مازال توت عنخ آمون ذلك الفرعون الذهبي يبعث الحيرة في عقول العلماء حيا أو ميتا.. سر الحيرة أنه أعظم اكتشاف في تاريخ مصر والعالم منذ أن خرج للدنيا من تحت التراب في الرابع من نوفمبر عام1922 علي يد المكتشف العبقري هيوارد كارتر.. وأننا حتي الآن نعيش وسط ضباب من علامات الاستفهام بحثا عن لغز وفاته! ولكن وقبل أن نتحدث عن لغز وفاة الفرعون الذهبي توت عنخ آمون ونعلن الأسباب الحقيقية ولأول مرة عما تعرض له هذا الملك الصغير الذي مازال بريق ذهبه يخطف أبصار وألباب الناس في كل مكان.. لابد من أن نعرض أولا النتائج التي توصل لها الفريق المصري لدراسة المومياوات الذهبية لأفراد من عائلة الملك توت عنخ آمون والتي كان من أهمها الآتي: أولا: ثبت أن المومياء التي كانت تعرف باسم السيدة العجوز, والتي كانت موجودة منذ اكتشافها داخل المقبرة رقمKV35 بوادي الملوك, هي في الحقيقة مومياء الملكة تي زوجة الملك أمنحتب الثالث وابنة يويا وتويا, وكانت تي إحدي أقوي الملكات في عصر الدولة الحديثة ثانيا: أثبتت لنا نتائج الأشعة المقطعية أن الهيكل العظمي المتبقي من مومياء المقبرة رقمKV55 بوادي الملوك, والتي تعرف باسم خبيئة العمارنة قد مات صاحبها عن عمر يتراوح بين45 55 سنة, وقد عرفنا أيضا من خلال تحليل الحمض النووي أن هذا الرجل هو ابن الملك أمنحتب الثالث والملكة تي. ثالثا: ومع مقارنة النتائج السابقة بما عثر عليه من ألقاب للملك أخناتون علي التابوت الذي وجد في المقبرة رقمKV55 يتأكد لنا أن هذا الهيكل هو بقايا مومياء الملك اخناتون أول من دعي الي ديانة التوحيد من ملوك مصر القديمة, وقد أكدت نتائج الحمض النووي ان الملك أخناتون لم يكن أبدا إنسانا مشوها أو يحمل تفاصيل أنثوية بالجسم كما تظهر في التماثيل الخاصة به والموجودة بالمتحف المصري. رابعا: تم الكشف عن أن مومياء المرأة الشابة الموجودة بالمقبرة رقمKV35 بوادي الملوك في نفس الحجرة التي عثر فيها علي مومياء الملكة تي التي تحدثنا عنها من قبل.. هي في الحقيقة مومياء أم الملك توت عنخ آمون وأنها ابنة الملك أمنحتب الثالث والملكة تي.. الأمر الذي يؤكد أن الملك أخناتون قد تزوج من أخته وأنجب منها توت عنخ آمون, وللأسف لا يمكن الي الآن تحديد اسم أم الملك أخناتون نظرا لأن أمنحتب الثالث والملكة تي كانا لهما من البنات خمس نعرف أسماءهن, كذلك عثر داخل مقبرة خرو إف بالعساسيف علي مناظر لعدد36 ابنة للملك أمنحتب الثالث أخذت كل واحدة منهن لقب ابنة الملك, لذلك والي الآن من الصعب تحديد اسم هذه الملكة الشابة. خامسا: تم التأكيد علي أن الجنين الأكبر الذي عثر عليه داخل مقبرة الملك توت عنخ آمون في عام1925 هي ابنة الملك توت, وهذه نتائج أولية وليس من المؤكد بعد ان أمها هي المومياء التي عثر عليها داخل مقبرةKV21A. والآن نصل الي سبب وفاة الملك توت عنخ آمون فقد أشارت الدراسات السابقة الي احتمال كون الملك توت عنخ آمون قد اغتيل وذلك بسبب وجود فتحة خلف رأس الملك اعتقدوا انها من تأثير ضربة تلقاها الملك. وقد بدأنا الاهتمام بمومياء الملك توت منذ عام2007, عندما بدأنا في دراسة المومياء عن طريق الأشعة المقطعية, ووجدنا أنه مات عن عمر19 سنة, أما عن الفتحة التي وجدت خلف رأس الملك فهي مما أحدثه المحنطون بالمومياء أثناء تحنيط الملك توت عنخ آمون.. وهناك مومياء