد الذي سرعان ما يتحول إلي قديم. يضاف إلي هذا وذاك, طبيعة الثقافة المالية ودرجة الوعي بالنسبة لبعض المستثمرين مقارنة باجتياح روح المضاربة من جانب البعض الآخر, هل التعاملات المالية التي تنفذ في غضون يومين ثم يوم واحد أو ذات اليوم تتيح فرصة المساواة بين المستثمرين, أم انها تعطي الفرصة المرجحة لمن يملكون من الأموال والتأثير في السوق ما يتيح لهم الإطاحة بالصغار؟ بل أن البعض يري أن هيئة الرقابة المالية قد تسرعت في بعض القرارات ومنها المتعلق بالموافقة علي شراء فرانس تليكوم لأسهم موبينيل وهو القرار الذي ألغته محكمة القضاء الإداري لتنافيه مع مباديء الشفافية وتكافؤ الفرص بين المساهمين من حاملي أسهم شركة موبينيل. ومن ثم فان التغيرات التي طالت البورصة المصرية من حيث الإدارة أقرب إلي الصحوة وليست دليلا علي الردة.