زلزال سياسي في هولندا| خلاف حول إسرائيل يطيح بالائتلاف الحاكم    تشيلسي يدك شباك وست هام بخماسية في الدوري الإنجليزي    بعد إعلان المجاعة.. الهلال الأحمر الفلسطيني: لم نعد نتوقع شيئا من المجتمع الدولي    الجرام يسجل أقل من 3900 جنيها.. أسعار الذهب والسبائك اليوم بالصاغة بعد الانخفاض الجديد    كأس السوبر السعودي.. هونج كونج ترغب في استضافة النسخة المقبلة    استخراج القيد العائلي 2025 أون لاين.. الخطوات والشروط والأوراق المطلوبة    محمد النمكي: الطرق والغاز جعلت العبور مدينة صناعية جاذبة للاستثمار| فيديو    أهداف إنشاء صندوق دعم العمالة غير المنتظمة بقانون العمل الجديد    عصابات الإتجار بالبشر| كشافون لاستدراج الضحايا واحتجازهم بشقق سكنية    بورسعيد.. أجمل شاطئ وأرخص مصيف| كيف كانت الحياة في المدينة الباسلة عام 1960؟    «مياه الأقصر» تسيطر على بقعة زيت فى مياه النيل دون تأثر المواطنين أو إنقطاع الخدمة    شريف حافظ: الحب هو المعنى في حد ذاته ولا يقبل التفسير... والنجاح مسؤولية يجب أن أكون مستعدًا لها    نوال الزغبي: ضحيت بالفن من أجل حماية أولادي بعد الطلاق    سعر السمك البلطي والكابوريا والجمبري في الأسواق اليوم السبت 23 أغسطس 2025    أبطال فيلم "وتر واحد" يشاركون ويجز تألقه على مسرح العلمين    «الشمس هتغيب قبل المغرب».. كسوف الشمس الكلي يظهر في سماء 9 دول بهذا التوقيت    تنسيق دبلوم التجارة 2025.. قائمة الكليات والمعاهد المتاحة لطلاب 3 سنوات «رابط وموعد التسجيل»    عميد تجارة القاهرة الأسبق: الجامعات الحكومية ما زالت الأفضل.. وهذه أسباب تفضيل البعض للخاصة    سهير جودة عن شيرين عبدالوهاب وحسام حبيب: «انفصال وعودة مزمنة.. متى تعود إلينا؟»    فيفي عبده تعلن وفاة الراقصة المعتزلة سهير مجدي    «الأستانلس أم التيفال»: هل نوع حلة الطبخ يغير طعم أكلك؟    طريقة عمل الملبن الأحمر في المنزل ل المولد النبوي (خطوة بخطوة)    ويجز يغنى الأيام من ألبومه الجديد.. والجمهور يغنى معه بحماس    أطعمة تسبب الصداع النصفي لدى النساء ونصائح للسيطرة عليه    رسميا.. جامعة الأزهر 2025 تفتتح أول كلية للبنات في مطروح وتعلن عن تخصصات جديدة    الإنتاج الحربي يستهل مشواره بالفوز على راية الرياضي في دوري المحترفين    التعليم تطلق دورات تدريبية لمعلمي الابتدائي على المناهج المطورة عبر منصة (CPD)    طارق فهمي: الإعلان الأممي عن تفشي المجاعة في غزة يعكس حجم الكارثة الإنسانية    بوتين: واثق أن خبرة ترامب ستسهم في استعادة العلاقات الثنائية بين بلدينا    ويجز يغنى الأيام من ألبومه الجديد.. والجمهور يغنى معه    مدحت صالح يتألق بغناء حبيبى يا عاشق وزى المليونيرات بحفله فى مهرجان