«الدفاع والداخلية» تبحثان تعزيز التعاون الأمني تزامناً مع احتفالات العام الميلادي الجديد    وزير التعليم العالي يترأس اجتماع مجلس الجامعات الأهلية    «الإسكان» تعلن بيع محال تجارية وورشا بمدينتي العلمين وبرج العرب الجديدتين    القابضة الغذائية: التنسيق مع تجارية القاهرة لإقامة معارض «أهلاً رمضان 2026»    محافظ المنوفية يطلق التشغيل التجريبي لمشروع صرف صحي تلا.. صور    صعود البورصة بمنتصف التعاملات مدفوعة بمشتريات من المستثمرين الأجانب    روسيا تدعو لضبط النفس بعد تهديد «ترامب» بضرب إيران    الاتحاد الأفريقى يجدد دعمه لسيادة ووحدة الصومال    الكنيست يصادق نهائيا على قطع الكهرباء والمياه عن الأونروا    الكرملين: محاولة نظام كييف مهاجمة مقر بوتين عمل إرهابى لتعطيل عملية التفاوض    أمم أفريقيا 2025| اليوم.. حسم التأهل والمراكز في المجموعة الرابعة    اتحاد الكرة يعلن مواعيد فترة القيد الثانية للموسم الحالي    صلاح سليمان: كان الأفضل مشاركة الشناوي أمام أنجولا.. وصلاح محسن لم يظهر بالشكل المطلوب    مجلس الزمالك يمنح الأولوية لحل الأزمة المادية بالنادي    راموس يقترب من نيس ليشكل ثنائياً دفاعياً مع محمد عبد المنعم    رفع جلسة محاكمة رمضان صبحى و3 آخرين بتهمة التزوير للنطق بالحكم    ضبط أكثر من 12 طن دقيق مدعم خلال حملات التموين في 24 ساعة    طقس ليلة رأس السنة.. الأرصاد تحذر المواطنين من الأجواء شديدة البرودة مساء    تأخير أسبوعي يربك حركة المترو.. أعمال مفاجئة لشركة المياه تبطئ الخطين الأول والثاني    بهذه الطريقة.. أحمد الفيشاوي يحتفل بالعام الجديد    عاشور: افتتاح مستشفى جامعة الجيزة يجسد رؤية الدولة نحو بناء نظام صحي حديث    وزارة الصحة: تقديم 22.8 مليون خدمة طبية بمحافظة الشرقية    معبد الكرنك يشهد أولى الجولات الميدانية لملتقى ثقافة وفنون الفتاة والمرأة    محافظ بني سويف يتابع استعدادات امتحانات الفصل الأول لصفوف النقل والشهادة الإعدادية    حمدي السطوحي: «المواهب الذهبية» ليست مسابقة تقليدية بل منصة للتكامل والتعاون    حازم الجندى: إصلاح الهيئات الاقتصادية يعيد توظيف أصول الدولة    نقل مقر مأموريتين للتوثيق والشهر العقاري بمحافظتي القاهرة والوادى الجديد    "تبسيط التاريخ المصري القديم للناشئة" بالعدد الجديد من مجلة مصر المحروسة    فيديو.. متحدث الأوقاف يوضح أهداف برنامج «صحح قراءتك»    محافظة الجيزة تعزز منظومة التعامل مع مياه الأمطار بإنشاء 302 بالوعة    الأهلى ينعى حمدى جمعة لاعب الفريق الأسبق بعد صراع مع المرض    الرعاية الصحية: 25.5 مليار جنيه التكلفة الاستثمارية لمحافظات إقليم الصعيد    الصحة تنفذ المرحلة الأولى من خطة تدريب مسؤولي الإعلام    الهلال الأحمر المصري يطلق قافلة زاد العزة ال105 مُحملة بسلال غذائية ومواد طبية وشتوية لدعم غزة    وزير الري يتابع موقف مشروع تأهيل