عادت مرة أخري مسألة تعارض المصالح لتبرز علي السطح من جديد, بعد مشكلة بيع المشروع السياحي لقرية آمون لشركة يساهم فيها وزير حالي وآخر سابق, الأمر الذي أعاد الموضوع إلي دائرة الحوار. بعد أن خفتت حدته بعض الشيء.ولاشك أن تولي مجموعة لابأس بها من القطاع الخاص لحقائب وزارية يجعل من الضروري العمل علي وضع الآليات الكفيلة لمنع هذه المسألة ووضعها في السياق الصحيح حتي يقل القيل والقال والشائعات المرتبطة بها. وتشير الأدبيات إلي أن تعارض المصالح يكمن في قيام كبار البيروقراطيين بأعمال تتقاطع مع وظائفهم الرسمية, أي أنه يحدث عندما تتأثر موضوعية قرار موظف عام واستقلاليته بمصلحة شخصية, مادية أو معنوية, تهمه هو شخصيا أو أحد أقربائه أو أصدقائه المقربين, أو حين يتأثر أداؤه للوظيفة العامة باعتبارات شخصية مباشرة أو غير مباشرة. وهنا يبقي الاهتمام منصبا بالأساس علي استخدام المناصب الحكومية, لتعزيز المصالح الشخصية. وتزداد احتمالات تضارب المصالح كلما امتلك السياسي أو أحد أفراد عائلته أو موظفيه مصلحة في شركة تتعامل مع الحكومة أو تستفيد من سياستها. وتبرز هذه المسألة بشدة عند التداخل الوظيفي بين القطاع العام والقطاع الخاص واختلاط الملكية, بحيث يكون من الصعب التفرقة بين ماهو عام وماهو خاص, وغالبا ماتسود حالات الجمع بين وظيفة أو خدمة عامة في احدي مؤسسات الدولة وبين مصلحة مباشرة أو غير مباشرة في شركة من شركات القطاع الخاص, بحيث يسخر النفوذ السياسي لخدمة المصلحة الاقتصادية الخاصة,, وهكذا ينشأ تحالف بين أصحاب النفوذ السياسي وأصحاب الثروات في المجتمع, وتتخذ القرارات في الشأن العام وفق اعتبارات المصلحة الخاصة. وعلي الرغم من خطورة هذا الوضع, إلا انه يحتاج إلي المزيد من التحليل المنهجي بحيث نفرق بين دور جماعات المصالح والضغط السياسية في التأثير علي صانعي القرار وهي مسألة قانونية ومشروعة في الدول الديمقراطية وبين تعارض المصالح وفقا للمفهوم السابق, وبالتالي يجب العمل علي وضع خطوط قاطعة وفاصلة بين العمليتين. وحتي يمكننا التفرقة بين دور جماعات المصالح, وبين مفهوم تعارض المصالح, فإننا نشير الي أن تعارض المصالح هو الذي يؤدي إلي المعاملة غير المتساوية للأطراف, وتفضيل البعض علي حساب الآخر وفقا للعلاقات الشخصية أو بقية الحصول علي مزايا, كما أن هذه العملية تتم عبر انتهاك القواعد والقوانين بشكل مقصود وبما يحقق مصلحة أو فائدة مباشرة للفرد الذي قام بالمخالفة. وتكمن أوجه الاستفادة في العديد من الأمور المهمة والمجالات الاقتصادية مثل المشتريات الحكومية من السلع والخدمات خاصة في القطاعات العملاقة. كالنفط والكتب المدرسية والأدوية, أو الحصول علي حقوق توريد للسلع الرأسمالية المستخدمة في المشروعات الصناعية والزراعية الكبري مثل السدود والمواني والكباري والطرق السريعة أو رخص الصناعات الاستخراجية. وتحدث هذه المسائل عبر استخدام النفوذ السياسي في الشمول في لائحة الشركات المؤهلة للدخول في المناقصات الحكومية, بغض النظر