القلعة    وزير الخارجية الأردني: على إسرائيل رفع حصارها عن قطاع غزة والسماح بإيصال المساعدات    نشرة التوك شو| موجة حارة جديدة.. وشعبة السيارات تكشف سبب انخفاض الأسعار    رسميا.. مدرسة صناعة الطائرات تعلن قوائم القبول للعام الدراسي الجديد 2025/ 2026    مصدر ليلا كورة: كهربا وقع عقدا مع القادسية الكويتي    غزل المحلة يبدأ استعداداته لمواجهة الأهلي في الدوري.. صور    أول تعليق من النني بعد فوز الجزيرة على الشارقة بالدوري الإماراتي    إسرائيل تشن هجومًا على مخازن تابعة لحزب الله في لبنان    ارتفاع الكندوز 39 جنيها، أسعار اللحوم اليوم في الأسواق    وزير الري يشارك في جلسة "القدرة على الصمود في مواجهة التغير المناخي بقطاع المياه"    مراسل من دير البلح: المنطقة باتت مستباحة بالكامل تحت نيران الاحتلال    3 أبراج على موعد مع التفاؤل اليوم: عالم جديد يفتح الباب أمامهم ويتلقون أخبارا مشجعة    تشيلسي يقسو على وست هام بخماسية في الدوري الإنجليزي (فيديو)    رياضة ½ الليل| إيقاف تدريبات الزمالك.. كشف منشطات بالدوري.. تعديلات بالمباريات.. وتألق الفراعنة بالإمارات    اليوم، دار الإفتاء تستطلع هلال شهر ربيع الأول لعام 1447 هجريا    المنوفية تقدم أكثر من 2.6 مليون خدمة طبية ضمن حملة 100 يوم صحة    صحة المنوفية تواصل حملاتها بسرس الليان لضمان خدمات طبية آمنة وذات جودة    سعر الدولار الآن أمام الجنيه والعملات العربية والأجنبية السبت 23 أغسطس 2025    قدم لكلية الطب وسبقه القدر.. وفاة طالب أثناء تركيبه ميكروفون لمسجد في قنا    مقتل عنصر من الأمن السورى فى هجوم انتحارى نفذه "داعش" بدير الزور    هل يجوز شرعًا معاقبة تارك صلاة الجمعة بالسجن؟.. أحمد كريمة يجيب    هل إفشاء السر بدون قصد خيانة أمانة وما حكمه؟ أمين الفتوى يجيب    خدعوك فقالوا: «الرزق مال»    ثورة جديدة بتطوير المناهج «2»    خطيب الجامع الأزهر: أعداء الأمة يحاولون تزييف التاريخ ونشر اليأس    شنوان.. القرية التي جعلت من القلقاس جواز سفر إلى العالم| صور    إمام مسجد بكفر الشيخ: لابد أن نقتدى بالرسول بلغة الحوار والتفكير المنضبط.. فيديو    رابطة الصحفيين أبناء الدقهلية تؤكد انحيازها التام لحرية الإعلام    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الضمير الذي رحل‏!‏

