في الأول من يوليو تتجه أنظار وسائل الإعلام الألمانية والعربية من جديد إلي محكمة دريسدن التي شهدت إحدي قاعاتها قبل عام بالضبط طعنات الغدر والعنصرية. والتي راحت ضحيتها مروة الشربيني وجنينها واصابت زوجها وطفلها الصغير بجروح نفسية غائرة من الصعب التعافي منها. وسائل الإعلام ستتجه إلي دريسدن لتغطية احتفال رمزي تنظمه وزارة العدل في ولاية ساكسونيا سيقوم خلاله وزير العدل يورجن مارتينز بإزاحة الستار عن لوحة تذكارية تخلد اسم مروة الشربيني في ساحة المحكمة في محاولة من القضاء الألماني لإظهار تعاطفه مع أسرة الراحلة ونبذه للجريمة التي أضرت بسمعة دريسدن وولاية ساكسونيا بل واشعلت جدلا حول المفهوم الضيق للعنصرية في المانيا لا يزال مستمرا حتي اليوم. فمنذ الكشف عن ملابسات الجريمة والدوافع العنصرية للشاب العاطل الألماني الروسي الأصل اليكس فينز لقتل مروة الشربيني اعتبرت الاتحادات المسلمة واتحادات الأجانب والمجلس المركزي لليهود وكثير من منظمات المجتمع المدني الألماني لمكافحة العنصرية الجريمة بمثابة جرس إنذار يستوجب التصدي لتنامي ظاهرة الإسلاموفوبيا في المجتمع الألماني والتي يمكن أن تولد جرائم مشابهة في المستقبل. في حين تعاملت مؤسسات الدولة الألمانية وأجهزة إعلامها الرسمي والخاص مع الجريمة باعتبارها عملا فرديا رغم بشاعته لا يجب إخراجه من إطاره الإجرامي واتخاذه دليلا علي وجود تيار عنصري ضد المسلمين في المانيا أوتيار إسلاموفوبي ما وهوما ظهر واضحا في ردود فعل كبار المسؤولين وفي مقدمتهم المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل. لذلك ومنذ وقوع الجريمة وحتي اليوم تصر الاتحادات الإسلامية والأجنبية علي أن سر الغضب الشعبي في العالمين الإسلامي والعربي يكمن في سابقة قتل امرأة عربية مسلمة بهذه الصورة فقط بسبب هويتها الدينية وارتدائها للحجاب في حين فسر الكثيرون في المانيا هذا الغضب باستغلال البعض في العالم العربي والإسلامي للجريمة من اجل الترويج لأجندة سياسية معادية للغرب وكارهة له. وهكذا أشعلت جريمة مروة الشربيني خلافا بين الاتحادات الإسلامية من جهة وبين الحكومة الألمانية من جهة أخري حول الاعتراف بوجود تيار معاد للمسلمين في المانيا من الاساس وكيفية التعامل معه. الآن دخل هذا الخلاف مرحلة جديدة بعد أن تلقت الاتحادات المسلمة خاصة والأجنبية بشكل عام دعما من الأممالمتحدة في صورة انتقادات لمفهوم العنصرية في المانيا وتوصيات بتوسيع هذا المفهوم ليشمل ما يتعرض له الأجانب وخاصة المسلمين من بعض صور العنصرية في الحياة اليومية. الانتقادات جاءت علي لسان جيتومويجاي مقرر الأممالمتحدة الخاص المعني بالأشكال المعاصرة للعنصرية وكراهية الأجانب في تقرير له حول وضع الأجانب في المانيا نوقش مؤخرا أمام مجلس حقوق الإنسان في جنيف. وإنتقد مويجاي مفهوم العنصرية التي تضع الحكومة الألمانية والولايات والمحليات علي اساسه سياساتها لمواجهة هذه الظاهرة امنيا واجتماعيا معتبرا إياه مفهوما ضيقا يقتصر علي اعمال العنف التي يقوم بها النازيون الجدد واليمين المتطرف ضد الأجانب متجاهلا أشكالا أخري للعنصرية وضحايا آخرين لها. مويجاي الذي كان قد أجري زيارة طويلة لألمانيا في صيف عام2009 الذي شهد جريمة مروة الشربيني انتقد ايضا نظام التعليم الألماني وآثاره السلبية علي أبناء المهاجرين وذوي الأصول الأجنبية حيث توجد مدارس بالكامل تحولت إلي' جيتوهات' لتلاميذ اتراك وعرب انخفض فيها مستوي التعليم وتضاءلت فيها فرص لتدريب المهني أوالانتقال للتعليم الثانوي والعالي. وتضمن تقرير مويجاي توصيات محددة لألمانيا وطالبها بوضع استرتيجية شاملة لوقف اشكال العنصرية في الحياة اليومية مثل التشهير بأقليات محددة مثل العرب واليهود والغجر والمسلمين والسود سواء علي مواقع الإنترنت أوفي مجال التعليم وسوق العمل, وفي قطاع السكن اي تأجير وشراء الوحدات السكنية, وكذلك في التعامل مع طالبي اللجوء لالمانيا وتحسين ظروف معيشتهم إضافة إلي تمثيل افضل للأقليات والأجانب في اجهزة ومؤسسات الدولة الألمانية ومراجعة قوانين بعض الولايات التي تمنع المعلمات من ارتداء الرموز الدينية في المدارس الحكومية. بالطبع رفض مفوض حقوق الإنسان في الحكومة الألمانية ماركوس لونينج الانتقادات ودافع عن المفهوم الألماني الضيق مذكرا بتاريخ المانيا النازي ومطالبا مويجاي بمراعاة التجربة التاريخية الخاصة لبلاده التي تجعلها تركز علي انتهاكات اليمين المتطرف والجماعات النازية وتتصدي لها وتعاقبها بشدة. كما اعتبر المسؤول الألماني مشكلة الرموز الدينية منتهية بحكم المحكمة الدستورية الاتحادية الذي اتاح للولايات الألمانية حظر الرموز الدينية لكل الاديان في المدارس. غير أن رفض لونينج قابله تأييد من المعهد الألماني لحقوق الإنسان في برلين لتقرير مويجاي. وصرحت مديرة المعهد بياته رودلف تعقيبا علي التقرير ان العنصرية ضد الأجانب والعرب والمسلمين موجودة ايضا في الطبقة الوسطي الألمانية وهوما يظهر في التعامل مع مجموعات من الأجانب خاصة المسلمين وفقا لأحكام مسبقة وصفات التصقت بهم روجتها وتروج لها وسائل الإعلام مثل الربط المستمر للاسلام بالعنف بجميع أشكاله والحرص علي الإشارة إلي ديانة الجاني إذا كان مسلما في أي جريمة أوجنحة فيما يتم تجاهل ذلك مع بقية الديانات. واشارت رودلف إلي أن ذلك يستوجب توسيع مفهوم العنصرية الألماني لدي هيئات القضاء والشرطة لتصبح اكثر حساسية في التعامل مع الانتهاكات التي يتعرض لها المسلمون وتتصدي لها بصورة أكثر حزما.. ولاتزال دعوة كتاب وسياسيين ألمان بارزين مثل سباستيان إيداتي من الحزب الاشتراكي الديموقراطي للحكومة الألمانية بحظر مواقع تشهر صراحة بالمسلمين علي شبكة الإنترنت مثل موقعPoliticallyIncorrect وبأن تحذوحذوالإدارة الأمريكيةالجديدة في إلغاء مصطلحات مثل الإرهاب الإسلامي' والإسلام المتطرف' من خطابها الرسمي لا تزال هذه المطالب في انتظار الاستجابة لها.