أصوات يهودية راحت تعلو في الغرب, تكاد تشبه حكومة نيتانياهو بأنها مثل شمشون, الذي لجأ الي هدم المعبد صائحا علي وعلي أعدائي, بينما الفرق هذه المرة ان المعبد ليس به أحد غيره. وهذا التشبيه ظهر بكثرة في عبارة تكاد تكون واحدة تقول كلماتها: انقاذ اسرائيل من نفسها أو انقاذ اسرائيل رغما عنها. وكان جورج بول وكيل وزارة الخارجية الأمريكية الأسبق, هو أشهر من أطلق هذه العبارة قبل أكثر من40 عاما, في مقال نشره بمجلة فورين أفيرز, عام1977 بعنوان: كيف ننقذ اسرائيل رغما عنها. وكان الحل الذي تمسك به, يدعو لتدخل أمريكا لحل النزاع العربي الإسرائيلي, وإصراره علي انسحاب اسرائيل من الأراضي التي احتلتها عام1967. .. ومنذ ذلك الحين ظل هذا التعبير يظهر علي فترات متباعدة, الي أن أحدث دويا كبيرا في العام الماضي2009, عندما كانت منظمة جي ستريت, التي تضم شخصيات يهودية لها وزنها وشغلت أعلي المناصب في عهود عدد من الرؤساء الأمريكيين, قد أعلن في مؤتمر عام في واشنطن, دعوتها لإنقاذ اسرائيل من نفسها. وهذه المنظمة التي جعلت من نفسها كيانا موازيا للوبي اليهودي[ الإيباك] الذي يدعم نيتانياهو, وكل السياسات المتطرفة, قد أعلنت في وضوح أنها تناصر اسرائيل. لكنها مقتنعة أن سياسات حكومة نيتانياهو علي وجه الخصوص, ستجلب الكوارث علي اسرائيل وشعبها. ومن أجل تفادي حدوث ذلك, فإنها ترفض سياساته, وتؤيد قيام دولة فلسطينية مستقلة, وتطالب أوباما بالضغط علي اسرائيل. نفس المخاوف كانت وراء لجوء يهود أوربيين لتشكيل منظمة جديدة, تطالب بعدول حكومة اسرائيل عن سياستها الحالية, تجاه عملية السلام, وحل القضية الفلسطينية. ونفس الاتجاه انعكس في موقف البروفسور اليهودي دومينيك مويسي كبير الخبراء بمعهد الدراسات الاستراتيجية الفرنسي إيفري, والذي انتقد سياسة حكومة اسرائيل, وقال إن إصلاح النظام السياسي القائم في اسرائيل, أصبح مسألة حياة أو موت. وقد جاءت هذه العبارة عنوانا لكتاب, الكاتب اليهودي الإسرائيلي دانييل جورديس, وهو أصلا أمريكي انتقل للعيش في اسرائيل عام1998, شغل منصب, نائب رئيس مركز شاليم للدراسات السياسية, وعنوان الكتاب هو إنقاذ إسرائيل: كيف يستطيع اليهود ان يكسبوا حربا قد لا تنتهي. والكتاب يجمع تناقضات المؤلف نفسه من اعترافه بالتحديات الخطيرة التي تواجه اسرائيل وإيمانه المطلق بسياسة نيتانياهو, فهو يتحدث عن ان اسرائيل أمامها تحديات من داخلها ومن خارجها, وهي لا تهدد وجود الدولة فحسب, بل تهدد كذلك وجود الشعب اليهودي ذاته. إلا أن كونه يمينيا متعصبا مؤيدا للائتلاف الحاكم في اسرائيل, واعترافه بأن وجودها كله قائم علي حروب لن تنتهي أبدا, فإنه يقول ان وجود اسرائيل أهم من السلام و ان اللاعنف رفاهية لا نقدر عليها! ان جميع الذين أطلقوا شعار الدعوة لإنقاذ اسرائيل, اتفقوا علي أن انقاذها لا يتحقق بدون قيام الدولة الفلسطينية المستقلة وإعطاء الفلسطينيين أملا ينهي حالة الأحباط التي تمثل الخطر علي الإسرائيليين أنفسهم. ويظهر في سياق الطرح الذي أطلقه أصحاب هذه الدعوة, أن دعوتهم معلقة علي هذا السؤال: وهل يمكن انقاذ اسرائيل من نفسها؟ (1) ان اسرائيل في مأزق حقيقي, يجعل حكومة نيتانياهو تستعصي علي تعديل السياسات التي تعاند في التمسك بها, لأسباب من بينها: ان المجتمع الاسرائيلي انجرف ناحية اليمين تعصبا وتطرفا. وهو ما عكسه دفعه الي السلطة لائتلاف يضم أقصي عناصر التشبث برفض سلام, وان هذا التطرف إمتد الي المؤسسات السياسية للدولة, والي الجيش الذي زاد فيه أعداد المستوطنين تعليماتهم بالقتل حتي للمدنيين والأبرياء. وهو ما اعترف به جنودهم الذين كشفوا ما جري في حرب غزة, ونشرت أقوالهم في صحف أمريكية وأوروبية. (2) ان المجتمع الاسرائيلي يتصرف كمزاج نفسي أكثر من كونه رأيا عاما, بالمعني المعروف, ومن السهولة حقن هذا المزاج بنزعات التطرف وأفكار الحق التاريخي, من خلال بث منظم للأفكار والمخاوف, خاصة من جانب المؤسسة العسكرية, والتأكيد علي قدسية المشروع الصهيوني, بمقولاته وتعاليمه, وفي مقدمتها مقولة تيودور هيرتزل: نحن شعب بلا أرض, ذاهبون الي أرض بلا شعب وهو تحريض صريح, لإفراغ فلسطين من شعبها, بالمذابح والاغتيال النفسي والسياسي. (3) ما أصبح متفقا عليه بين كبار الساسة في أوروبا, والخبراء والمحللين السياسيين في الغرب عامة, من أن حكام اسرائيل تجمدت عقولهم في قوالب من التفكير السياسي, الذي يفتقد تماما لمنطق التفكير الاستراتيجي, الي درجة دفعت معظم الذين تناولوا بالتحليل والتعليق, تصرفها الأخير مع اسطول الحرية, بأن يطلقوا علي هذا التصرف أوصافا مثل الجهل السياسي, والحمق, والغباء, وأحيانا الانتحار السياسي. (4) ان التصعيد في السلوك الإسرائيلي, يؤكد رسوخ النزعة الاستعمارية في العقل السياسي الاسرائيلي. وراحت مختلف تصرفاتها المتتالية تنزع عنها كل إضافات التجميل, التي تخفي حقيقة أنها الكيان الاستعماري الوحيد في العالم, الذي لا يزال يستعصي علي التكيف والتواؤم, مع عصر تمتد فيه تصفية ونبذ الاستعمار منذ زمن مضي. وكل هذا كان وراء الدعوات التي أطلقها يهود في العالم وهم من أنصار اسرائيل لانقاذ اسرائيل من نفسها, أو انقاذها رغما عنها.