‏..‏والضمير الذي رحل هو الناقد فاروق عبد القادر الذي فاجأنا برحيله منذ أيام‏.‏ هل كانت مفاجأة حقا؟ كانت مفاجأة‏,‏ لأنه حتي بعد أن داهمه المرض أو الأمراض التي لا أعرف عنها الكثير‏,‏ وكف عن الكتابة‏, وفقد الذاكرة بعد أن فقد الأهل‏,‏ ولم يعد أمامه أو امام الذين تولوا أمر العناية به إلا أن يجدوا له مكانا يؤويه في ملجأ للعجزة أو دار للمسنين أقول إنه ظل بعد هذا كله وبعد مالقيه من قبل‏..‏ المعتقل الذي ألقي فيه سنوات‏,‏ والتطهر الصارم الذي فرضه علي نفسه‏,‏ فلا يجامل من لايراه أهلا للجميل‏,‏ ولا ينشر كلمة في صحيفة لايحترمها‏,‏ وبعد أن علت سنه وتحالفت ضده سيئات الماضي وشرور الحاضر بعد هذا كله ظل فاروق عبدالقادر حاضرا نفتقده ونتحدث عنه‏,‏ ونتلفت حولنا فلا نجده‏,‏ ثم لايزيدنا غيابه إلا شعورا بحضوره ولهذا كان رحيله مفاجأةكأنها الطعنة الغادرة‏!‏
لكن هذه المفاجأة لم تكن كاملة‏,‏ أو أنها بالأحري كانت مفاجأة منتظرة متوقعة‏.‏ أعني أننا نحن الذين فوجئنا برحيل فاروق عبد القادر كنا نعلم ان مانزل به في الستينيات‏,‏ وماتلاه في السبعينيات‏,‏ ومازاد الطين بلة في الثمانينيات والتسعينيات قد هده هدا‏,‏ فاذا كان فاروق عبد القادر قد تحمل ماحل به‏,‏ لم يشك ولم يتوجع‏,‏ بل ظل يقاوم سنوات طويلة بعد سنوات طويلة لم يفقد خلالها صدقه ولاشجاعته‏,‏ ولاقدرته علي الإصابة‏,‏ ولاولعه بالدعابة والسخرية‏,‏ فليس معني هذا أنه سيظل إلي الأبد علي هذه الحال‏.‏
إذا كان فاروق عبد القادر قد هزم الكذب‏,‏ والجبن والنفاق‏,‏ والهوان‏,‏ واليأس‏,‏ والطمع‏,‏ فليس معني هذا أنه سيهزم الموت الذي كنا نراه يتقدم نحوه في العتمة والصمت متلصصا‏,‏ فلا نبالي به كأن الأمر لايعنينا‏,‏ أو كأننا متواطئون مع الموت ضد فاروق عبد القادر‏!‏
أولم يستشعر هو هذا الخطر؟ أولم ير بعينيه هذا المصير؟‏!‏
بلي‏,‏ وهاهو عمله الأخير‏,‏ ترجمته لكتاب راسل جاكوبي نهاية اليوتوبيا‏..‏ السياسة والثقافة في زمن اللامبالاة الصادر في سلسلة عالم المعرفة في الكويت شاهد علي أنه كان يري ويسمع‏.‏
ولكن‏,‏ هل ترجم فاروق عبد القادر هذا الكتاب الذي صدرت ترجمته في العام الأول بعد الألفين ليودع به الألفية المنتهية أم ليستقبل الألفية الجديدة؟ أقصد هل كان يري أن زمن اللامبالاة هو الذي انقضي‏,‏ أم انه الذي بدأ؟
فاروق عبد القادر لم يكن متشائما‏,‏ لأنه كان مؤمنا بالانسان وبقدرته علي أن يغير العالم ويتحكم في مصيره‏,‏ ويبني اليوتوبيا‏,‏ أي المدينة الفاضلة التي يحلم بها المفكرون والفلاسفة والشعراء‏,‏ وينشئون لها في خيالهم طبعا حكومة مثالية تضمن لشعبها أن يعيش حرا سعيدا‏.‏
ولقد ظل فاروق عبد القادر طول حياته يحلم باليوتوبيا‏.‏ ظل يقرأ ويكتب‏,‏ ويبشر ويتنبأ‏,‏ ويدخل السجن ويخرج من السجن ليحلم باليوتوبيا من جديد‏,‏ لايصرفه عنها خطر‏,‏ ولا يوقعه في اليأس فشل أو هزيمة‏.‏ لأن العدالة حق‏,‏ والحرية شرط‏..‏ والتقدم قانون‏,‏ وإذا كانت الحكومات الاشتراكية تخطيء فالشعوب تصحح الأخطاء‏.‏ وإذا كان ستالين قد أعدم رفاقه الذين قادوا الثورة البلشفية واغتالهم فقد أكلت الثورة الفرنسية أبناءها وبقيت اليوتوبيا‏.‏ بقي الحلم الذي لم يتحقق كله‏,‏ لكن التاريخ لا يعود إلي الوراء‏.‏ والذي تخسره البشرية في بلد تكسب أكثر منه في بلد آخر‏.‏ وإذا لم نكن قادرين علي تحويل الحلم الي واقع‏,‏ فلنكن علي الأقل قادرين علي التبشير به وانتظار تحققه‏.‏