المنشآت المائية    رئيس جامعة الجيزة الجديدة: تكلفة مستشفى الجامعة تقدر بنحو 414 مليون دولار    بنك مصر يخفض أسعار الفائدة على عدد من شهاداته الادخارية    فطيرة موز لذيذة مع كريمة الفانيليا    إليسا وتامر وعاشور في أضخم حفلات رأس السنة بالعاصمة الجديدة    اسعار الفاكهه اليوم الثلاثاء 30ديسمبر 2025 فى اسواق المنيا    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم الثلاثاء 30-12-2025 في محافظة الأقصر    تعاني من مرض نفسي.. كشف ملابسات فيديو محاولة انتحار سيدة بالدقهلية    كامل الوزير: تكثيف جهود التصدى للتهرب الجمركى والممارسات الضارة بالصناعة    وزير الصحة يعلن خطة التأمين الطبي لاحتفالات رأس السنة الميلادية وأعياد الميلاد المجيد 2026    «التضامن» تقر توفيق أوضاع جمعيتين في محافظة القاهرة    لهذا السبب| الناشط علاء عبد الفتاح يقدم اعتذار ل بريطانيا "إيه الحكاية!"    القبض على المتهمين بقتل شاب فى المقطم    هدى رمزي: مبقتش أعرف فنانات دلوقتي بسبب عمليات التجميل والبوتوكوس والفيلر    إصابة منصور هندى عضو نقابة المهن الموسيقية فى حادث تصادم    إعلام فلسطيني: طائرات الاحتلال تشن غارات شرقي مخيم المغازي وسط قطاع غزة    محافظة القدس: الاحتلال يثبت إخلاء 13 شقة لصالح المستوطنين    حسام عاشور: كان من الأفضل تجهيز إمام عاشور فى مباراة أنجولا    ترامب يحذّر حماس من «ثمن باهظ» ويؤكد التزام إسرائيل بخطة الهدنة في غزة    في ختام مؤتمر أدباء مصر بالعريش.. وزير الثقافة يعلن إطلاق "بيت السرد" والمنصة الرقمية لأندية الأدب    أمم إفريقيا – خالد صبحي: التواجد في البطولة شرف كبير لي    ما أهم موانع الشقاء في حياة الإنسان؟.. الشيخ خالد الجندي يجيب    هل تجوز الصلاة خلف موقد النار أو المدفأة الكهربائية؟.. الأزهر للفتوى يجيب    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم الإثنين 29-12-2025 في محافظة الأقصر    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



من القاهرة
رسالة العمران
نشر في الأهرام اليومي يوم 03 - 07 - 2010

ليس سهلا أن تمشي في حقل الألغام‏,‏ وعندما تجتمع المدونات والصحف والبرامج المسائية والصباحية في التليفزيون علي أمر‏ فإن الصمت يصبح من الأمور المحمودة‏,‏ ولكن الواجب يقضي أنه ليس في الكاتب خير إذا لم يقل كلمة الحق حينما يحين وقتها‏,‏ ولا خير فيمن يقرءون أو يستمعون إذا لم يستمعوا إليها‏.‏ ومنذ فترة طويلة تردد الحديث عن أرض مصر وبيعها للأفراد والشركات والمستثمرين من الداخل والخارج‏,‏ ومع الحديث كثر الهمس مع الغمز واللمز‏,‏ ومن وقت لآخر كان الهجوم يظهر فجأة إزاء واقعة أو أخري‏.‏ أما الأسبوع الماضي فقد كان العاصفة بعينها‏,‏ حيث لا يصح قول أو نقاش دون أن يحل فساد استثمار الأرض في الموضوع‏,‏ وبشكل أو بآخر لم يبق في أرض مصر علي الشاشات التليفزيونية سوي مشروعات شاهدة علي فساد وعفن المحسوبية والعلاقات الخاصة‏.‏
