تشهد الساحة السياسية اليابانية سباقا انتخابيا ساخنا قبل إجراء الانتخابات العامة لمجلس المستشارين الذي يشكل مع مجلس النواب البرلمان الياباني( الدايت). وسوف تمثل نتائج هذه الانتخابات التي ستجري غدا علي121 مقعدا من إجمالي مقاعد مجلس المستشارين البالغ عددها242 مقعدا مؤشرا مهما علي ملامح المستقبل السياسي لثاني أكبر اقتصاد في العالم. حيث تعد هذه الانتخابات بمثابة الفرصة الأولي للناخبين اليابانيين للتعبير عن مدي رضائهم عن الحزب الديمقراطي الياباني الحاكم الذي تولي السلطة في سبتمبر الماضي بعدما أطاح بالحزب الليبرالي الديمقراطي الذي احتكر الحكم في اليابان طوال فترة النصف قرن الماضي. كما ستكشف هذه الانتخابات أيضا عن درجة ثقة الناخبين اليابانيين في حكومتهم الحالية التي شكلها رئيس الوزراء الجديد ناوتؤ كان في بداية شهر يونيو الماضي بعد استقالة رئيس الوزراء السابق يوكيو هاتوياما. وبإلقاء نظرة فاحصة علي البرامج الانتخابية للأحزاب اليابانية المتنافسة في هذه الانتخابات يمكن ملاحظة أمرين مهمين: أولا: أن عصر العولمة أدي إلي حدوث تشابه كبير في سياسات وبرامج الحزبين الرئيسيين في اليابان خاصة في المجال الاقتصادي والدبلوماسي. حيث تعهد كل من الحزبين بزيادة ضريبة الاستهلاك وخفض الضرائب علي الشركات من أجل إصلاح الأوضاع المالية في اليابان. وهو ما يعد تغيرا جذريا عن الممارسات السياسية السابقة في اليابان. ففي الماضي كان من المعهود في حالة ميل أحد الأحزاب الكبري إلي زيادة ضريبة معينة ان يقوم الحزب المنافس برفض هذه الزيادة في محاولة لكسب أصوات الناخبين غير الراغبين في زيادة الضرائب. أما في الوقت الحالي فيبدو أن الحزبين الكبيرين في اليابان قد أدركا خطورة الوضع المالي الراهن ووصوله إلي مرحلة حرجة لا يمكن تجاهلها ومن جهة أخري تشابه الحزبان الكبيران أيضا في تعهدهما بخفض الضرائب علي الشركات من أجل رفع قدراتها التنافسية وزيادة جاذبية العمل في اليابان. وعلي الصعيد الدبلوماسي تعهد الحزبان الكبيران باستعادة الثقة مع الولاياتالمتحدة في أسرع وقت ممكن بعد تدهورها أثناء فترة الحكومة السابقة نتيجة التوتر بين البلدين بشأن نقل قاعدة فوتينما الجوية التابعة لقوات المارينز الأمريكية من جزيرة أوكيناوا. ثانيا: رغم اتفاق الحزبين الكبيرين في كثير من توجهاتهما الاقتصادية والدبلوماسية لاتزال هناك اختلافات ملموسة بين الحزبين في عدد من المجالات الأخري. ويفسر عدد من المتابعين للشأن الياباني هذه الاختلافات بأنها ترجع إلي أن قادة الحزب الديمقراطي الياباني الحاكم يرغبون في تغيير شكل الدولة اليابانية للتكيف مع المستجدات المحلية والعالمية بينما يحرص ساسة الحزب الليبرالي الديمقراطي المعارض علي حماية شكل هذه الدولة للمحافظة علي التقاليد اليابانية المتوارثة وخصوصية الشعب الياباني. فعلي سبيل المثال يدافع الحزب الديمقراطي الياباني الحاكم عن حق المرأة في الاحتفاظ بلقب عائلتها بعد الزواج كما يؤيد الحزب أيضا منح الاجانب ذوي الإقامة الدائمة حق التصويت في الانتخابات المحلية. وفي المقابل يتعهد البرنامج الانتخابي للحزب الديمقراطي الليبرالي المعارض بالدفاع عن حصول المرأة علي لقب عائلة زوجها بعد الزواج. كما يعارض الحزب أيضا مسألة منح الأجانب الحاصلين علي الإقامة الدائمة حق التصويت في الانتخابات المحلية. وبعيدا عن البرامج الانتخابية للأحزاب اليابانية الكبري يؤكد العديد من المراقبين أن الاهتمام في هذه الانتخابات سيتمحور حول قدرة الحزب الحاكم علي تأمين الأغلبية في مجلس المستشارين حتي يصبح قادرا علي تمرير مشروعات القوانين التي يرغب فيها من البرلمان بمجلسيه( النواب والمستشارين. حيث يحتاج الحزب إلي الفوز بستين مقعدا من المقاعد ال121 التي سيتم التنافس عليها. إلا أن عددا من المراقبين يستبعد إمكانية نجاح الحزب في تحقيق هذا الفوز في ضوء استطلاعات الرأي التي أجريت مؤخرا والتي أشارت إلي تراجع التأييد الشعبي لحكومة رئيس الوزراء ناوتؤ كان بعد تصريحاته الخاصة بإمكانية رفع ضريبة الاستهلاك إلي10 في المائة إلي أقل من45 في المائة بعدما كان هذا التأييد أعلي من60 في المائة بعد تشكيل حكومته في بداية الشهر الماضي. وعلي الأرجح سيؤدي عدم قدرة الحزب الديمقراطي الياباني علي تحقيق الاغلبية في مجلس المستشارين إلي حدوث حالة من الشلل والانسداد السياسي في اليابان لأنه في حالة رفض مجلس المستشارين لأحد مشروعات القوانين المقدمة من الحكومة الحالية فلن يكون أمام الحزب قدرة علي تمريره من مجلس النواب لأنه يفتقر إلي نسبة الثلثين في مجلس النواب والتي تسمح بتمرير مشروعات القوانين في حالة رفض مجلس المستشارين. وسيترتب علي ذلك في الغالب دخول الحزب الحاكم في ائتلاف مع عدد من الأحزاب الصغيرة مما سيكسبها قوة كبيرة في العمل السياسي قد لا تتناسب بالضرورة مع وزنها الحقيقي علي الساحة السياسية. كما قد يؤدي فشل الحزب الحاكم في تحقيق الاغلبية في مجلس المستشارين إلي استقالة رئيس الوزراء أو إخفاقه في مواجهة خصومه السياسيين في إنتخابات رئاسة الحزب المقررة في سبتمبر المقبل. وهو الأمر الذي سيفتح الباب أمام موجة جديدة من عدم الاستقرار السياسي في ثاني أكبر اقتصاد في العالم. ولذلك يمكن القول إن الانتخابات المقبلة لمجلس المستشارين الياباني سوف تكون فاصلة في تحديد المستقبل السياسي لرئيس الوزراء الحالي وحزبه وسوف نكون حريصين علي متابعة هذه التداعيات في الأيام المقبلة.[email protected]