السياسة الخارجية الأمريكية تحكمها ثوابت وأهداف لا تتغير بتغير الرئيس, حيث يكون التغيير فقط في إطار الآليات والخطاب, وبالرغم من تبني الرئيس أوباما لخطاب مختلف عن سلفه بوش والمحافظين الجدد. يرتكز علي الحوار والدبلوماسية والتشاور مع الحلفاء في معالجة الصراعات والأزمات الدولية, إلا أنه من المبكر الحكم علي أدائه في فترة عام, لكن مع ذلك يظل الملف الأفغاني هو الاختبار الحقيقي لتقييم أوباما, خاصة بعد إعلانه استراتيجيته الجديدة تجاه أفغانستان بإرسال ثلاثين ألف جندي إضافي وتحديد يوليو2011 كميعاد نهائي لسحب تلك القوات, باعتبار أن أفغانستان تمثل الجبهة الرئيسية في الحرب علي الإرهاب, لكن هل سينجح أوباما في هذا الاختبار الصعب؟ الحالة الأفغانية تمثل معضلة حقيقية وهذا ينبع من تعقيداتها, فبعد تسعة أعوام من الغزو الأمريكي للبلاد وإسقاط نظام طالبان لم تسر الأوضاع في الطريق الصحيح بل زادت تعقيداتها الداخلية والإقليمية, مع فشل الحل العسكري لحلف الناتو في كسر شوكة طالبان, والتي استعادت نفوذها وقوتها مرة أخري حتي أضحت تسيطر علي مناطق بأكملها خاصة في جنوبأفغانستان وفي منطقة الحدود مع باكستان, وفي ذات الوقت لم تشهد البلاد إقامة حكومة مركزية قوية لديها جيش وجهاز شرطة لحفظ الأمن, بل إن هذه الحكومة لم تعد تسيطر فعليا سوي علي العاصمة كابول وتعاني من هشاشة واضحة واتهامات بالفساد والتحالف مع أمراء الحرب والمخدرات. لذلك فإن إستراتيجية زيادة القوات الأمريكية هناك لا يمكن أن تحل المعضلة الأفغانية, خاصة أن الصراع العسكري في البلاد يتسم بطبيعة مختلفة عن الصراعات التقليدية بين الدول, حيث يجري بين قوات نظامية تابعة لأمريكا ودول حلف الناتو وبين مجموعات من الافراد التابعين لطالبان وينتهجون حرب العصابات والاستنزاف البشري للقوات الأجنبية ولا يمكن لأي طرف فيهما أن يحسم الصراع لمصلحته في ظل الطبيعة الجبلية للبلاد, وفي الوقت الذي تستفيد فيه طالبان من حالة اللاحسم العسكري في زيادة قوتها وإعادة تجميع صفوفها, نجد في المقابل أن استمرار هذا الوضع يشكل ضغطا علي قوات التحالف سواء في جانبه العسكري مع استمرار سقوط القتلي, حيث يعد2009 هو الأسوأ للقوات الأمريكية بعد مقتل أكثر من ثلاثمائة جندي وكذلك سقوط عدد كبير من القوات البريطانية والكندية, أو في جانبه المالي مع زيادة النفقات الأمريكية التي تزيد علي ملياري دولار شهريا, أو في جانبه السياسي مع تراجع نسبة تأييد الرأي العام الأمريكي لهذه الحرب وتزايد الضغوط الداخلية علي قادة الدول الحليفة التي تشترك بقوات هناك مثل ألمانيا وفرنسا وكندا والتي أعلنت مؤخرا رفضها إرسال المزيد من القوات إلي أفغانستان. كما أن النهج الامريكي في التعاطي مع الملف الأفغاني يتسم بقدر كبير من التبسيط وإختزال الحل في مجرد القضاء علي طالبان عسكريا وإعادة صياغة البلاد وفق النموذجين الألماني والياباني, وهذا أمر يتجاهل طبيعة أفغانستان كبلد فقير يعاني شح الموارد وتغيب فيه أسس ومقومات الدولة من بنية أساسية وجيش وشرطة, وتغلب فيه الروابط والانتماءات القبلية علي أية ديمقراطية شكلية تحاول الولاياتالمتحدة فرضها علي طريقتها الغربية. كما يبدو الأجنبي في الذهنية الأفغانية, منذ الاحتلال السوفيتي, غريبا يجب مقاومته وإخراجه من البلاد, وهذا ما جعل محاولة الولاياتالمتحدة استنساخ التجربة العراقية في تشكيل قوات صحوة أفغانية لمحاربة تنظيم القاعدة تواجه أيضا بمصير الفشل. ويزداد الأمر صعوبة أمام التحالف الغربي في ظل تشابك الوضع الأفغاني مع الوضع في باكستان المجاورة وتصاعد قوة طالبان الباكستانية وسيطرتها علي منطقة الحدود لتتلاقي مع طالبان الأفغانية في جنوب البلاد خاصة في قندهار وإقليم سوات بحيث أصبح من الصعب علي قوات التحالف تأمين إمداداتها اللوجيستية والعسكرية والغذائية عبر باكستان وفي المقابل فإن سعي واشنطن للبحث عن بدائل أخري عبر المدخل الأقليمي خاصة مع إيران وروسيا والهند لمساعدتها في هذا المستنقع يدخلها في لعبة التحالفات المتغيرة بل و المصالح المتعارضة في كثير من الأحيان. وربما يكون الأجدي لأوباما للتعامل مع المعضلة الأفغانية, والتي ورثها عن سلفه بوش, ليس فقط إرسال المزيد من القوات إنما البحث عن استراتيجية جديدة مغايرة تراعي جيدا الوضع الأفغاني وطبيعته السياسية والاجتماعية والجغرافية, وتقوم علي انتهاج الحل السياسي باستيعاب طالبان خاصة العناصر المعتدلة في العملية السياسية باعتبارها جزءا من النسيج الافغاني وتحقيق المصالحة الأفغانية- الأفغانية وكذلك حشد الدعم المالي الدولي لإعادة إعمار البلاد مع انعقاد مؤتمرالمانحين في لندن هذا الشهر وتحقيق التنمية فيها والقضاء علي الفقر وإحترام سيادة البلاد وإقامة جيش وطني وجهاز للشرطة قادر علي بسط الأمن والنظام, وهذا هو السبيل الوحيد لعزل تيار التشدد وتنظيم القاعدة والخروج من سيناريو العنف اليومي, ويضع أفغانستان علي الطريق الصحيح صوب السلام والأمن والاستقرار أما اعتماد أوباما علي الاسلوب العسكري فهو امتداد لنهج سلفه في العراق, وربما استنساخ تجربة فيتنام مما يعني فشلا مسبقا لأوباما في الاختبار حتي قبل المدة التي حددها لإنهاء المهمة وهذا سيحدد بشكل كبير ما إذا كانت ثورة التوقعات التي صاحبت انتخاب أوباما في إحداث تغيير حقيقي في السياسة الخارجية الأمريكية يصحح تشوهات الحقبة السابقة, قد تبددت أم أنها ستتحقق؟