وقبل أن ندلف إلي قلب الموضوع‏,‏ فإن التحذير واجب وهو أنه في كل أمر تأتي كلمة القانون وحكمه فهو فوق وقبل وبعد كل شيء‏,‏ وحتي لا يغلب سوء النية أو فساد القصد‏,‏ فإن الدفاع هنا ليس عن هذا أو ذاك ممن تتردد أسماؤهم في القضايا‏,‏ وإنما هو دفاع عن العمران في مصر‏.‏ فالخشية الكبري ليست من إحقاق الحق أو إقامة العدل‏,‏ والخوف الأعظم ليس من ضرورة الشفافية والمحاسبة واعتدال الميزان‏,‏ ولكن الخشية والخوف يأتيان من أن يكون الضحية الأولي لما يدور حيث يحل التحريض محل الحديث‏,‏ والتسفيه محل الجد عند تناول قضية الأرض في مصر هو الاستثمار فيها بمشروعات التنمية‏,‏ وباختصار العمران الذي هو رسالة الإنسان الأولي في الوجود‏.‏ فما يحدث عادة أنه وسط أزيز العاصفة‏,‏ واللغة العنيفة بأوصاف الحيتان ومصاصي الدماء‏,‏ يضيع حق الناس في العمل والبناء والمسكن والعيش الكريم في بيئة نظيفة وقابلة للحياة‏.‏
وحتي تظهر القضية بوضوح تعالوا نغمض أعيننا لثوان قليلة ونتخيل اختفاء مدن السادس من أكتوبر‏,‏ والقاهرة الجديدة‏,‏ وبدر والشروق والعبور والسادات‏,‏ و‏15‏ مايو والعاشر من رمضان والفيوم الجديدة وبرج العرب الجديدة‏,‏ وبني سويف الجديدة والمنيا الجديدة‏,‏ وكل المدن الجديدة التي نشأت حول وادي النيل‏.‏ وتعالوا نغمضها مرة أخري لثوان حتي نتخيل حال ساحل البحر الأحمر الذي يبدأ بنحو‏100‏ كيلومتر علي خليج السويس دون منطقة العين السخنة‏,‏ حيث تنتشر مناطق السكن والسياحة والصيد واليخوت جنبا إلي جنب مع المصانع والمحاجر ومناطق توليد الطاقة من الرياح في الزعفرانة‏.‏ ولا تفتح عينيك مرة أخري قبل أن تتصور اختفاء ألف كيلومتر أخري ممتدة من رأس غارب حتي منطقة حلايب وشلاتين‏,‏ حيث تمتد حواضر السياحة والغطس والمناجم والوجود السكاني في الجونة والغردقة وسفاجا والقصير‏,‏ وسهل حشيش وخليج سومة وبرنيس حتي تشاهد تلك اللؤلؤة الجديدة بين الصحراء الذهبية والمياه الزرقاء في مرسي علم‏,‏ حيث يوجد فيها وحدها‏42‏ فندقا‏,‏ وهي المدينة التي لا تزال في بداياتها الأولي‏.‏ ولعل صبرك يظل باقيا وعينيك مغلقة فتتخيل اختفاء مدينة عالمية بحجم شرم الشيخ وتوابعها علي خليج العقبة في دهب ونويبع وطابا‏,‏ وشرق خليج السويس حيث رأس سدر وتوابعها هي الأخري‏.‏ ولعلك سوف تعرف بقية القصة عندما تتجاهل الساحل الشمالي الذي كان صحراء قاحلة عندما غنت له ليلي مراد عند شط الغرام‏,‏ وأصبح دنيا عامرة علي امتداد‏500‏ كيلومتر بين الإسكندرية ومرسي مطروح‏.‏
ماذا كان سيحدث لو اختفي كل هذا العمران‏,‏ وما هو أكثر منه ولا يسعنا وصفه حتي لا تظل العيون مغلقة لوقت طويل‏,‏ ومصر قد بلغ عدد سكانها‏84‏ مليون نسمة‏,‏ يزيدون كل عام مليونين من السكان يطلبون السكن والعمل؟ بالطبع عند الحكمة والرشد كان ذلك سيعد كارثة عظمي‏,‏ وما جري من امتداد العمران المصري من‏3%‏ من أرض مصر قبل ثلاثة عقود إلي‏7%‏ الآن‏,‏ كان هو الإنقاذ الذي سمح بخلق فرص الاستثمار والعمل والسكن والتصدير الصناعي والزراعي ومضاعفة أعداد السائحين‏,‏ ومن الممكن استنتاج النتيجة المظلمة لو جري التوقف الآن عن تلك المسيرة‏,‏ لأننا لم نعط العمران حقه الذي يستحقه في النقاش العام‏.‏
