مأساة أرض الجمعيات تهز الإسماعيلية: القبض على قاتل زميله ب"حجر طوب"    تحكيم دولة التلاوة للمتسابق خالد عطية: صوتك قوى وثابت وراسى    شرم الشيخ.. عقد من الإبداع    بعد إنقاذه 13 طالبة من الغرق.. التضامن تعلن التكفل بأسرة شهيد الشهامة: تعويض ب100 ألف جنيه وتحمل مصروفات الدراسة    10 آلاف كاش باك.. الأوراق المطلوبة وإجراءات استبدال التوك توك بالسيارة كيوت    مصر تفوز بمقعد في الجمعية العامة للمنظمة البحرية الدولية IMO    وزير قطاع الأعمال يلتقي وزيري الصناعة الصيدلانية والصحة الجزائريين لبحث توسيع آفاق التعاون الدوائي    أكرم القصاص: دعم مصر لفلسطين لا يقبل التشكيك ومؤتمر عالمي لإعادة إعمار غزة    علي ناصر محمد: مصر كانت الدولة الوحيدة الداعمة لجمهورية اليمن الديمقراطية    الولايات المتحدة تطالب لبنان بإعادة صاروخ لم ينفجر في اغتيال الطبطبائي    وزير الخارجية لنظيرته الفلسطينية: مصر ستظل داعما أساسيا للشعب الفلسطيني    مدرب نيوكاسل يكشف موقف المصابين قبل المباراة أمام إيفرتون    تشكيل الأهلي - بنشرقي وزيزو يقودان الهجوم ضد الجيش الملكي    ضمن جولته بالاقصر| وزير الرياضة يتفقد تطوير مركز شباب الاتحاد    خدعة القرن: الإخوان على قوائم الإرهاب    رفعت فياض يكشف حقيقة عودة التعليم المفتوح    محمود بسيونى يكتب: جيل الجمهورية الجديدة    صور | مصرع وإصابة 3 في حادث مروري بقنا    محافظ الجيزة : السيطرة على حريق موقع التصوير باستوديو مصر دون خسائر في الأرواح    وزيرة التضامن تعلق على مسلسل «كارثة طبيعية» وتكشف ماذا لو كانت حقيقية    لجنة تابعة للأمم المتحدة تحث إسرائيل على التحقيق في اتهامات تعذيب الفلسطينيين    الإدارة الأمريكية تدرس ترحيل عائلة المواطن الأفغاني المشتبه في حادث واشنطن    علي ناصر محمد يكشف تفاصيل أزمة الجيش اليمنى الجنوبى وعفو قحطان الشعبى فى 1968    مايان السيد تكشف عن موقف مؤثر لن تنساه في «ولنا في الخيال حب»    غدا، الحكم علي التيك توكر محمد عبد العاطي في قضية الفيديوهات الخادشة    المصري يوجه الشكر لبعثة بيراميدز لمساندتها النسور خلال مباراة زيسكو    النحاس يسجل مستوى قياسيا مدفوعا باضطرابات التداول وشح المعروض    خلاف شخصي والحق سيظهر، حلمي عبد الباقي يوضح حقيقة أزمته مع مصطفى كامل    المفتى السابق: الشرع أحاط الطلاق بضوابط دقيقة لحماية الأسرة    يسري جبر يروي القصة الكاملة لبراءة السيدة عائشة من حادثة الإفك    يسري جبر: لو بسط الله الرزق لعباده دون ضوابط لطغوا فى الأرض    جاهزية ثلاثي حراسة الزمالك لمواجهة كايزر تشيفز    أكاديمية الشرطة تستقبل عدد من طلبة وطالبات المرحلة الثانوية    الأرصاد: طقس الغد معتدل على أغلب الأنحاء والعظمى بالقاهرة الكبرى 26 درجة    تلبية لدعوة الشرع.. مئات آلاف