قد كان من الممكن أن يكون عنوان المقال فن السفالة لكني خشيت صدمة القاريء, وإن جاء في قاموس الصحاح أن النذالة هي السفالة, والنذل في معناه الصحيح هو الخسيس.. ولا حرج من استعمالها عند الحاجة ولا تنتقص من قيمة قائلها. ومن فقه الندالة أيضا ما قاله الخليل بن أحمد في كتابه العين: النذل من تزدريه في سلوك مشين غير متوقع, وهو المحتقر بين الناس في جميع أحواله, وقال الإمام الشافعي في تهذيب الأسماء: لا وفاء لعبد, ولا شكر للئيم, ولا صنيعة عند نذل. ولما كانت الكتابة هي البوح فوق الورق, والبوح, أمطار تسقط فوق هضبة النفس وتتجمع علي سن قلم, يروق لي السباحة في بحار النفس البشرية, وأرسو علي ميناء رصد لأحوال الخسة والنذالة, ولا قيمة للون الأسود إلا تمييز الأبيض, واذا كان في المجتمع مواقف طهر ونقاء, فهناك بالطبع مواقف خسيسة من صنع أندال ومفردها ندل, يصدر منه خسة في العقل, أو عمل غادر يحوي بشاعة في السلوك ونوعية شر دنيء, ولا يختلف الناس عادة حول شخصية الندل الخسيس, والمعايير في الحكم ليست أخلاقية فقط, بل تضرب الأعراف المتفق عليها في مقتل. إن صور الندالة في المجتمع لا تعد ولا تحصي, والدراما السينمائية اهتمت بالنذالة كسلوك إنساني مقيت, فالبطل يظهر في ثوب الحملان, وفي لحظة ما ينقلب الي ثعلب وذئب, ويقتنص الفريسة البريئة, كان أشهر من جسد الندالة علي الشاشة الراحل محمود المليجي, بيد أنه كان من أطيب البشر, وكانت الراحلة زوزو شكيب بارعة في أدوار الخسة حتي تكتشف, فتبكي بدل الدموع دما! المهندس الذي قتل أولاده وهم نائمون( حالة ندالة), لم تشفع له ثقافته وتعليمه, أيام الانقلابات العسكرية في سوريا حفظت مثلا سوريا يقول( لما تحفر الأرض هون, تطلع مية.. وفتن)! والمقولة العربية البليغة تقول( علمته الرماية, فلما اشتد ساعده.. رماني), انها ندالة مع سبق الاصرار والترصد, وكم في الحياة تعلموا الرماية, فلما اشتد الساعد رموا من علموهم بالطوب, وتلك هي الخسة بعينها, الجحود, منتهي الندالة وهناك جحود عاطفي وجحود سياسي, والجحود العاطفي شائع في زمان( المرأة الصفقة) حيث تربح بخسائر محدودة, والجحود السياسي فصل حي من فصول الندالة, حيث لعبة الكراسي الموسيقية ومحمصة السياسة التي تأتي بعاليها.., أسفلها في غمضة عين: جحود الأبناء, ندالة وخسة تزويج القاصرات لأثرياء عرب, ندالة آباء, خدش حياء المشاهدين, ندالة برامج, ابتزاز شرفاء بالكلمة, ندالة صحافة, معارك بين أولاد عمومة بالسلاح, ندالة عائلات, هتك عرض تلميذات من مدرس دروس خصوصية, ندالة مرب, قطع غيار فاسدة واعادة عرضها للبيع مغلفة بعناية, ندالة تجار, عرض أدوية منتهية الصلاحية علي مرضي أميين, ندالة صيدلي, سرقة الأطفال الرضع بالاتفاق مع ممرضات مستشفي ندالة تمريض, تسفير شباب مصري ساذج بحجة العمل بره مصر والغرق علي سواحل أوروبا, ندالة سمسار, توسيع خلاف تافه بين مصري مسلم ومصري قبطي, ندالة مواطنة, تحريض بلطجي علي قتل أقباط ليلة عيد الميلاد, ندالة سياسي, الغش في ألبان الأطفال السائلة والجافة, ندالة رقابة, قتل ضابط شرطة برصاص غادر من تجار مخدرات مطاردين, ندالة متربحين, اعتداء ابن علي أمه وهي تصلي, ندالة تربية, سقوط عمارة فوق سكانها بسبب الأسمنت المغشوش, ندالة مقاول, العرض غير الأمين علي المسئول, ندالة ادارية, سرقة التراث المصري للفن مقابل حفنة دولارات, ندالة مواطن, عرض لحوم الكلاب والحمير في محل جزارة, ندالة وخسة جزار, تجاهل ذكري عمالقة أعطوا مصر ورحلوا, ندالة ثقافية, سرقة أراضي الدولة بالقانون والتحايل المحبوك ندالة لصوص, ضرب امرأة عفيفة, ندالة ذكر.. وهكذا نكتشف أن نبات الندالة والخسة ينبت علي سفوح مصر وهو نبات شيطاني صنعته ظروف البلد وتحوله من مصر واحدة الي عشرة أمصار, ولم ينقلب الهرم الاجتماعي فقط, بل سقط مثلث القيم, خطورة الأمر, أنه أمس كان المنفلت, شعر بانفلاته, وتثقبه نظرات المجتمع ويعبر الناس بقولهم( ده راجل ندل), الآن, الأمر مختلف, فالندل لا يشعر بحجم ندالته, والخسيس لا يدرك مدي خسته, وربما أخذت الندالة( أوصافا) أخري مثل الشطارة والمهارة والفهلوة والجدعنة(!!) وعندي تفسير متواضع للندالة, وهي أنها نتاج تكوين نفسي مشوه, وضعف انتماء لبلد, وفجوة بين ثراء مهول وفقر أكثر هولا, واختفاء للوازع الديني برغم انتشار مهنة الدعاة, ورقابة تائهة, ونظم وقوانين فيها ثغرات وسلطان منهج( شيلني وأشيلك) و(من قدم السبت لقي الحد), صحيح, هناك أمن يقظ وأجهزة رقابية صاحية ولكن النشال أذكي من فريسته,! ولعل الوافد الجديد علينا هو العولمة و.. الندالة.