وللحق فإن الزيادة السكانية ومتطلبات التقدم الوطني كانت تقتضي مزيدا من استغلال الأرض المصرية الشاسعة التي تزيد قليلا علي مليون كيلومتر مربع‏,‏ أي ثلاثة أمثال كل من بريطانيا واليابان‏.‏ ولمن لا يعلم‏,‏ فإنه يوجد في نيل القاهرة وحدها‏15‏ جزيرة‏,‏ أما في النيل المصري كله فيوجد‏144‏ جزيرة منتشرة أمام‏818‏ قرية ونجعا ومركزا في‏16‏ محافظة‏(‏ الأقصر أسوان قنا سوهاج أسيوط المنيا بني سويف الجيزة القاهرة القليوبية المنوفية الغربية كفرالشيخ البحيرة الدقهلية دمياط‏).‏ وهذه الجزر موزعة من أسوان حتي قناطر الدلتا‏(55‏ جزيرة‏),‏ وفرع رشيد‏(30‏ جزيرة‏),‏ وفرع دمياط‏(19‏ جزيرة‏),‏ وتبلغ مساحة الجزر‏1550‏ كم مربع أي مثلي دولة ونصف دولة سنغافورة‏,‏ وأكثر من ثلاثة أمثال دولة البحرين‏,‏ وأكثر من مثل ونصف مساحة مدينة هونج كونج الشهيرة‏,‏ وأكثر من‏25‏ مثلا قدر جزيرة مانهاتن الشهيرة أيضا في نيويورك‏,‏ ومن المؤكد أن كلا منها يصلح لأن يكون مكانا للسكن والحضارة لا تختلف كثيرا عن حي جزيرة الزمالك‏,‏ أو حي جزيرة المنيل‏.‏ وكل ذلك بخلاف‏81‏ جزيرة في البحر الأحمر‏,‏ كلها لا تقل روعة عن جزر بحر الكاريبي‏,‏ ولكنها لأسباب لا داعي لمناقشتها الآن غير مأهولة علي الإطلاق‏,‏ أو أنها تستخدم كممر لأغراض غير مشروعة‏,‏ أما الجزر النيلية‏,‏ فإن الشائع عن أغلبها أنها تستخدم في زراعة البانجو والأفيون والمارجوانا وتصنيعها‏,‏ وكذلك تنتشر في جزر أخري تجارة السلاح‏.‏
كل ذلك كان يمكن استغلاله ويشكل إضافة عظمي لما حدث بالفعل‏,‏ وكان ممكنا لرأس المال الميت أن يكون حيا بالعمران والحضارة‏,‏ ولكن ما حدث بالفعل هو أنه كانت هناك ستة مقتربات تجاه الأرض المصرية‏.‏ أولها‏:‏ كان هناك من يفضلها بائرة جدباء‏,‏ فإذا ما اقترب استثمار من جزيرة أو أرض دوت الصرخات في البراري حول الاستغلال والغني الفاحش والصفقات والمال الحرام وبيع مصر‏.‏ وكانت نتيجة الصرخة في كثير من الأحوال أن تعود الصحراء إلي أهلها علي حالها عفيفة نقية لم يمسسها لا بشر ولا مسكن ولا مصنع‏,‏ وبقيت الجزر علي ما كانت عليه تنتج الشعير وأسماك البلطي أحيانا‏,‏ والمخدرات في أحيان أخري‏.‏
وثانيها‏:‏ جاء من الفلاحين الذين وجدوا مع السياسات الاشتراكية في تسعير السلع الزراعية من أجل الفقراء أيضا أن ثمن التراب أعلي بكثير من ثمن الطعام‏,‏ فجري تجريف الأرض وبيعها طينا‏,‏ وبعد بوارها جري البناء عليها بعدما لم يبق من خيرها وعذريتها ما لم ينتهك‏.‏ وعلي الرغم من الإجراءات الصارمة والعقوبات المقررة علي مخالفات التعديات بالبناء علي الأراضي الزراعية‏,‏ إلا أنها مازالت قائمة‏,‏ سواء في الحضر أو الريف‏,‏ ولكنها تتزايد في الريف‏.‏ وعلي سبيل المثال لا الحصر‏,‏ بلغ عدد حالات التعدي علي الأراضي الزراعية‏2491‏ حالة في محافظة واحدة وهي سوهاج منذ بداية العام الحالي حتي منتصف يونيو‏2010.‏