السوريين في الساحات لرفض التقسيم ودعم الوحدة    جامعة القاهرة تُكرّم نقيب الإعلاميين تقديرا لدوره البارز فى دعم شباب الجامعات    راموس يستعد للرحيل عن الدوري المكسيكي    فحص 20 مليون و168 ألف شخص ضمن مبادرة الكشف المبكر عن الأمراض المزمنة    زيارة مفاجئة لوكيل صحة أسيوط لمستشفى منفلوط المركزي اليوم    احتفال كبير بمرور 20 عامًا على تأسيس مركز الإبراهيمية للإعلام: "أحلام بتتحقق"    خلال لقاء ودي بالنمسا.. البابا تواضروس يدعو رئيس أساقفة فيينا للكنيسة الكاثوليكية لزيارة مصر    عمر جابر: مواجهة كايزرتشيفز تختلف عن ستيلينبوش    ضبط 3618 قضية سرقة تيار كهربائي خلال 24 ساعة    العائدون من جهنم.. 15 أسيرا فلسطينيا يروون ل اليوم السابع تفاصيل حياة الجحيم داخل زنازين الاحتلال.. العيش كفئران تجارب.. الموت بطعام فاسد وأصفاد لنصف عام تخرم العظام.. وغيرها من أساليب التعذيب حتى الموت    سعر اللحوم في مصر منتصف تعاملات اليوم الجمعة    كامل الوزير يتفق مع شركات بريطانية على إنشاء عدة مصانع جديدة وضخ استثمارات بمصر    تناول الرمان وشرب عصيره.. أيهما أكثر فائدة لصحتك؟    اسعار الاسمنت اليوم الجمعه 28 نوفمبر 2025 فى المنيا    تحقيق عاجل بعد انتشار فيديو استغاثة معلمة داخل فصل بمدرسة عبد السلام المحجوب    في الجمعة المباركة.. تعرف على الأدعية المستحبة وساعات الاستجابة    مشاركة مصرية بارزة في أعمال مؤتمر جودة الرعاية الصحية بالأردن    استعدادات مكثفة في مساجد المنيا لاستقبال المصلين لصلاة الجمعة اليوم 28نوفمبر 2025 فى المنيا    «الصحة» تعلن تقديم خدمات مبادرة الكشف المبكر عن الأورام السرطانية ل15 مليون مواطن    رئيس كوريا الجنوبية يعزي في ضحايا حريق المجمع السكني في هونج كونج    صديقة الإعلامية هبة الزياد: الراحلة كانت مثقفة وحافظة لكتاب الله    صلاة الجنازة على 4 من أبناء الفيوم ضحايا حادث مروري بالسعودية قبل نقلهم إلى مصر    عبير نعمة تختم حفل مهرجان «صدى الأهرامات» ب«اسلمي يا مصر»    أبوريدة: بيراميدز ليس له ذنب في غياب لاعبيه عن كأس العرب    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



صلاح عبدالسيد‏:‏ الشعر يتمدد في قصصي جريحا

لاينسي أول لحظة رأي فيها والده المدرس يكتب حرف الألف علي السبورة‏!‏ ولا أول مرة كتب هو فيها قصيدة‏.‏ لكن النكسة أخرسته لعامين‏,‏ وكان يمشي في الشارع علي غير هدي‏!‏.. وحين برئ من وطأتها بعد عامين خطفته القصة القصيرة‏,‏ فأنتجت مخيلته ثماني مجموعات‏,‏ وخمس روايات‏,‏ ثم سبع مسرحيات وبعض المسلسلات‏. قدمها كلها في صمت‏,‏ من دون مزاحمة علي ضوء أو منفعة‏,‏ مخلصا لشيئين‏..‏ الأدب وتربية الأبناء‏.‏