وقبل مائتي عام من الوقت الذي كان فيه فاروق عبدالقادر يترجم نهاية اليوتوبيا أي بالتحديد في العام الأخير من القرن الثامن عشر كتب الشاعر الإنجليزي صامويل كولريدج لصديقه الشاعر وليم ووردز ورث يقترح عليه أن ينهض لمقاومة الشعور باليأس والقنوط الذي ساد أوروبا في تلك الأيام بسبب ماوقعت فيه الثورة الفرنسية من أخطاء نفرت الناس منها وأضعفت حماستهم لها‏.‏ وفي مواجهة هذه التطورات السلبية كتب كولريدج لووردز ورث يقول له‏:‏ أريد منك أن تكتب قصيدة من الشعر المرسل موجهة لهؤلاء الذين تخلوا نتيجة الاخفاق الكامل للثورة الفرنسية عن أي أمل في مستقبل أفضل للإنسانية‏,‏ وغرقوا تماما في أنانية أبيقورية متع حسية يخفونها تحت أقنعة العناوين الناعمة للترابط الأسري‏,‏ واحتقار الفلسفات المثالية والحالمة‏.‏
يقول مؤلف الكتاب راسل جاكوبي معلقا علي هذه الرسالة وأنا لم أكتب قصيدة‏.‏ لكنني أميل إلي الاعتقاد في أن هذا الكتاب بدفاعه عن النزعة المثالية والحالمة‏,‏ إنما يلبي علي نحو جزئي مطلب كولريدج‏.‏ وأنا بدوري أميل إلي الاعتقاد بأن فاروق عبدالقادر حين قرر أن يترجم نهاية اليوتوبيا انما كان يلبي هو أيضا مطلب كولريدج‏,‏ أي ان فاروق عبد القادر كان يقاوم زمن اللامبالاة الذي عشناه في الألفية المنتهية ولانزال نعيشه في هذه الألفية الجديدة‏.‏ وهذا هو الفرق بين فاروق عبدالقادروكتاب ونقاد آخرين‏.‏
فاروق عبدالقادر مثقف مبال‏.‏ والآخرون قليل منهم مثقف‏,‏ وكثيرون لامبالون‏.‏ فاروق عبد القادر ليس مجرد صاحب صنعة‏,‏ ولكنه صاحب رسالة يقرأ‏,‏ ويشاهد ويتذوق‏,‏ ويميز بين الجيد والرديء‏,‏ لكنه لايكتفي بأن يكون شاهدا‏,‏ وإنما هو طرف في القضية‏,‏ يدافع عن الحق الذي يراه‏,‏ ويخاصم الباطل‏,‏ لايلقي السلاح‏,‏ ولايكف عن النزال‏.‏
عرفته منذ أواسط الستينيات‏.‏ كنت أرأس القسم الثقافي في مجلة روز اليوسف حين عرضت عليه العمل معي فرحب‏.‏ وكذلك فعل حين طلبت منه أن ينضم لكتاب مجلة إبداع التي لم يكن فيما يكتبه لها حول المسرح يتردد في إعلان رأي سلبي في عمل يقدمه مسئول في المجلة التي يكتب لها أو في الهيئة التي تصدرها وأنا لم أكن أتردد في نشر مايكتب‏.‏
ولقد رحل فاروق عبد القادر‏.‏ هذا العقل المثقف‏,‏ وهذا القلم الشجاع‏,‏ وهذا الضمير الحي‏.‏ أليس رحيله دليلا جديدا علي نهاية اليوتوبيا؟‏!‏
المزيد من مقالات احمد عبد المعطي حجازي


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.