وثالثها‏:‏ جاء من الفقراء الذين قرروا أن يحصلوا علي الأرض بطريقتهم الخاصة‏,‏ ومعها مصادر المياه والكهرباء والصرف الصحي‏,‏ ووضعوا كل ذلك في حالة نقية من الفوضي سميناها بعد ذلك المناطق العشوائية‏.‏ والحقيقة أنه لا يوجد إحصاء دقيق لعدد المناطق العشوائية في مصر‏,‏ حيث اختلفت التقديرات حول عددها بين‏1221‏ و‏1171‏ منطقة‏,‏ يسكنها حوالي‏15‏ مليون نسمة‏,‏ منهم‏6.1‏ مليون في القاهرة الكبري‏.‏
ورابعها‏:‏ كان المقترب الذي كانت تتبعه حكومتنا حتي وقت قريب‏,‏ ولست متأكدا في الواقع أنها توقفت عن هذا المنهج لمعالجة أزمة الإسكان‏,‏ وهو أنه مادامت هناك أزمة فإن عليها مواجهتها ببيروقراطيتها العتيدة من خلال البناء الحكومي الذي عرف بالمساكن الشعبية‏.‏ وكان المثال التاريخي لها هو ما عرف بمساكن عين الصيرة‏,‏ التي صارت نموذجا تم نسخه في معظم بقاع الجمهورية حتي أدركت الدولة أنه يستحيل عليها بناء مسكن لكل مواطن‏,‏ فتباطأت أو توقفت عن بناء القبح حينما وجدت أنه لا يوجد إقبال علي ما تبنيه‏.‏
وخامسها‏:‏ كان ذلك المقترب الذي تبنته النقابات المهنية والتعاونيات لبناء الفيلات والمساكن بأنواعها ومساحاتها المختلفة من خلال اشتراكات الأعضاء‏,‏ وهذه تجربة تستحق أن تروي لا سيما تلك التي قامت بها نقابة الصحفيين في محاولاتها المختلفة لبناء قرية علي الساحل الشمالي غرب الإسكندرية‏,‏ كان مصممها أعظم من عرفت مصر من المعماريين العظيم حسن فتحي وقرية أخري تدعي بالوظة علي ساحل سيناء الشمالي‏,‏ وحي بأكمله بالتجمع الخامس‏.‏ ولم يكن الصحفيون وحدهم هم من سعوا إلي البناء‏,‏ بل كانت جميع النقابات المصرية‏,‏ وكانت النتيجة في كل الأحوال استمرار عملية البناء لعشرات السنين‏,‏ وارتفاع التكلفة لأكثر مما هو موجود في السوق‏,‏ ونوعية عرفت بمدينة المقابر في واحدة منها‏,‏ أما بالوظة التي اشتركت فيها فلم يتم بناؤها علي الإطلاق‏,‏ ولا أعرف حتي الآن مصير ثمانية آلاف جنيه دفعتها فيها‏.‏
المقترب السادس ويا للغرابة كان هو الذي استحوذ علي القدر الأكبر من الغضب الصحفي والإعلامي خلال السنوات الماضية رغم أنه كان السبب في بناء غالبية ما أشرنا إليه وطلبنا منك عزيزي القارئ أن تغمض عينيك للحظات وتتصور اختفاءه‏,‏ هذا المقترب قام علي تعاون الدولة مع القطاع الخاص في مجال استغلال الأرض وبناء المدن الجديدة المشار إليها بهدف تخفيف الضغط السكاني علي المدن القائمة‏.