حين تشاغله فكرة يتأبط أوراقه‏,‏ ويفر من صخب العاصمة إلي هواء رأس البر‏,‏ مرج البحرين يلتقيان عذوبه النيل‏,‏ وملوحة البحر‏,‏ حيث تختلط الأضداد وتصطرع‏,‏ فيضرب علي عرق الأجداد‏,‏ مستنهضا دأب الدمايطة ودقة الأويمجية‏..‏ ليعود إلينا بكتاب جديد‏!‏
‏**‏ القصص الأولي في مجموعتك الأخيرة عكارة الجسد تميل للتجريد‏,‏ فشخصياتها بلا أسماء والفكرة بلا زمان ولامكان وتدور حول الإنساني عامة‏.‏ فهل هي مرحلة الحكمة في الكتابة أم خلو الواقع من القضايا التي شغلتك في أعمالك السابقة‏,‏ أم هي رغبة متجددة في التجريب؟
مامن مبدع في جميع الفنون إلا وانطلق من الواقع ثم حلق إلي آفاق من التجريد‏,‏ ونجيب محفوظ مثلا بدأ تاريخيا في رواياته الثلاث الأولي‏,‏ ثم انتقل الي الواقعية الاجتماعية‏,‏ ومنها إلي الرمزية ثم حلق عاليا في سماء التجريد‏.‏ و أولاد حارتنا فارقة في مسيرته الأدبية حيث انتقل بها فكرة ولغة وتقنية الي العالمية‏,‏ وأنا بدأت واقعيا‏,‏ لكنها واقعية مطعمة بسحر اللفظ والخيال‏,‏ ومحلقة علي تخوم التعبيرية‏,‏ عبر اكثر من مائة وستين قصة قصيرة ضمتها مجموعاتي الثماني وسبع مسرحيات‏,‏ وخمس روايات‏,‏ ومسرحيات وقصص للطفل‏,‏ وعدة سيناريوهات‏.‏ وكنت طيلة تلك السنوات مشغولا بالتجريب وظللت أربي جناحي‏,‏ وأستعد للحظة أقلع فيها إلي فضاء التجريد حيث يسقط مالا لزوم له‏,‏ الأسماء والمكان والزمان‏,‏ ولايبقي غير المطلق الإنساني من بداية الحياة إلي قيام الساعة‏,‏ وأنا لم أبلغ بعد مرحلة الحكمة‏,‏ والواقع لايزال مليئا بالقضايا التي تشغلني ومجموعتي الأخيرة عكارة الجسد توضح ذلك‏,‏ والقصص التي أشرت إليها ليست محاولة طارئة للتجريب‏,‏ فالتجريب عندي لاينفصل عن الإبداع منذ بداياتي‏.‏
‏*‏ وفي المجموعة ذاتها تبدو لغتك شعرية‏,‏ فهل ثمة ارتباط قديم بالشعر‏,‏ أم هي لغة مناسبة للتجريد بعيدا عن معايير القصة التقليدية؟
الشعر أصل الفن‏,‏ إن لم تكن شاعرا‏,‏ فلن تكون مبدعا ففي الشعر تتكون لغتك‏,‏ وصورك‏,‏ وتتعرف علي مراياك وتتسع لك الحياة‏.‏ وأنا حلقت مع شعر الفصحي والعامية ولي ديوان لم يطبع كتب مقدمته الراحل الكبيرزكريا الحجاوي وكنت أجوب بحار الشعر إلي أن صدمتنا هزيمة‏67‏ التي أخرستني عن الكلام لعامين‏,‏ وكنت أهذي في الشارع وبعد ذلك كتبت القصة القصيرة‏,‏ وأولاها كانت الشيء الذي يأتي متاخر جدا‏,‏ عن غياب الحرية‏,‏ ورفضت صباح الخير نشرها واكتشفت عبر مسيرتي الإبداعية أن الشعر يتمدد في قصصي جريحا‏.‏
‏*‏ من يقرأ هذه القصص فسيجد نفسه أمام هم وجودي في علاقة الإنسان بذاته والكون وأسرار الحياة وحالات انشغال روحية غامضة بعيدة عن الواقع‏,‏
فهل ينجذب فارئ الأدب لهذه القضايا‏,‏ ولأي مدي تستوعبها القصة القصيرة؟
المبدع مهموم بالوجود كله وليس بواقعه وحده‏,‏ فالنظرة الضيقة الآنية تحبسه في قفص مجتمعه‏.‏ وكثير من الأدباء انشغلوا بهموم كونية‏,‏ ونجيب محفوظ بحث علاقة الإنسان بذاته وبالكون في روايتيه الشحاذ وقلب الليل ومجموعة همس الجنون ولأن قارئ الأدب له طبيعة خاصة فعليه أن يتعلم‏.‏ فنحن بحاجة لقاريء مبدع ومشارك‏.‏
