لا تتوقف إسرائيل يوما عن إعلان أنها الديمقراطية الوحيدة في الشرق الأوسط. وكثيرا ما لا يتنبه الذين يتقبلون منها هذا الكلام إلي الرقابة العسكرية التي تحجر علي الإسرائيليين أنفسهم حرية التعبير عن رأيهم. في قضايا معينة بحجة انها مسائل تمس الأمن القومي حتي ولو كان ذلك في مجالات التعبير الفني والأدبي في المسرح أو السينما فكل ذلك له حدود لا يمكن تجاوزها. ومسألة الديمقراطية في إسرائيل كانت موضوعا أثار حساسية عندما عقد مؤتمر في تل أبيب تحت عنوان' الديمقراطية وتحدياتها' دعت إليه منظمة تسمي حركة اليهود الأوروبيين اليسارية. وفي هذا المؤتمر تحدث الفيلسوف الفرنسي اليهودي برنارد هنري ليفي معلنا انضمامه إلي الدعوة التي أطلقتها هذه المنظمة بمطالبة الولاياتالمتحدة والاتحاد الأوروبي بدفع إسرائيل نحو إتخاذ إجراءات من أجل السلام. وأشار ليفي إلي ما بدأ يظهر في صفوف الجيش الإسرائيلي من تساؤلات أخلاقية كثيرة حول بعض سلوكيات الجيش وإعتبر ذلك من وجهة نظره تصرفا ديمقراطيا وفي نهاية خطابه وبالرغم من التصفيق الكبير الذي قوبل به من الحاضرين قام أحد الحاضرين الإسرائيليين وأعلن أن أي تأييد للمطالب التي أعلنتها هذه المنظمة يمثل دعما لأعداء إسرائيل. وأصر علي مطالبة ليفي بالرد علي ما قاله فرد ليفي أنني لست أقل أو أكثر منك يهودية ولكنني لا أريد من الحكومة الأمريكية أن تظل تنتظر إلي أخر شهر في فترة رئاسة أوباما حتي يمكن إيجاد حل للمشكلة بين الإسرائيليين والفلسطينيين. وذلك في إشارة إلي أن الفرصة التي قرر أوباما أن يتم فيها إيجاد حل الدولتين يجب أن تتم قبل نهاية فترة رئاسته وإلا ضاع الأمل بعدها في السلام بين الإسرائيليين والفلسطينيين ويتكرر ما يحدث دائما عندما تنتهي فترة رئاسة كل رئيس أمريكي دون الوصول إلي حل للمشكلة الفلسطينية ليأتي من يخلفه ليبدأ من نقطة الصفر. وكان من الواضح أن ليفي وجد نفسه في موقف دقيق وحتي لا يثير ثائرة الإسرائيليين الحاضرين فقد عاد يشيد بالديمقراطية الإسرائيلية حتي يأمن انتقامهم أو هجومهم واتهاماتهم المعروفة عادة في مثل هذه الحالات التي يتجرأ فيها أحد علي انتقاد إسرائيل بدءا من معاداة السامية مرورا بتعريض الأمن القومي للخطر وصولا إلي عمليات الإغتيال. ومع ذلك فإن المؤتمر والدعوة التي أطلقها لقيام الولاياتالمتحدة والاتحاد الأوروبي بدفع إسرائيل نحو السلام يمثل في الحقيقة تشكيكا في كلامها عن الديمقراطية التي كانت دائما عبارة عن ستار يخفي وراءه إنتهاكاتها الشديدة للديمقراطية ولحقوق الإنسان ولحق الشعوب في التعبير عن نفسها بأسلوب سلمي وهو ما إرتكبته بجريمتها العدوانية علي أسطول الحرية والذي جعل العالم كله ينقلب ضدها ويتهمها بارتكاب الجرائم ضد الإنسانية وهو ما واجهته كما هي عادتها بعجرفتها وبمساندة أمريكية جعلت من الصعب أن تواجه أي عقوبات. ولم يعد ذلك يحدث من جانب جماعات غير يهودية فقط بل امتد إلي يهود في أوروبا والولاياتالمتحدة وهو ما حدث عندما بدأ مجموعة من اليهود الألمان في إعداد سفينة محملة بالمساعدات الإنسانية تذهب إلي قطاع غزة في نهاية شهر يوليو القادم وعلي متنها سياسيون يهود وغير يهود بهدف كسر الحصار علي غزة. وتعرف هذه المجموعة بإسم' منظمة اليهود الأوروبيين من أجل السلام'. هذا إلي جانب ما قامت به الشرطة الإسرائيلية مؤخرا بإبعادها لأربعة نواب عرب في الكنيست من القدس بحجة عدم استقالتهم من المجلس التشريعي الفلسطيني بعد نجاحهم في الانتخابات وتصديق المحكمة الإسرائيلية العليا علي هذا القرار. وقد أدانت الجامعة العربية القرار كما رفض النواب الأربعة تنفيذه مؤكدين أن إسرائيل ترغب من وراء هذا القرار تنفيذ مخططها بتهويد القدس من خلال تفريغها من أبنائها العرب. وبالطبع فإن انضمام أفراد ومنظمات يهودية في أوروبا إلي التيار العالمي والذي يدين جرائم إسرائيل وردود السلطات الإسرئيلية أمام هذه التحركات يكشف كل يوم عن عدم إحترام إسرائيل لحقوق الإنسان وحقيقة الديمقراطية فيها والتي أصبحت في نظر العالم مجرد شعارات لا تستند إلي أي حقيقة.