‏ وضمن هذا الإطار برز دور القطاع الخاص في عدد كبير من المشروعات الإسكانية‏,‏ حيث برزت طموحات جديدة لفئة من المصريين لامتلاك نمط جديد من السكن‏,‏ بأسعار معقولة وبنظام الأقساط المريحة‏,‏ بحيث ظهرت بعض المشروعات الإسكانية مثل مدينتي والرحاب ودريم‏,‏ وتشمل مناطق سكنية مختلفة من فيلات وعمارات‏,‏ تتوسطها مساحات خضراء‏,‏ فضلا عن نواد رياضية وخدمات اجتماعية ومبان إدارية ومراكز تجارية‏.‏ مع الأخذ في الاعتبار أن تركيبة الطلب المتعارف عليه في سوق العقارات في مصر‏5%‏ للإسكان الفاخر‏,‏ و‏35%‏ للإسكان المتوسط و‏60%‏ للإسكان الاقتصادي والشعبي‏.‏ وضمن هذا الإطار ظهر نظام المطور العقاري الذي يقوم بعملية تنظيم البناء بين المستهلكين والبنوك والمقاولين‏,‏ وهو النظام المعمول به في معظم الدول المتقدمة‏,‏ حيث يقوم علي قدر من المخاطرة عندما تبدأ عملية تطوير مناطق بأكملها تكون موحشة مهجورة في أولها‏,‏ ولكنها تنتهي مأهولة ونموذجا للعمارة المتقدمة في آخرها‏.‏ وفي الحقيقة فإنه لم يكن متصورا ما جري لمدينة السادس من أكتوبر دون مشروع دريم الإسكاني والخدمي‏,‏ وما كان متوقعا أن تصل القاهرة الجديدة إلي ما وصلت إليه دون مشروع‏'‏ الرحاب‏',‏ ولا أظن أن المساحة من الصحراء الجدباء بين القاهرة الجديدة والإسماعيلية سوف تبقي علي حالها بعد مشروع مدينتي‏,‏ وهناك من الأمثلة علي الطرق الصحراوية الشاسعة المساحات الخالية ما هو أكثر‏.‏
وللحق فإن كل ذلك لم يكن ممكنا حدوثه‏,‏ ولظلت مصر حتي الآن أسيرة خلو الرجل والأزمة الإسكانية المدمرة‏,‏ لولا أن الدولة المصرية بدأت عملية اختراق كبري للأرض المصرية لكي يتم غزوها بالمصريين من خلال تحديث الطرق المصرية القائمة وإضافة قائمة جديدة لها تصل إلي ما لم يصل له المصريون من قبل‏,‏ وهكذا قامت الدولة بتنفيذ عدد من الطرق التي تستهدف جذب الاستثمارات‏,‏ ودفع عملية التنمية في محافظات الصعيد‏,‏ حيث تم تدشين طريق الصعيد البحر الأحمر الذي يربط محافظة أسيوط بمواني البحر الأحمر مباشرة بطول‏345‏ كيلومترا‏.‏ وقد بلغت تكلفة المشروع مليارا و‏600‏ ألف جنيه‏,‏ ووصل طول وصلة أسيوط حتي تقاطع طريق سوهاج سفاجا‏113‏ كيلومترا‏.‏ ويتيح المشروع إقامة نحو‏11‏ تجمعا عمرانيا علي جانبيه‏.‏ كما يوفر إمكانية استصلاح‏200‏ ألف فدان‏.‏ وتصل مساحة الأرض المخطط تخصيصها علي جانبي الطريق إلي نحو‏54‏ ألف فدان منها‏7‏ آلاف فدان في وادي قنا‏,‏ و‏46‏ ألف فدان في محافظتي أسيوط وسوهاج‏.‏ إلي جانب‏113‏ ألف فدان مخطط تخصيصها لمجالات الصناعة والتعدين وتوليد الطاقة‏,‏ ونحو‏7‏ آلاف للسياحة‏,‏ و‏23‏ ألفا للخدمات كمراكز الصيانة والمطاعم‏.‏ ومن أهم المشروعات التي سيساهم الطريق الجديد في تدشينها مشروع هضبة أسيوط الذي يمتد طوله إلي‏16‏ كيلو مترا بمساحة‏3500‏ فدان‏,‏ ومشروع كوبري أبو تيج ساحل سليم بأسيوط ويتكلف‏275‏ مليون جنيه‏.