‏*‏ قصص السفروت والعصفور والبالونة الحمراء بمجموعة العصفور البطل فيها إنسان بسيط معدم وقليل الحيلة في الريف والمدينة حاولت استنهاضه‏,‏وهناك إشارة لأهمية التمرد والحب والفن والبراءة كأدوات مقاومة للقوي التي تصنع بؤسه‏,‏ لكن الواقع يؤكد أن الفقير يزداد فقرا والبؤساء يتضاعفون‏,‏ فكيف ينفعهم الأدب وسط هذه التفاقمات؟
الفن رسالة السماء ولن تخفت أبدا والشر والخير قرينان سيتصارعان إلي نهاية الكون‏,‏ وكلنا ضد هذا الشر المتفاقم‏,‏ ولو توقفنا فسينتصر الشر ولن يكون هناك خير ولاحب ولاجمال‏,‏ ولن نعلي من قيم الحياة النبيلة‏,‏ والكاتب مثل النبي في دعوة مستمرة ضد الشر‏,‏ وإذا كان هناك حصار للحياة‏,‏ فإن الفن الجميل يستطيع أن يخفف من تلك القبضة الصارمة علي رقبة الحياة‏.‏
‏*‏ وفي مجموعتك إنه ينبثق اهتممت بتحولات المظلومين ففي قصة حكايات عن الديناصور عرضت لنهم الكائن الخرافي الرواس وعجز مستغليه عن إطعامه‏,‏ وخوفهم أن يلتهمهم كرمز لقوة المهضومين إذا استيقظوا‏,‏ وفي قصة المائدة توحش الرجل والمرأة ونهشا لحم بعضهما فهل اقتربنا من هذه المخاوف أم نحن في قلبها الآن؟
من الأشياء التي تؤرقني دائما هم الجسد الجمعي والفردي‏,‏ فبينما تعملق الجسد وازداد قوة وشراسة هبطت الروح وذوت حتي كادت تنعدم‏.‏ وفي قصتي عكارة الجسد شغلني توحش الجسد الجمعي‏,‏ وفي قصة جبروت ذهبت إلي أن تعملق الجسد الوحشي الخرافي علي حساب الروح سيؤدي لكارثة وهذا ما أكدته ايضا حكايات عن الديناصور‏,‏ فالسادة استغلوا الرواس كآلة تعذيب في السجون‏,‏ وحين امتد خطره إلي القرية خرج أهلها جميعا لمواجهته بالفئوس وحاصروه في حجرة وقطعوا أذنابه‏.‏
‏*‏ في مقالة لك بعنوان حكايتي مع القلم عن ميلاد أول قصيدة كتبتها تحدثت عن تلك اللحظة كأنها وحي ومقدسة
في الإبداع عامل غيبي غير مفهوم هو نفحة من السماء اختص به بعض البشر وليس مسألة شطارة ولاثقافة‏,‏ فإذا غاب هذا العامل الغيبي اختلت القصيدة‏,‏ وانتحرت القصة‏,‏ وضاع الفن في مسارب الثرثرة والبلادة‏.‏ سم هذا العامل الغيبي ما تشاء لكنه بالحتم ضرورة للمبدع‏,‏ لاينكره إلا الغارق في بركة الحياة‏,‏ وحين كتبت عن والدي الشيخ الجليل الذي عمل مدرسا وناظرا بمدرسة القرية طيلة أربعين عاما كنت أرتعش لأنني أجله ولأنه نفحة السماء للقرية‏,‏ علم رجالها ونساءها‏,‏ وكان يدق علي البيوت في المساء لينبه علي التلاميذ ألا يتغيبوا عن المدرسة‏,‏ كان فقيرا يساعد الفقير‏,‏ وحين كان يشير نحو حرف الألف علي السبورة ويجلجل بصوته ألف كنا نرددها وراءه وكأنه يفتح لنا بوابة الحياة


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.