قرأت في صفحة استراتيجيات في الأهرام منذ أسبوع مضي, تقريرا إخباريا عنوانه وداعا للحرب, شعار يرفعه حلف الناتو وفحواه أن الحلف العسكري الشهير لم يعد يري لنفسه دورا كقوة ضاربة في الصراعات المسلحة, وسيكون سعيدا اذا اقتصرت مهمات قواته علي القيام بدور حفظ السلام في المناطق التي تحتاج لمثل هذه القوات. وكلام آخر تتصل معانيه بالدعوة لاستتباب الأمن والسلام في العالم كما يريدها ويدعو إليها حلف تأسس في مبتداه وجوهره علي الحرب والقتال, وطبعا اذا كانت دعاوي السلام والمعاداة للحروب قد وصلت الي حلف عسكري يضم أقوي جيوش العالم وأكثرها عتادا وعدة وأقواها تقنية وأكثرها امتلاكا لمخازن الأسلحة النووية والذرية, فماذا يقول بقية البشر في العالم النامي ممن لايملكون واحدا علي الألف من أسلحته وعتاده, وماذا تقول المؤسسات المدنية والجمعيات الأهلية ومجتمعات المال والأعمال والاقتصاد والسياسة والثقافة والفنون والعلوم والتعليم في العالم كله ممن لاتستطيع العمل ولا الازدهار إلا في ظل السلام, لاأعتقد أن أهل هذه المحافل سيكونون أقل حرصا عليه, ومعاداة للحرب من جنرالات الحلف المعبأة صدورهم بأوسمة تشهد بسجلهم الحافل في أرض المعارك وكفاءاتهم العالية في صناعة الحرب والموت. هناك بالتأكيد متغيرات دولية, وهناك تحول طرأ علي المعطيات والقواعد التي يحتكم اليها الصراع في العالم الحديث أدت الي رفع مثل هذا الشعار من مثل هذا الحلف, إذ لاشك انه كانت هناك خرائط لهذا الصراع معروفة ومرسومة بوضوح في أزمنة الاحتدام الأيديولوجي بين معسكري الشرق والغرب, والمهمات التي كانت محددة بدقة لمثل هذه الأحلاف فيما إذا تحولت الحرب الباردة بين المعسكرين إلي حرب ساخنة, وموكول خوضها الي هذا الحلف في الغرب أي حلف الناتو, مقابل حلف وارسو لدي الكتلة الشرقية, ثم جاءت تلك التطورات الكبري التي تفككت بموجبها الكتلة الشرقية وتبخر حلفها في الفضاء وانتهت الحرب الباردة, وانتهت بانتهائها احتمالات قيام حرب ساخنة, وصار حلف الناتو, يصول ويجول وحده فوق رقعة الشطرنج العالمية بعد أن تهاوت القلاع وسقط أباطرة المعسكر الشرقي وتبدد ريحهم, وربح حلف الناتو الحرب بلا حرب وتسارعت بالانضمام إليه فلول الكتلة الشرقية المنهارة, تبحث عن الحماية, ولكن ممن هذه الحماية, وقد تحقق للغرب بقيادة أمريكا, انتصار علي الخصوم الأيديولوجيين, ساحق ماحق دون اطلاق رصاصة واحدة. نعم وألف نعم لانتصار يتحقق بدون حروب, ووداعا للحرب يقولها الحلف الذي حقق النصر بدونها ودون حاجة للتضحية بدماء جنود في سبيل تحقيق مثل هذا الفوز الساحق, ولن نكون أقل منه حماسا لعالم بلا حروب, ولن نتردد أو نتواني في أن نرفع من خلفه النداء ونقول مثله بملء حناجرنا وداعا للحرب, بأمل ورجاء أن يكون الحلف صادقا في رفع هذا الشعار, سائرا بجد في تطبيقه, وهو لاشك يعني مايقول باعتبار أن الحاجة انتفت لخوض تلك الحروب التي كان مخططا له خوضها عند تأسيسه. لقد مضي علي آخر الحروب الأوروبية, التي اصطلح علي تسميتها عالمية, خمسة وستون عاما, ولكن حروبنا في هذا الجزء من العالم مستمرة, بعضها مثل الصراع العربي الصهيوني, بدأت عشية انتهاء الحرب العالمية الثانية وبمساهمة فاعلة ورئيسية من المؤسسين الأوائل لحلف الناتو واللاعبين الرئيسيين فيه, ولايهدأ أوار هذه الحرب إلا ليشتعل من جديد, لأن هناك قوي في الغرب كما يبدو واضحا علي مدي حلقات هذا الصراع تحرص علي استمرارها ودوام اشتعالها, سعيدة بأن تري شعبنا العربي يحترق بها, وهي في مأمن من شرورها جاهزة بامداد الطرف الذي يمثلها في هذا الصراع بالعدة والعتاد دون كلل ولا ملل, دعك مما نراه من حروب عملوا علي تصديرها لعالمنا الثالث البائس المسكين, في العراق وأفغانستان والصومال والسودان, لاتزال هي الأخري تستعر رغم مرور عشرات الأعوام علي انطلاقها, وهناك حروب تشنها اسرائيل خارج أرض الصراع في فلسطينالمحتلة, مثل حروبها المتكررة في لبنان تحت مختلف الذرائع, وهي حروب تلقي الدعم والمناصرة والعون اللوجستيكي من جيوش حلف الناتو كما تلقي الدعم السياسي في المحافل الدولية من حكومات حلف الناتو ولكل ماترتكبه اسرائيل من جرائم وآثام, فكيف نستطيع بالتالي أن ننتفع من هذه النوايا السلامية الجديدة والعواطف النبيلة التي نبتت فجأة في قلوب جنرالات حلف الناتو وهذه الشعارات التي ترفعها قياداته, وكيف نستطيع باعتبارنا شركاء في الأسرة الانسانية, أن نحقق سلاما وأمنا وهناء لشعوبنا مثل السلام الذي يريده حلف الناتو لشعوبه, فهل يتحقق الحلم؟ وهل نري عالمنا في يوم من الأيام وقد خلا من الحروب؟ من أعماق قلوبنا وبكل الشوق والتوق الانسانيين, نقول لحلف الناتو, أن شعوبنا جميعا تتطلع لمثل هذا اليوم.