‏ وقامت القوات المسلحة بتنفيذ طريق الكريمات بني سويف‏,‏ بطول‏55‏ كيلو مترا‏,‏ ليكون شريانا مروريا يربط البحر الأحمر والبحر المتوسط بالوجه القبلي‏,‏ وقد جاء إنشاؤه استكمالا للمرحلة السابقة لطريق حلون الكريمات‏,‏ وطريق القاهرة العين السخنة بعد تطويره علي أيدي القوات المسلحة في سبتمبر عام‏2004,‏ ويبلغ طوله‏107‏ كيلو مترات‏,‏ ووصلت تكلفته إلي‏300‏ مليون جنيه‏.‏ كذلك سوف تنتهي هيئة الطرق والكباري والنقل البري من المرحلة الأولي من طريق القاهرة الإسكندرية الصحراوي الذي يجري تحويله إلي طريق حر‏.‏ وتبلغ التكلفة الإجمالية للطريق من القاهرة إلي مرسي مطروح نحو‏2.7‏ مليار جنيه‏,‏ منها‏1.7‏ مليار للقاهرة الإسكندرية‏,‏ ومليار جنيه لبقية الطريق‏.‏ وبدأت وزارة النقل بالتعاون مع وزارة الإسكان منذ عام‏2007‏ في تنفيذ الطريق الدائري الإقليمي الذي يربط بين‏6‏ محافظات هي القاهرة والشرقية والمنوفية والقليوبية والفيوم والجيزة‏,‏ بالإضافة إلي المدن الجديدة حول القاهرة الكبري بطول‏400‏ كيلو متر‏,‏ وبتكلفة استثمارية تصل إلي‏5‏ مليارات جنيه‏,‏ ويهدف إلي خفض الكثافة المرورية داخل القاهرة الكبري‏,‏ واستيعاب حركة المرور المتوقعة من المشروعات التي تقام حاليا بالمناطق الصناعية‏.‏
والقائمة بعد ذلك طويلة لقائمة من الاختراقات الكبري التي تصل بين القاهرة ومرسي مطروح‏,‏ بل إن مشروع المستقبل لهذه المحافظة سوف يجعلها واحدة من أكبر حواضر البحر المتوسط‏,‏ ولا تنسوا تلك المسافة بين مدينة مطروح وحدود مصر عند السلوم‏,‏ ومن يعلم فقد نصل أيضا إلي شلاتين وحلايب في الجنوب الشرقي لكي تكتمل سلسلة البحر الأحمر كلها‏.‏ وللحق أيضا إن كل ذلك بات ممكنا عن طريق المطورين العقاريين‏,‏ وهو القطاع من التشييد والبناء الذي استطاع أن يحقق معدل نمو إيجابيا رغم ظروف الأزمة المالية العالمية‏,‏ حيث بلغ معدل نموه خلال الربع الثاني من العام المالي الحالي‏14.7%‏ وهو أعلي من متوسط معدل النمو عن نفس الفترة من العام الماضي الذي بلغ فيه‏5.1%.,‏ وقد بلغ عدد الوحدات السكنية الممولة عن طريق التمويل العقاري‏36702‏ وحدة سكنية بقيمة إجمالية للتمويل‏4.3‏ مليار جنيه‏.‏
والخلاصة هي أنه ظهرت في مصر خلال الأعوام الأخيرة منظومة جديدة للتطوير العقاري‏,‏ أو انتشار العمران‏,‏ ذات طبيعة حديثة تعتمد علي المبادرات الخاصة والشركات الكبري المصرية والأجنبية‏,‏ ومن الطبيعي أن تحقق أرباحا طائلة تظهر مرة أخري في شكل استثمارات جديدة‏,‏ ومن عجب أن هذه المنظومة لم تتعرض كثيرا للبحث والتقييم الجدي سواء من حيث سرعتها‏,‏ أو مدي ملاءمتها للأحوال البيئية للمصريين‏,‏ أو مدي التوازن الجاري فيها من حيث أنماط العمارة والمشروعات الإنتاجية‏,‏ وكانت النقطة الوحيدة التي جري بحثها باستفاضة‏,‏ واستنزفت فيها الحناجر بترف شديد‏,‏ هي مدي التربح من المنظومة كلها‏,‏ وهي نقطة لا بأس بها‏,‏ ولكنها ظلت مثل الشجرة التي تحجب الغابة الهائلة الواقعة وراءها‏.‏
[email protected]
المزيد من مقالات د.عبد المنعم سعيد


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.