عن الاشتراطات القانونية المؤهلة لذلك, أو الحصول علي معلومات داخلية مثل حصول كبار الموظفين علي مخططات التنظيم المدني خلال الفترة القادمة ويقومون بالإيعاز الي بعض الأفراد بشراء الأراضي خارج التنظيم بأسعار زهيدة, وهم يعلمون أنها سترتفع مستقبلا, أو حين يسرب كبار الموظفين معلومات تتعلق بقرارات استيراد بعض السلع أو تصديرها كالرسوم الجمركية أو السياسة الضريبية وغيرهما والإسهام في صياغة مواصفات فنية معينة تجعل الشركة هي الوحيدة القادرة علي تقديم الخدمة دون غيرها من الشركات المنافسة ناهيك عن تمكين الشركة متي كسبت العقد من تضخيم تكلفة التنفيذ أو تغيير النوعية المطلوبة. وعلي الرغم من أهمية وحيوية الدور الذي يقع علي كاهل القطاع الخاص المصري خاصة خلال المرحلة الراهنة والتي تطلب مشاركة فعالة وقوية لهذا القطاع لكي يكون شريكا حقيقيا وفاعلا في العملية التنموية بالبلاد إلا أن ذلك كله يجب أن يتم في إطار من الضوابط والقيود القانونية والإدارية التي تحول دون استفادة بعض هؤلاء من هذه المكانة. إذ إن غياب الآليات المنظمة لهذه العملية تفتح الباب واسعا أمام التشكيك في نزاهة هؤلاء, ولذلك فلابد من وضع الضوابط الحاكمة لهذه المسألة وإعلانها علي الجميع حتي تتضح جميع الأمور والممارسات المرتبطة بها. وقد أثبتت الدراسات العلمية ان الاصلاح الجزئي يؤدي الي زيادة فرص التربح الاقتصادي لدي البعض من أعضاء النخبة الحاكمة وأصحاب المصالح الخاصة, والتزاوج بين السلطة والثروة وانتشار الفساد, مما قد يعوق الانطلاق الي الاصلاح الشامل من هنا تأتي أهمية التلازم بين الديمقراطية واقتصاد السوق, بل ان هذا التلازم شرط أساسي لإنجاح عملية التحول, إذ أن التجارب التي نجحت قد ارتبطت أساسا بتدعيم آليات المشاركة الشعبية والديمقراطية والشفافية, وتطبيق مباديء الإدارة الرشيدة عند وضع السياسات المختلفة وبمعني آخر فان التحول الطامح إلي اقتصاد السوق يتطلب بالضرورة وجود حزمة من القوانين المدنية والجنائية الواضحة والمعلن عنها بالقدر الكافي, مع إنفاذ القواعد القانونية والتنظيمية ووجود جهاز قضائي مستقل, وتعزيز النظام الضريبي والإدارة الضريبية, وزيادة شفافية المالية العامة, وتفعيل إجراءات المحاسبة المالية, وتطوير الجهاز الإداري للدولة, مع تفعيل المنافسة, وبرغم أن هذه الإجراءات وغيرها قد تستغرق بعض الوقت, إلا انها تعتبر ضرورة قصوي لإنجاح هذه العملية. في هذا السياق تتزايد أهمية الحديث عن ضرورات الإصلاح المؤسسي والهيكلي جنبا إلي جنب مع الإصلاح الاقتصادي. وبالتالي فان أسلوب التنظيم والإدارة في المجتمع والمتعلق بكيفية ممارسة السلطة في البلد, هو الحاكم الأساسي لهذه المسألة, ويتطلب ذلك معرفة العملية التي تختار بواسطتها الحكومات وآليات مراقبتها ومساءلتها, وثانيا قدرة الحكومة علي إدارة الموارد بكفاءة وفعالية, وفرض قواعد تنظيمية سليمة, وثالثا مدي احترام المواطنين والحكومة للمؤسسات التي تحكم المعاملات الاقتصادية والاجتماعية المتبادلة بينهم.