الملك أحمس الموجودة بمتحف الأقصر, وقد عثر بها علي نفس الفتحة. وبفحص مومياء الملك توت عثر علي كسر أعلي القدم اليسري اعتقد علماء الأشعة المقطعية انه جاء نتيجة حادث تعرض له الملك قبل ساعات من الوفاة.. وقد عرفنا ان هذا الحادث لا يمكن ان يؤدي للوفاة, وأنه لابد ان يكون هناك سبب آخر, وهذا ما أكدته لنا الدراسات الحالية عن أسرار وفاة الملك توت. وقد لاحظ الدكتور أشرف سليم والدكتورة سحر سليم أن قدم الملك مشوهة, حيث ان العظم مهشم في أكثر من مكان بالقدم, وكان هناك نخر متقدم بدرجة كبيرة نتيجة عدم علاج القدم, الأمر الذي أدي الي سوء حالة الملك الصحية مع الوقت, وقد نتج عن ذلك عدم وصول الدم الي القدم, وحدث تورم خارجي, بالاضافة الي وجود ألم شديد, الأمر الذي أثر علي قدرة الملك علي المشي. وثبت أن الملك كان يعاني من القدم المسطحةFlatFoot ويدعم هذا الرأي ما عثر عليه داخل مقبرة الملك توت عنخ آمون من130 عصا كاملة للمشي, ولم يستطع أي عالم أثري تفسير وجود هذا الكم الكبير من عصي المشي داخل مقبرة الملك. وقد قمت بنفسي بفتح الفاترينة التي تقع أمام حجرة القناع الذهبي ووجدت عصا تدل حالتها علي أن الملك قد استعملها فعلا في حياته, بل وهناك نص هيرو غليفي للملك توت عنخ آمون يقول فيه أنه صنع هذه العصا بنفسه.. الأمر الذي قد يشير الي انه كان في احتياج شديد للتوكؤ علي العصي حتي يستطيع أن يسير بطريقة طبيعية. وقد قرر فريق الحمض النوويDNA أن يبحث في وجود أمراض معينة مثل السل أو الجزام أو الطاعون.. وعلي الرغم من أن العلماء قاموا بهذه الدراسة وهم غير متأكدين من الوصول الي أي نتائج نظرا لنظام التغذية الجيد وحياة الرفاهية التي عاشها ملوك مصر القديمة.. ولكن كانت المفاجأة التي اصابتهم بصدمة وفرح في نفس الوقت.. أما الصدمة فهي أن الملك توت عنخ آمون كان يعاني من مرض الملاريا الشديدة الذي ينقل عن طريق جرثومة الملاريا أو وخذ أنثي بعوضة الملاريا.. ومع البحث في الملاريا قام الفريق العلمي لمشروع دراسة المومياوات المصرية عن طريق دراسة الحمض النووي للبلاسموديوم ووجدوا أكثر من سلالة لهذا الطفيل.. وكان إحداها هي بلاسموديوم فالسيباروم والمسئول عن الملاريا الاستوائية, وهو النوع الأشرس والمميت.. ومن المحتمل أن يكون هذا هو السبب الذي أدي الي وفاة توت عنخ آمون. ولذلك نستطيع ان نقول إن ما حدث للملك توت عنخ آمون من مشاكل صحية وخاصة التورم الموجود بالقدم وخلافه سببه قد يكون زواج الملك أخناتون من أخته ابنة الملك أمنحتب الثالث.. وأنه عاش الي سن19 سنة, وعندما حدثت له الحادثة التي قد يكون سقوطه من علي عجلة الصيد أو حادث عرضي آخر فقد عجل ذلك بموته, حيث كان يعاني من الملاريا الاستوائية. أعتقد أن هذه الدراسات المهمة قد جعلتنا الآن نعرف الكثير عن عائلة الملك توت عنخ آمون.. وبدأنا نعرف أيضا العديد من المومياوات التي كانت مجهولة النسب وكشفت أمامنا جديدا من أسرار الحضارة الفرعونية القديمة, كما لفتت أنظار العالم الي ان العلماء المصريين وفي تخصصات علمية حديثة قادرون علي الكشف عن أسرار حضارتهم أكثر من غيرهم من العلماء الأجانب, وجعلت العالم ينظر الينا كباحثين وعلماء نظرة احترام وتقدير بعد أن كنا فقط نقف نشاهد الأجانب وهم يعملون سواء في مناطقنا الأثرية أو متاحفنا. www.zahihawass.com